رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً علي رحيل القارئ الإذاعي الكبير المرحوم حمدي الزامل "1929 1982" الملقب بالقاريء "المعجزة" و"العملاق" و"كروان الإذاعة" و"القاطرة البشرية" لقوة صوته وأدائه.. إلا انه مازال يصدح بصوته العزب الذي ملأ الدنيا من أقصاها إلي أقصاها.. أثناء حياته وبعد وفاته من خلال تسجيلاته النادرة التي تقدمها شبكة القرآن الكريم وأيضا تقدم عبر العديد من المواقع علي الإنترنت.. والشيخ الزامل كان الله تعالي قد حباه بأداء قرآني مُعجز مما جعل كل من استمع إليه يتوقف ليصغي إليه بإمعان شديد ثم يبدي إعجابه بصوته الملائكي الذي تعددت أوصافه مثل: صوت ندي. آخاذ. باكي. متذلل. خاشع لربه تعالي.. ولأنه كان يؤثر في النفوس لذا فقد حرصت الشخصيات العامة والقادة ولا عجب في ذلك فهو يستحق ويكفي انه مكرم من الله تعالي علي تكريمه. نجد من بين هؤلاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي التقاه وكرمه وأثني علي أدائه الطيب.. كما أبدي الشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ عبدالباسط عبدالصمد إعجابهما بهذه الموهبة الفريدة في عالم التلاوة كما انجذب إليه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وذلك حين سمعه في ليلة أربعين أم كلثوم وتساءل وقتها: لماذا لم يلتحق صاحب هذا الصوت بالإذاعة؟ ولم يهدأ له بال إلا وهو معتمد بها.. وأيضا لم تجد السيدة أم كلثوم ما تعبر به عن إعجابها بصوته سوي انها تقوم بخلع عقدها الذهبي وأهدته إياه.. "عقيدتي" حرصت علي التوجه إلي مسقط رأس القاريء العلم الشيخ حمدي الزامل وأجرت اللقاء التالي مع أسرته ومحبيه: يقول ولده الشيخ رضا حمدي الزامل: لقد ساعدت البيئة التي ولد فيها والدي رحمه الله علي النبوغ المبكر حيث ان بلدتنا منية محل الدمنة تقع في منطقة تسمي ب "بلاد البحر" وكانت تستضيف كبار قراء القرآن في مصر وقتها أمثال المشايخ: مصطفي إسماعيل والشعشاعي وعبدالعظيم زاهر وأبو العينين شعيشع وغيرهم.. وفي الكُتاب ظهرت علامات الموهبة الكاملة علي الفتي الصغير حمدي الزامل فحفظ القرآن قبل سن العاشرة علي يد الشيخ مصطفي إبراهيم وجوّده علي يد خاله المرحوم الشيخ عوض بحبح.. وأصبح الابن الصغير يلفت الأنظار إليه رغم صغر سنه وعرفته قريته والقرية المقابلة لها في البر الشرقي محل الدمنة حيث يتوسطهما البحر المؤدي إلي المنزلة ونظراً لقوة صوته وجماله المبدع لقبه شيخه بالمعجزة اقتناعاً منه بموهبته المبكرة. طابور الصباح تقول السيدة نهلة أكبر أبناء الشيخ حمدي الزامل مدرسة بالأزهر : عندما ظهرت علامات النبوغ المبكر في تلاوة القرآن عند والدي أشار معلمه علي جدي أن يلحقه بالتعليم حتي يصقل الموهبة بالدراسة. وبالفعل استجاب والده لنصيحة شيخه وألحقه بمعهد الزقازيق الديني وهناك تألق في تلاوته للقرآن الكريم في طابور الصباح مما أذهل شيخ المعهد والأساتذة الذين أخذوا في الثناء عليه واحتضنوه إلي أن تخرج في المعهد فتاً قوياً يتلو القرآن بمهارة واتقان متأثراً في أدائه في بادئ الأمر بالعديد من المدارس القرآنية الكبيرة في مصر من هذه المدارس الشيخ محمد سلامة والشيخ مصطفي إسماعيل وذاع صيت الشيخ الزامل وبدأت رحلة التنافس الشريف مع القاريء العملاق المرحوم الشيخ شكري البرعي وأصبحت الدعوات تنهال علي والدي ليس في الدقهلية وحدها بل انتقلت إلي باقي محافظات الجمهورية ليتلو القرآن بصوته القوي. الرخيم. الخاشع. المعبر حيث كانت تلاوته تهز المشاعر وتحرك الوجدان وتوقظ القلوب. يقول د. جمعة عبدالبديع وكيل الوزارة لأزهر الدقهلية أحد محبي الشيخ الزامل: إن المرحوم الشيخ حمدي محمود الزامل يعد من الأصوات القليلة التي كانت لا تقرأ القرآن إلا لله سبحانه وتعالي فقد كان يقرأ القرآن بخشوع ويصور معانيه فقد كنا ومازلنا نسمعه وهو يبتهج عن آيات البشارة ويتباكي عند آيات الوعد والوعيد وكان يرتفع بصوته عندما تأتي كلمة "السماء" ويخفض صوته عند كلمة "الأرض".. ومما سمعته عنه حكاية تؤكد مكانته كقارئ له ما له في دنيا التلاوة.. كان الشيخ حمدي الزامل يقرأ في عزاء بقرية سلامون القماش وتصادف مرور القارئ العملاق الشيخ مصطفي إسماعيل الذي كان مدعواً لإحياء سهرة بالمنزلة ليلاً وعندما سمع الشيخ مصطفي صوت الشيخ حمدي وهو يقرأ أعجب بصوت الشيخ حمدي وأمر سائق سيارته أن يتوقف وظل الشيخ مصطفي يستمع للشيخ حمدي وهو يقرأ ثم بعد قليل وجد الشيخ مصطفي أحد أبناء القرية يمر بجوار السيارة فقال له: من يكون هذا القارئ؟ فأجابه الرجل: انه الشيخ حمدي الزامل فحمَّله الشيخ مصطفي رسالة شفوية وطلب منه أن يوصلها للشيخ حمدي قائلاً للرجل: قل للشيخ حمدي الشيخ مصطفي إسماعيل استمع إليك وأعجب بصوتك وأدائك ويدعو لك. الانطلاقة الحقيقية يقول رضا حمدي: عندما رحلت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم دعي والدي للقراءة في عزائها بقرية طماي الزهايرة مركز السنبلاوين وهناك تجلي الله تعالي علي والدي وقرأ قراءة من أبدع ما قرأ في حياته فاستحوذ علي قلوب كل من حضر ليلة العزاء من سياسيين وفنانين وعامة الشعب مما جعلهم يحرصون علي توجيه الدعوة له في ذكري الأربعين بالقاهرة وقرأ يومها الشيخ حمدي من سورة النساء لمدة ساعة ونصف الساعة وسط حضور نجوم المجتمع وقراء الإذاعة والتليفزيون والعديد من الفنانين والموسيقيين وأثناء تلاوته أسرع الموسيقار محمد عبدالوهاب ناحية الشيخ مصطفي إسماعيل قائلاً له: كيف لا يلتحق هذا القاريء بالإذاعة إلي الآن؟. انه صاحب امكانيات هائلة تمكنه من خوض الاختبار وأعطاه الموسيقار موعداً لمقابلته بمبني الإذاعة وبالفعل ذهب الشيخ حمدي وخضع للاختبار واجتازه بفضل الله من أول مرة. وعقب اعتماده قارئاً بالإذاعة استضافت الإعلامية الكبيرة آمال فهمي الشيخ حمدي الزامل في برنامجها الشهير "علي الناصية" وأجرت معه مقابلة بمناسبة اعتماده قارئاً بالإذاعة وطلبت منه أن يسمع السادة المستمعين شيئا فشدا الشيخ حمدي بقصيدة "أحمد شوقي" ولد الهدي. الزامل الإنسان وكان الشيخ حمدي الزامل عاشقاً ومحباً للفقراء والمساكين لدرجة تفوق الوصف. يقوم بالسؤال عنهم وزيارتهم. يساعدهم ويقف إلي جانبه في أفراحهم وأحزانهم وذات يوم قال له أحد محبيه واسمه ياسين: يا عم الشيخ حمدي أشعر بدنو الأجل وأنا لا أملك شيئا وأمنيتي أن الذي يقرأ مأتمي هو أنت وسبحان الله: لما جاء الأجل ومات الرجل أسرع الشيخ حمدي إلي منزل الرجل وأقام عزاءً علي نفقته وقرأ الشيخ حمدي سورة ياسين كاملة كما لو كان لم يقرأ من قبل وقام بدفع كل مستلزمات المأتم من جيبه الخاص وفاءً لرجل كل مؤهلاته انه كان يحب سماعه منتهي الوفاء المدارس القرآنية من أهم المدارس القرآنية التي خرجت من عباءة الشيخ حمدي الزامل القاريء الشيخ محمد السيد ضيف والشيخ محمد عبدالوهاب الطنطاوي والشيخ أحمد إبراهيم شعبان والشيخ محمد أبو سبع والشيخ حسن البرعي والشيخ ناصر كسبة وغيرهم. أما عن الشخصيات التي تستحق منا التحية حيث مازالوا علي اتصال مع الأسرة بل وقاموا بعمل مواقع علي الإنترنت ودشنوا عليها كل ما قرأه الشيخ من هؤلاء: هاني هاشم وأحمد رياض وأنس علاء. همسة عتاب وتتوجه نهلة حمدي بجزيل الشكر والعرفان لإذاعة القرآن الكريم علي ما تقدمه من جهد مشكور واصفة إياها ب "الإذاعة الأم" لكونها تقوم علي نشر الدين والوعي الإسلامي وترجو إذاعة القرآن وتقديم المزيد ليس لقاريء بعينه ولكن لجميع القراء.. أضافت: علي الرغم من اننا نلمس جهد الأستاذ السيد صالح الواضح إلا اننا نُذكر القائمين علي الأمر بإذاعة الأشرطة التي أهديناها للإذاعة ومساحتها حوالي 60 ساعة وكلها نادرة منها سورة التوبة والإسراء وآخر يوسف والكهف والفتح وقصار السور.. ويختتم رضا حمدي الزامل: أرجو من شبكة القرآن بسرعة إذاعة سورة الأنفال التي تعد من روائع الشيخ حمدي الزامل التي قرأها علي مدي سنوات عمره.