توقفنا في المقال السابق عند قولنا بأن المواطنة لها مراحل متعددة. نفصلها بالآتي: أولاً: عندما ينطلق الشعور بالمواطنة من مشاعر وانفعالات جياشة من خلال تأكيد المواطن علي الثوابت التاريخية لوطنه والإيمان بها والعشق الواضح للموطن الأصلي الذي نما فيه وكل ما يحتويه من تاريخ ومكان ترعرع فيه وكل ما يتضمنه من ذكريات خاصة به. ثانيهما: عندما ينمو شعور المواطنة عن طريق الاحساس بتنمية تطوير هذا الوطن وبأهمية بذل الجهد عن طريق المشاركة الفاعلة والسعي إلي تطوير الوطن. ثالثهما: بعد ذلك يأتي شعور الولاء والانتماء والفخر بهذا الوطن وهنا تولد المواطنة الصادقة الحقة وبالتالي تبرز في هذه المرحلة أهمية الدولة في تأكيد وتفعيل الانتماء والولاء لدي مواطنيها. رابعها: هنا تظهر المواطنة الذاتية أو الشخصية والتي تعتبر النواه للمواطنة حيث يتكون ويولد شعور الانتماء والولاء والحب لهذه الأرض. وآخرها: هي ترجمه هذه المشاعر والانفعالات إلي أفعال وسلوكيات وسمات ظاهرة علي المواطن وهو ما يترك أثرا واضحاً علي المجتمع وبين أفراده والذي يتمثل في الشعور بالولاء والانتماء للوطن وللقيادة السياسية كمصدر لإشباع الحاجات الأساسية للمواطنة وحمايته من الأخطار المصيرية. ومن مجمع ما سبق عرضه يتضح لنا أن المواطنة علاقة تعاقدية من خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول "المواطن" الولاء ويتولي الطرف الثاني "الدولة" الحماية. ولذا فإننا نؤكد أهمية المواطنة وما تمثله من تحد كبير يواجه الدولة الحديث فإذا لم تتمكن الدولة من بناء مواطن فاعل مسئول مدرك وواع لواجباته وحقوقه ومشارك في الحكم فإن الدولة ستنجرف إلي أوضاع وأشكال مختلفة من الفرقة وتشتت الولاء والانتماءات الضيقة التي بالتأكيد ستحتل الأولوية علي حساب الوطن والمواطنة والانتماء. ونؤكد أن المواطنة باختصار تعني الولاء وتعني الانتماء وتعني الحفاظ علي الوحدة الوطنية وتعني الاعزاز بالهوية الوطنية. فالمواطنة مفهوم يشمل جمع المفاهيم الأخري ذات الصلة ولكن يزيد مفهوم المواطنة عن هذه المفاهيم في أن المواطنة تعبر بشكل مباشر عن حقوق وواجبات.. حقوق المواطن في وطنه وبلده الذي ينتمي إليه وهذه الحقوق يفترض أن تقوم علي مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة والعطاء وفي المقابل علي المواطن واجبات نحو وطنه من حب وحماية والذود عنه ضد الأخطار والعمل والجد والاجتهاد والمحافظة علي ممتلكاته ومدخراته وأمواله والسعي نحو رفعته والاسهام في تقدمه ونموه. ويتضح لنا أن مفهوم المواطنة لا يعتبر مفهوماً نظرياً مجرداً عاماً أو افكاراً مثالية بعيدة عن التطبيق والممارسة بل مفهوم المواطنة مفهوم عملي إجرائي لا يمكن أن يرسخ في أذهان ووجدان ونفوس المواطنين إلا من خلال ممارسته بشكل فعلي وعملي وأن يتم تحقيقه وترجمته علي أرض الواقع ولكن نبني مواطنا صالحاً يتمتع بشعور واحساس عال وصادق بالمواطنة فلابد من توفير مناخ عام يتسم بالعدالة ويقوم علي الاحترام المتبادل وتقدير كرامة المواطن ومنحه الحرية وبالتأكيد علي هذه الضمانات الأساسية فإنها بلا شك تكفل للمواطن حياة كريمة وعلي ضوئها يشعر بالتقدير والاحترام. أن العديد من المتغيرات والأحداث والأوضاع التي استجدت علي الساحه تلزمنا جميعاً أن نبرز أهمية المواطنة وأهم هذه المتغيرات الهالة الإعلامية العربية وما تبثه من اتجاهات وآراء وافكار وانماط التفكير قد لا تتفق وتتعارض بشكل صارخ مع العديد من قيم ومباديء وثقافة مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وفي المقابل نجد أن هذا التحدي الهائل الكبير الذي يواجهه المواطن يواكبه قصور وعجز واضح وسلبية كبيرة في الأدوار والوظائف التي يجب أن تمارسها العديد من مؤسسات المجتمع الثقافية والتعليمية وما يجب أن تلعبه تلك المؤسسات وتقوم به من تشكيل وتنمية الوعي لدي المواطن بالأهداف والغايات التي تقتضيها وتسعي لها الدولة وايضا هناك متغيرات اخري لها تأثي واضح علي بروز مفهوم المواطنة في الوقت الراهن والآونة الأخيرة. منها القصور الواضح في دور مؤسسات المجتمع الثقافية والتعليمية التي تؤثر في تشكيل الوعي الوطني لدي المواطنين ومن المتغيرات ايضا الانفتاح الإعلامي وثورة "الانترنت" وعبور الحدود الجغرافية والسياسية علي الجسور التي قدمتها تكنولوجيا الاتصالات. وظهور التكتلات السياسية والاقتصادية "الاتحاد الأوروبي السوق الأوروبية المشتركة مجموعة الثماني مجموعة العشرين منظمة شنغهاي مجلس التعاون الخليجي". وإنني أري أن هناك عاملاً من أهم تلك المتغيرات ألا وهو غياب الدور الفاعل للمؤسسات التربوية في تشجيع المشاركة في الأعمال التطوعية الهادفة لخدمة الوطن والمواطن وقله تركيز المناهج الدراسية علي أهمية المواطنة. وكل هذه المتغيرات والعوامل مجتمعة كلها لها الأثر الفاعل والمؤثر والمباشر في إدراكنا لخطورتها علي مباديء وفكر المواطن وعلي ولائه وانتمائه وبالتالي برزت قضية المواطنة وتزايد الاهتمام بها وخاصة التعاون مع شريحة الشباب ومن الضروري أن نتعرف علي مكونات المواطنة وتحقيقها بشكل سليم ومن الضروري أن نتعرف علي مكونات المواطنة وتحقيقها بشكل سليم علي أرض الواقع وأهم تلك المكونات الانتماء الذي هو الانتساب الحقيقي للوطن فكراً وعملاً وبروز مشاعر التضامن والولاء للوطن. ثم يأتي مكون ثاني ألا وهو الحقوق التي تكفل للمواطن حياة كريمة من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية ورعاية صحية وتعليمية والمكون الثالث الواجبات المترتبة علي كل مواطن كاحترام النظام والالتزام به والدفاع عن الوطن والمساهمة في تنميته والحفاظ علي ممتلكاته ومن تلك المكونات ايضا الاشتراك في القيم العام من عادات وتقاليد ونظم وعقائد وقوانين المجتمع و الالتزام بالأخلاق الحميدة العامة مثل الأمانة والإخلاص والصدق والتكافل الاجتماعي. ولا ننسي مكونا أساسيا وخاصة في فئة الشباب وهو التربية الأسرية كأساس ثم تفعيل مشاركة الشباب في المجتمع ثم دور المدرسة أو الجامعة وأخيرا التوعية الإعلامية ولكن الواقع يفرض علينا أن درجة التقبل والانسجام مع مفاهيم المواطنة الحديثة ليس سريعا لدي جميع المواطنين فلا يزال بعض المواطنين ينتمون إلي روابط الدم والنسب فيشعر المواطن أنه ابن العائلة والقبيلة والمذهب أكثر مما يشعر بأنه ابن الدولة والحل هنا بيد النظام الحاكم وبيد القوي السياسية وبيد قوي المجتمع المدني وبيد النخب المثقفة أي لابد أن يشعر الجميع بمسئولياتهم المباشرة لرعاية ثقافة المواطنة وإن لم يشعروا بذلك فسيبقي المواطنون ملتجئين إلي ما يظنون أنه السبيل الأقرب لنبقي رائعين في القبيلة والطائفية والفئوية. وللحديث بقية