دكتور/ محمد زين العابدين عبد الفتاح أولا: مفهوم المواطنة: تُعد المواطنة مفهوماً عاماً وشاملاً ينطوي على مجموعة من المفاهيم المتلازمة والمتسقة فيما بينها، لتوجه سلوك الأفراد وتحدد تصرفاتهم في ميادين العمل الوطني، وتشير المواطنة الصالحة إلى موقف الفرد من السلطة الممثلة بالدستور وما جاء فيه من حقوق وواجبات، وما ينبثق عنه من أنظمة وتعليمات، كما تشير المواطنة الصالحة إلى ما يبطنه الفرد من ولاء وانتماء واعتزاز بوطنه وشعبه ونظامه، وما يترجمه من مشاركة عملية في كل ما يهدف إلى مصلحة الوطن. وعلى اعتبار أن المواطنة تكمن في قلب الحياة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، وكي يتمكن الأفراد في المجتمع وضمن حياتهم اليومية من ممارسة السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل ديمقراطي في مجتمعاتهم، فإن عليهم بالأساس أن يكونوا على دراية ووعي كافيين بمعنى المواطنة وأبعادها ومرتكزاتها، ومن ثم تكون لديهم القدرة على ممارسة مبادئ الديمقراطية في حياتهم اليومية بحيث تكون الديمقراطية جزءاً من الثقافة المجتمعية السائدة بين الحين والآخر . وهذا يبرز أهمية دور التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها بعض مؤسسات المجتمع على اختلاف أنواعها رسمية وغير الرسمية، لتعزيز المواطنة ومبدأ الديمقراطية وغرس مفاهيمها في نفوس المواطنين، فأساليب التنشئة في البيت والمدرسة والمجتمع بشتى وسائله تساعد على تنمية قيم ومبادئ المواطنة. فالأسرة هي أول المؤسسات الاجتماعية التي تقوم بهذا الدور مع أبنائها على اعتبار أنها الأساس الأول للطفل، ثم بعد ذلك المؤسسات التربوية الأخرى الرسمية وغير الرسمية . فعلى الأسرة الواعية أن تبني أفرادها بناء سليما وتغرس في نفوسهم حب الوطن الذي ولدوا فيه وعاشوا بين أكنافه، وتنمي فيهم روح التضحية والعطاء والتفاني من أجل رفعة وعزة وأمان ذلك البلد. (فبانكس( يرى أن المواطن هو ذلك الفرد الذي يقطن في إحدى الدول القومية، ويتمتع بمجموعة محددة من الحقوق والامتيازات، فضلا عن الواجبات تجاه تلك الدولة، من قبيل: الشعور بالولاء والانتماء تجاه حكومتها. ومن ثم؛ فإنه يعرف المواطنة على أنها تمثل وضعية أو مكانة الفرد في المجتمع باعتباره مواطنا. كما يعرفها- أيضا- على أنها مجموعة من الحقوق، والواجبات، والهويات التي تربط المواطنين بالدولة القومية التابعين لها. وعلى الرغم من أن تلك التصورات النظرية الأساسية السابقة الذكر تتسم بالدقة، فإنها لا تبرز على نحو دقيق المواطنة كمفهوم برز على السطح في الدول القومية الحديثة. ويشير الباحث إلى أن تفسير"مارشال"(1964) لعناصر المواطنة الثلاث- وهي العناصر: "المدنية والسياسية والاجتماعية"- يعد على درجة كبيرة من الأهمية كما أنه يستخدم على نطاق واسع في مجال إجراء الدراسات العلمية التي تدور حول المواطنة باعتبارها ظاهرة اجتماعية نمائية ذات طابع ارتقائي، فضلا عن وصف كيفية بروز العناصر المدنية والسياسية والاجتماعية للمواطنة على مدى عدة قرون من الزمن، فالجوانب والأبعاد المدنية للمواطنة- التي برزت على السطح في إنجلترا خلال القرن الثامن عشر- تزود المواطنين بالحقوق الفردية، مثل: حرية التعبير عن الرأي، وحق الملكية، والعدالة والمساواة أمام القانون. ويمنح البعد السياسي للمواطنة الذي برز للمرة الأولى خلال القرن التاسع عشر المواطنين كافة الفرص والإمكانيات اللازمة لممارسة السلطة السياسية المتاحة لهم، من خلال المشاركة في العملية السياسية في المجتمع. أما البعد الاجتماعي للمواطنة والذي ظهر للمرة الأولى خلال القرن العشرين فيزود المواطنين بكافة الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات الرفاهية اللازمة لهم، للمشاركة بشكل كامل في مجتمعاتهم الثقافية، فضلا عن المشاركة في ثقافاتهم المدنية الوطنية. من هنا فإن الباحث يشير بذلك إلى أن مارشال يعتبر تلك العناصر والأبعاد الثلاث- السابقة الذكر- للمواطنة على أنها مجموعة من العناصر المتداخلة والمترابطة فيما بينها، في الوقت نفسه الذي ينظر فيه إلى المواطنة على أنها إحدى الأسس المثالية التي تسعى الدول القومية جاهدة إلى تحقيقها، ولكنها مع ذلك لم تستطع تحقيقها عمليا على أرض الواقع بشكل كامل.