كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستقبل شهر شعبان بالفرح والسرور ويدعو الله فيقول: "اللهم بلغنا رمضان" لأن شعبان يقربنا من شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ويكثر من الصيام في شعبان بما لا يكثر في غيره من شهور العام. والآن كيف نستعد لرمضان في أنفسنا إيمانيا لمواجهة الهوي والشيطان. وسياسيا لمواجهة التمرد والعصيان. أما الاستعداد إيمانيا فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ثم رده إلي أسفل سافلين. ووضع الإنسان في اختبار قال عنه سبحانه: "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةي أَمْشَاجي نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا" الإنسان 2 وقال سبحانه: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" "البلد 10" فالإنسان خلقه الله من طين. ونفخ فيه الروح. وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل فمثَّل الطينَ الهوي ومثلت الفطرة الروح. وصار الإنسان بين هوي يشده إلي الأرض بطينها ووحلها "أَخْلَدَ إِلَي الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" "الأعراف:من الآية 176" وصارت الفطرة تشده إلي أعلي "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" "الروم: من الآية30". والعقل يفكر ويقدر. وينظر ويدبر. ويختار ما بين إجابة الهوي أو الاستجابة لنداء الفطرة وليس كل الهوي حراما. فهوي الإنسان أن يأكل ليعيش ويقوي للعبادة لا ليأكل مال اليتيم وكسرة الفقير. وهوي الإنسان في النكاح أن يتناسل ويبقي النوع الإنساني علي الأرض لا ليهتك الأعراض وتختلط الأنساب وهوي الإنسان أن يتكلم الكلام ليقول الحق ويصلح بين الناس لا الكذب والبهتان وهوي الإنسان أن يغضب لنصرة الحق لا اندفاعا نحو الظلم والطغيان وجاء الشيطان ليلتحم بالهوي فيزيده إسرافا وبدارا نحو الشر من الإنسان إضرارا بنفسه قبل أسرته ومجتمعه وعالمه فأدركته عناية الرحمن وأنزل الله القرآن وفرض شعيرة الصيام ليعود للإنسان الميزان ويعين عقله علي الترجيح بين نداء الفطرة وأوامر الرحمن في مواجهة إغواء الهوي والشيطان فصار الصيام ركنا أساسيا في توازن الإنسان وتغيير ما بالنفس أولا ثم الأسرة والمجتمع والأمة بعدها ومعها» كي يصدر الإنسان في أفكاره وأفعاله وأقواله عن عابد لله عز وجل خليفة لله في أرضه. داعيا إلي الحق. آمرا بالعدل ناشرا للبر. متحركا بنور الله كما قال سبحانه: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجي مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" "الأنعام 122" وهنا يجب أن نتوقف أمام خصائص أنفسنا التي خلقها الله تعالي وركَّب فيها شهوات أربعة قوية هي: "البطن والفرج والكلام والغضب" وفرض الله الصيام ليكون - مع بقية العبادات - آلية التغيير الإيمانية العملية في الفرد والأسرة والمجتمع والأمة ووضع ربنا لذلك سننًا وفرائض عملية لتعين الإنسان علي نفسه إصلاحا وتغييرا. وتقويما وتحسينا. فإذا ما جد بالإنسان السير إلي الله. واعتبر الصيام شعيرة تحبها النفس. ويعظمها القلب كما قال تعالي: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ" "الحج 32". فإن الإنسان من أول شعبان سوف يهرع إلي الصيام بالنهار. والقيام بالليل نافلة قبل رمضان. ويضاعف ذلك الإيمان في رمضان ارتقاء طبيعيا. ويستمر بعد رمضان في برامجه الإيمانية من صيام وقيام. وذكر وقراءة للقرآن. وبذل وإنفاق في سبيل الله. وعمارة لبيوت الله. ويظل هذا أدبه ودأبه حتي يأتي قدر الله كما قال تعالي: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّي يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" "الحجر 99" فإذا جاء اليقين فإما باب الريان لا يدخله إلا أصحاب الإيمان من الصائمين. وتلك منازل أصحاب اليمين. أما منازل الصديقين والمقربين فلهم مقامات أعلي وأرقي وأسني نستشف ذلك من دليل الإشارة في الحديث النبوي الذي رواه البخاري بسنده أن النبي صلي الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه "الصوم لي وأنا أجزي به" فإن كان الصوم له سبحانه وهو يجزي به فهناك حقا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر. ومن هنا وجب الاستعداد من شعبان قبل الميعاد في رمضان فلا ندع القلوب في صدأ وغفلة وقسوة وظلمة فيأتي رمضان وقد صعب علي صفحاته أن تستقبل نفحات الرحمة والمغفرة والعتق من النيران. أما التهيئة السياسية أمام دعوات التمرد قبل رمضان بأيام - وتلك مظنة الفشل الذريع بإذن الله- فمن باب "اعقلها وتوكل" لا أجد خيرا مما كتبه أخي المهندس العالم الشرعي السلفي عضو الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح. وعضو لجنة الفقه والقضايا المعاصرة بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية الدكتور هشام برغش حيث ساق نصًا هذا الاستعداد السياسي لمواجهة ما يسمي حملة تمرد يوم 30 يونيو الموافق 21 شعبان فقال: "مهام عاجلة للخروج من فتنة الحشد العلماني والنصراني وأعداء الثورة والمغرر بهم إلي فتنة 30/6 أولا: الدعاء والتضرع إلي الله عز وجل أن يقي أهل مصر من هذه الفتنة وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار وأن يجعل كيدهم في نحورهم. وأن يحقن دماء المصريين عامة والمسلمين خاصة. وأن نتواصي بذلك في ساعات الإجابة ومظانها. وأن يكون هذا سلوكا عاما لكل المخلصين ولعل حشد الأمة إلي هذا السلاح في الفترة المقبلة خاصة من خلال القنوت في المساجد يكون مما يفعِّل هذا السلاح. ثانيًا: علي أهل العلم في جميع أنحاء العالم الإسلامي في كافة المؤسسات الرسمية والهيئات الرسمية والأهلية والمجامع الفقهية والشخصيات الاعتبارية وغيرها أن يقوموا بواجبهم في التحذير ممن يسعون إلي إثارة هذه الفتنة والداعين إليها. والتحذير من إعانتهم بأي وسيلة سواء إعلامية أو غير ذلك ولو بكلمة. وأن كل قطرة دم أو إفساد ينشأ عنها فإنهم يتحملون جميعا وزرها وإثمها هم ومن أعانهم بأي وسيلة وأن يكون ذلك من خلال جميع المناشط الدعوية والمنابر ووسائل الإعلام المختلفة. ثالثًا: علي جميع قيادات العمل الإسلامي في مصر من كافة الفصائل الدعوية أن يدركوا خطورة تفرقهم وتنابزهم وأن يقدموا مصلحة الأمة الكلية وحقن دماء أبنائها علي المصالح الجزئية والمكاسب الآنية. وعلي جميع هذه القيادات أن يدركوا أنهم واقفون أمام الله عز وجل فرادي وأنهم مسئولون عن تقصيرهم وتنازعهم وتقديمهم حظوظ أنفسهم علي واجبات أمتهم. وعليهم مراعاة أن تكون تصريحاتهم قوية وواضحة في رفض هذه الفتنة والتحذير منها وأن يكونوا حذرين في تصريحاتهم إلي وسائل الإعلام حتي لا يستغل هؤلاء تصريحاتهم في إضفاء الشرعية علي هذه الفتنة. رابعًا: علي جميع قادة الأحزاب الإسلامية والوطنية أن تكون لهم مواقف واضحة ورفض صريح تام لمحاولات القرصنة التي تدشن لها الأحزاب العلمانية ورموزها مستغلة تبعية أكثر القنوات الإعلامية لأصحاب تلك الدعوات. وعلي هذه القيادات أن تبادر إلي عقد اجتماعات جادة ومنتظمة وأن تنسق بينها حتي يمكنها إنقاذ البلاد من النفق المظلم الذي يحاول أصحاب هذه الدعوة دفعها إليه. خامسًا: علي قادة ورموز العمل الإسلامي والسياسي والوطني تهيئة أنفسهم وأنصارهم ومحبيهم من جميع المخلصين من أبناء هذا الوطن إلي أن يكونوا علي أتم استعداد لكافة الخيارات إذا استدعي الأمر ذلك. وكان هناك خطر يتهدد الوطن واستقراره. سادساً: علي الفضائيات الإسلامية والمواقع الإسلامية وأصحاب الصفحات الكبري علي مواقع التواصل الاجتماعي في هذه المرحلة أن يعطوا هذه المسألة أولوية كبري من برامجهم ومشاركاتهم واهتماماتهم. سابعًا: علي الحكومة والرئاسة أن تنتبه إلي خطورة تفاقم الأوضاع المعيشية والأمنية سواء كانت مفتعلة أو مقصودة لأنه يتم من خلالها تهيئة الجماهير إلي أن السبيل الأوحد لتجاوز هذه الأزمات هو الخروج في هذه الفتنة» فعليها أن تبذل قصاري جهدها لعلاج هذه المشكلات ومنع تفاقمها ومحاسبة وفضح المتواطئين فيها. ثامنًا: علي أهل العلم والخطباء والأئمة أن يقوموا بدورهم في مناصحة رجال الشرطة والجيش بأن تخليهم عن واجبهم في حفظ الأمن وحقن الدماء ومواجهة المفسدين هو خيانة لله عز وجل ولأماناتهم وأن يكون قيامهم بهذا الدور المنوط بهم من غير بغي أو عدوان. تاسعا: التفاؤل والثقة في الله عز وجل وأنه سبحانه لن يخذل عباده وأنه سبحانه لايصلح عمل المفسدين وبث الأمل في نفوس الناس وأنه سيكون بإذن الله يوم انكسار للشر وأهله ويوم عزة للحق وجنده. هذه بعض خطوات أراها مهمة لمواجهة هذه الفتنة التي يراد إدخال البلاد والعباد في شرها والله أسأل أن يقمع أهلها وأن يكفي المسلمين شره.