من حقوق العامل الاقتصادية في الإسلام أن توفر له الدولة الحاجات الأصلية للمعيشة من الضروريات والحاجيات مثل الطعام والشراب والملبس والمأوي والعلاج والتعليم والزواج ونحو ذلك حتي يعيش حياة كريمة كما يجب علي أفراد المجتمع ولاسيما الأغنياء أن يتعاونوا ويتضامنوا ويتكافلوا مع الدولة في هذا الأمر من خلال الزكاة والصدقات والضرائب ونحو ذلك من الالتزامات المالية حيث افترض الله في أموال الأغنياء بما يكفل الحياة الكريمة للفقراء ولا يشقي الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بصنيع الأغنياء كما أن تحديد الحد الأدني للأجر الذي يكفل له الحياة الكريمة من الموجبات الدينية والإنسانية. ومن واجبات ومسئوليات الدولة أن تسن من القوانين والمراسيم بما تكفل للعامل الحياة الكريمة من خلال تحقيق التوازن بين الحد الأدني للأجور والأسعار وتكلفة الحاجات الأصلية وعندما يختل هذا التوازن يشقي العمال وتكون حياتهم ضنكا ويقود ذلك إلي الرذائل الأخلاقية والاجتماعية والسياسية ونحوها. وفي هذه الأيام بصفة خاصة ارتفعت الأسعار ارتفاعا كبيرا ولم تزد الأجور بنفس النسبة وظهر الجدل حول قضية ربط الحد الأدني للأجور بالحد الأدني لتكلفة الحاجات الأصلية بالأسعار وصدرت بعض التوجيهات الحكومية بأنه يجب ألا يقل الحد الأدني للأجور في الشهر عن مبلغ معين اعتقادا بأن هذه هي التكلفة المعيشة للفرد. ويثار العديد من التساؤلات منها: هل هذا التقدير يتفق مع أحكام ومباديء الشريعة الإسلامية بصفة عامة والحقوق الاقتصادية للعامل ومن يعول وما هي نظرة علماء الاقتصاد الإسلامي إلي هذه المشكلة هذا ما سوف نتناوله في هذه الدراسة المركزة. تقدير الحد الأدني للأجر في المنظور الاقتصادي الإسلامي: يجب أن يكون الحد الأدني للأجر في ضوء تكلفة الحاجات الأصلية للإنسان بصفة عامة من الآتي: * تكلفة الغذاء والشراب ليقيم صلبه. * تكلفة الكساء لستر عورته. * تكلفة المأوي ليسكن. * تكلفة العلاج لحفظ النفس. * تكلفة التعليم لحفظ العقل. * تكلفة الزواج لحفظ العرض. هذا بخلاف نفقات المناسبات الاجتماعية والدينية ونحوها من الضروريات والحاجيات وتأسيسا علي ذلك لا يجب أن يقل متوسط دخل الفرد العامل عن تكلفة تلك الاحتياجات فإذا كان تقدير الدولة للحد الأدني للأجور أقل من تكلفة هذه الاحتياجات فإن هذا يقود بالتأكيد إلي خلل سياسي مثل الإضرابات والمظاهرات والسلوك غير المشروع ونحو ذلك وما يحدث الآن ليس منا ببعيد. ويقوم فقهاء وعلماء الاقتصاد كل عام بتقدير الحد الأدني للأجر في ضوء البنود السابقة ومعدلات الأسعار ويكون هذا التقدير من الموجبات الإنسانية ذات البعد الاجتماعي وتصدر التشريعات اللازمة للقطاع العام والحكومي والخاص بأن يلتزموا جميعا بذلك. * موجبات العدل بربط الأجر بالجهد وبالأسعار: الأصل في الإسلام ربط الأجر بالجهد وفقا للمبدأ: "لا كسب بلا جهد ولا جهد بلا كسب" وذلك في ظل الظروف العادية لصاحب العمل وللعامل. ومن واجبات العامل في الإسلام الإخلاص والأمانة والاتقان وتحسين الجودة والإبداع والريادة والتطوير وهذا سوق يقود إلي زيادة الأجر والحوافز المادية والمعنوية. ولكن إذا كانت هناك ظروف غير عادية وحدث خلل بين الأجر وتكلفة الحياة الأصلية فيجب علي الدولة أن تتدخل لعلاج هذا الخلل من خلال التشريعات المختلفة وفقا للقاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار" وتستخدم سلطاتها في هذا المقام بحيث لا يسبب ضررا لأصحاب الأعمال ولا للعامل. ومن المنظور الاقتصادي لو فرض أن متوسط الارتفاع في الأسعار كان بنسبة 25% في حين أن متوسط الارتفاع في الأجور كان في حدود 10% فإن هذا يقود إلي خلل في الحياة المعيشية للعامل وربما يكون ذلك الدافع له إلي ارتكاب بعض السلوكيات غير المشروعة وغير القانونية ويسبب المزيد من الفساد بكافة صور العقدي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي ففي هذه الحالة يجب علي الدولة أن تتدخل لعلاج هذا الخلل من خلال نظام الدعم الاجتماعي. ونري أنه يجب علي الأقل كل فترة زمنية قصيرة "ربع سنوية" أن يكون هناك تحريك في زيادة الأجور بنفس نسبة الزيادة في الأسعار حتي يحدث التوازن بينهما وذلك أضعف الإيمان وهذه المسألة ليست صعبة في التطبيق العملي ولاسيما في ظل تطور وتقدم نظم تقنية البيانات والمعلومات السريعة ومن ناحية أخري فإن ربط الأجور بالأسعار يعالج مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية كثيرة منها مشكلة ضعف الإنتاج ومشكلة السلبية ومشكلة المظاهرات ومشكلة الإضرابات ومشكلة الفساد الاجتماعي ومشكلة الفساد الاقتصادي ومشكلة الفساد السياسي وما في حكم ذلك. * مسئولية الدولة في الرقابة علي الأسعار في الأسواق ومن بين أسباب غلاء الأسعار تصرفات وسلوكيات رجال الأعمال الجشعين من تجار ومصنعين ووسطاء من هذه السلوكيات: الاحتكار والتكتلات المغرضة. والغش. والتطفيف. وانخفاض الجودة. والرشوة. والسرقة. والربا ونحو ذلك. ولقد نهي الإسلام عن هذه السلوكيات الاقتصادية السيئة فعلي سبيل المثال حرم الرسول صلي الله عليه وسلم الاحتكار فقال صلي الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطيء" رواه مسلم وقال صلي الله عليه وسلم: "من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ الله وبرئ الله منه"" رواه أحمد وكما حرم الغش وقال صلي الله عليه وسلم: "من غش فليس منا" رواه أحمد وفي نفس الوقت حث الرسول صلي الله عليه وسلم علي خفض الأسعار للتيسير علي الناس لما في ذلك منمرضاة الله والفوز بثوابه بل رفع الإسلام الجالب لإرخاص الأسعار إلي مرتبة المجاهد في سبيل الله فيقول عليه الصلاة والسلام: "أبروا فإن الجلب إلي سوقنا كالمجاهد في سبيل الله" رواه مسلم وبشر الرسول صلي الله عليه وسلم لجالب بالبركة وزيادة الكسب فقال صلي الله عليه وسلمك "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون" رواه مسلم. وخلاصة القول إن هناك أسباباً مفتعلة من سوء سلوكيات بعض التجار وغيرهم لإحداث الغلاء في الأسعار يجب علاجها وهذا من الواجبات الدينية للحكومة فإذا أهملت الحكومة أو تواطأت مع بعض التجار الجشعين لسبب من الأسباب ولم تفرض الرقابة الفعالة علي الأسواق والمعاملات والأسعار تعتبر مقصرة ومشاركة في الجريمة الاقتصادية. ويوجد في التراث الاقتصادي نظام الحسبة والذي يعطي الدولة الحق والسلطة في الرقابة علي الأسواق لمنع الغش والاحتكار وكل صور الفساد في الأسواق ومازال هذا النظام مطبقا في بعض الدول العربية والإسلامية.