دراسة اقتصادية: ربط الأجور بالأسعار يعالج الفساد الاجتماعى والاقتصادى خبراء: تطبيق الحد الأقصى للأجور سيحقق فائضا فى الموازنة تشهد مصر هذه الأيام حالة من الانفلات غير المبرر فى أسعار السلع والمواد الغذائية، يقابله انخفاض فى القوى الشرائية للجنيه المصرى، الأمر الذى جعل الملايين من فقراء مصر يضجون بالشكوى، مطالبين بتحقيق العدالة الاجتماعية التى كانت أحد أهم ركائز قيام ثورة 25 يناير المجيدة. ولعل أبرز الحلول التى يطرحها خبراء الاقتصاد تتمثل فى وجود تشريع يربط مستوى الدخل والأجور بارتفاع الأسعار، مع ضرورة تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، إضافة إلى حزمة من الإجراءات الرقابية التى تضمن عدم التلاعب والقضاء على الممارسات السلبية كالاحتكار وإجراءات أخرى رادعة ضد المتاجرين بأوجاع الفقراء واحتياجاتهم. مراقبة الأسواق وتفيد دراسة متخصصة أعدها د. حسين شحاتة -أستاذ الاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر- أنه من واجبات ومسئوليات الدولة أن تسن من القوانين والمراسيم ما تكفل للعامل الحياة الكريمة من خلال تحقيق التوازن بين الحد الأدنى للأجور والأسعار وتكلفة الحاجات الأصلية. وتشدد الدراسة -التى تحمل عنوان "علاج مشكلة الخلل بين الأجور والأسعار فى المنهج الاقتصادى الإسلامى"- على ضرورة ألا يقل متوسط دخل الفرد عن تكلفة احتياجاته، فإذا كان تقدير الدولة للحد الأدنى للأجور أقل من تكلفة هذه الاحتياجات فإن هذا يقود بالتأكيد إلى خلل سياسى؛ مثل الإضرابات والمظاهرات والسلوك غير المشروع. كما تشير إلى أنه يجب زيادة الأجور كل فترة زمنية قصيرة "ربع سنوية"، وذلك بنفس نسبة الزيادة فى الأسعار حتى يحدث التوازن بينهما، لافتة إلى أن هذه المسألة ليست صعبة فى التطبيق العملى ولا سيما فى ظل تطور وتقدم نظم تقنية البيانات والمعلومات السريعة، كما أن ربط الأجور بالأسعار يعالج مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية كثيرة، منها مشكلة ضعف الإنتاج، والسلبية، والمظاهرات، والإضرابات والفساد الاجتماعى، والاقتصادى والسياسى. وشددت الدراسة على ضرورة قيام الحكومة بدورها فى مراقبة الأسواق ومحاربة سوء سلوكيات بعض التجار وغيرهم لإحداث الغلاء فى الأسعار، مشيرا إلى أن إهمال الحكومة فى هذا الواجب يضعها فى قفص الاتهام مع المحتكرين وناهبى أموال الشعب. واختتمت الدراسة بعرض المنهج الاقتصادى الإسلامى لعلاج مشكلة التوازن بين الأجور والأسعار المتمثل فى منع الاحتكار بكافة صوره وأشكاله، واتخاذ الإجراءات الضرورية من قبل الحكومة لحماية المستهلك، بالإضافة إلى تجنب المغالاة فى فرض الضرائب والرسوم على المعاملات التى يقوم رجل الأعمال بإضافتها ونقل عبئها على المستهلكين فترتفع الأسعار كما حدث بالنسبة لضريبة المبيعات. كما تشدد على الرقابة الفعالة على سلوكيات التجار ومعاقبة الجشعين والمحتكرين والاستفادة من نظم الحسبة الذى كان فى صدر الدولة الإسلامية وقيام الدولة بدعم السلع والخدمات الضرورية عند الحاجة لتوفير الحاجات الأصلية للفئة الفقيرة، وإعادة النظر فى الحد الأدنى للأجور فى ضوء تكلفة الحاجات الأصلية والأسعار، وكذلك إعادة النظر فى سياسة الدعم بما يساعد على تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار على فترات دورية قصيرة. العرف العالمى ويرى د. عبد الله شحاتة -أستاذ المالية العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب "الحرية والعدالة"- أن ربط الأجور بمعدلات التضخم يعتبر عرفا عالميا تلجأ إليه معظم الدول للحفاظ على مستوى دخل مواطنيها، مطالبا بإعادة هيكلة أجور موظفى الدولة لتصبح فى شكل هرمى، يكون فيها الراتب الأساسى متناسبا مع ظروف المعيشة. وبخصوص موظفى القطاع الخاص، شدد على ضرورة تحديد العلاقة السليمة بين العمالة وإدارات الشركات، مع وضع قانون يلزم مسئولى الشركات بوضع زيادات سنوية فى الأجور ترتبط بمعدلات التضخم. وأشار إلى أن الأسعار فى مصر ترتفع بصورة غير مبررة وذلك بسبب احتكار عدد من رجال الأعمال الأسواق المصرية، وهو ما يتطلب من الحكومة إيجاد حالة من التنافسية بين العديد من أصحاب رءوس المال لإنهاء عمليات الاحتكار، مع تشديد الرقابة على الأسواق. من جانبها طالبت د. ضحى عبد الحميد -أستاذة الاقتصاد بالجامعة الأمريكية- بأن يكون هناك ربط بين مستوى دخول موظفى الدولة والارتفاع المستمر فى الأسعار لتحقيق الحياة الكريمة للمواطن المصرى. وقالت ضحى: إن الحد الأدنى للدخل يجب أن يعادل متوسط احتياجات الأسرة المصرية، على أن يتم زيادته سنويا ليتناسب مع زيادة الأسعار ومعدلات التضخم، وأشارت إلى أن دور الحكومة هو حماية مواطنيها من جشع التجار من خلال تشديد الرقابة على الأسواق وتفعيل جهاز حماية المستهلك. كما أكدت د. كريمة كريم -أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، والمستشار الاقتصادى للعديد من المنظمات الدولية- أن معدلات التضخم فى مصر كبيرة جدا، مشيرة إلى أننا لا نملك اقتصاد سوق حقيقى. وأشارت إلى أن معدل التضخم فى مصر قد يصل إلى أكثر من 15%، فى حين لو وصل فى الغرب إلى 3% يعتبر كارثة بالنسبة لحكومات تلك الدول، وشددت على أننا فى حاجة إلى ضبط آليات اقتصاد السوق على أسس ومعايير جديدة، معتبرة أن النظر للسوق على أساس العرض والطلب أمر خاطئ. وأوضحت أن مصر ليست دولة فقيرة بل على العكس.. فنحن نمتلك الكثير من الموارد، ولكن مشكلتنا أننا لا نديرها بأسلوب علمى، موضحة أن هناك ثلاثة لاعبين أساسيين فى اقتصاد السوق؛ أولهم وأقواهم صاحب رأس المال، فهو يملك المال الذى يتحكم فيه بالعمال وينتج به السلع للمستهلك، أما اللاعب الثانى: فهو العامل، وهو عنصر ضعيف أمام صاحب المال، وقوته تأتى من قوة النقابات العمالية التى ينتمى إليها، أما اللاعب الثالث: فهو المستهلك، وهو فى حاجة إلى مؤسسة قوية لحمايته من جشع صاحب رأس المال. وأكدت أستاذة الاقتصاد أن دور الدولة هو إضعاف قوة صاحب رأس المال من خلال تطبيق قوانين منع الاحتكار التى تراعى ظروف البلاد الاقتصادية، بالإضافة إلى إنشاء نقابات قوية للعمال وأجهزة رقابية تمتلك الصلاحيات لحماية المستهلك، مشيرة إلى أن النجاح فى تحقيق التوافق والتناسق بين هؤلاء اللاعبين الثلاثة فى اقتصاد السوق سينهى الفجوة بين الأسعار والأجور وسيشعر المواطنين بتحسن الدخل ولن ترتفع أسعار السلع مع ارتفاع المرتبات.