منذ قديم الأزل والمؤرخون الذين يرصدون الواقع المصري يؤكدون في رواياتهم للتاريخ أن الشعب المصري يتميز بتدينه الشديد وأن كل المحاولات التي بذلتها قوات الدول التي استعمرت مصر لتغريب المصريين عن دينهم فشلت رغم كل الإغراءات التي تم استخدامها في هذا الشأن والغريب أن نفس المجتمع المصري الذي حافظ علي دينه كل هذه القرون متهم اليوم بأنه مجتمع كافر نعم ليس المجتمع كله كافراً ولكن للأسف يموج اليوم بكثير ممن يتهمون الناس بالكفر فهذا يتهم الصوفية بالكفر وذلك يتهم نشطاء سياسيين بعينهم بالكفر وثالث يتهم الديموقراطية بالكفر وهكذا انتشرت وتطايرت اتهامات الكفر هنا وهناك دون ضابط له مما يهدد تماسك المجتمع واستقراره... "عقيدتي" ومن خلال التحقيق التالي ترصد متي يطلق علي الإنسان وصف الكافر وضوابط تكفير الإنسان أي إنسان وكذلك أفضل الحلول لمواجهة ظاهرة التكفير المؤسفة: بداية يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء: لقد سبق وحذرنا طويلاً أن ظاهرة التكفير المنفلت. هي واحدة من أخطر الظواهر التي تعاني منها مصر في فترة ما بعد ثورة يناير المجيدة فالتكفير آفة من الممكن أن تتسبب في إضعاف عري الوحدة بين المصريين ولابد أن نعي جميعاً أن التكفير كان السبب في تمزيق المجتمعات الإسلامية وإحلال التنازع فيها بدل التعاون. والفرقة بدل الوحدة. ولابد ونحن نناقش ظاهرة التكفير أن نعي أن الحكم علي إنسان بالكفر أمر شديد الخطورة خاصة وأن الحكم بأن الإنسان كافر يعني ببساطة أن دمه أصبح مباح علي المسلمين بعد أن كان معصوماً وهذا ما جعل النبي يحذر من تكفير الناس حيث قال صلي الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابه علي الله" وفي رواية أخري "حتي يشهدوا ألا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به". وقال صلي الله عليه وسلم: "أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وقد أجمع العلماء علي أنه ليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتي تقام عليه الحجة وتبين له المحبة. ومن يثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك. بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة فالتكفير له شروط وموانع فالكفر كما يكون بالاعتقاد "بالقلب" يكون بالقول والعمل ايضا والكفر هو عدم الإيمان بالله ورسله سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب. بل شك وريب أو إعراض عن هذا كله حسداً أو كبراً أو اتباعاً لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة والتكفير حكم شرعي لا يطلق علي أحد المسلمين إلا إذا جحد بالربوبية أو الوحدانية أو الرسالة ولا يصح أن يطلق أحد ألفاظ توجب تكفيره حتي ولو كان ذلك علي سبيل التهريج حيث يقول الله تعالي: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ہ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" فمن تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده. فتوي مرفوضة يقول الدكتور عبدالفتاح الشيخ رئيس لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية ما قاله صاحب فتوي قتل المعارضين مرفوض تماماً ولا أصل له من الصحة من الناحية الشرعية وكان الأولي بالرجل أن يعرض فتواه هذه علي عدد من علماء الشريعة المتخصصين قبل الإدلاء بها بهذا الشكل الذي لا يساهم في تشويهه هو فحسب بل يساهم ايضا في تشويه مصطلح الفتوي حيث يتلقف أعداء الإسلام مثل هذه الفتاوي الغريبة للزعم بأن الإسلام دين تشدد وتطرف وهنا نعيد القول بأن هناك ضرورة ماسة لأن يدرك الناس أنه ليس كل شخص مؤهل للإفتاء وما قاله الخميس يؤطد ذلك القول الذي سبق وأكدناه كثيرا بل وناشدنا للخروج بقانون يحاكم الإفتاء دون علم حتي لا يتسبب ذلك في بث البلبلة بين الناس. قال د. الشيخ: لقد أكدت الشريعة الإسلامية الشروط الواجب توافرها فيمن يتصدي لهذه المسألة الحساسة فليس كل من ارتدي عمامة عالم الدين صالحاً للفتوي بل ليس كل إنسان درس ما تيسر له من أحكام الدين صالحاً للفتوي فالافتاء له شروط خاصة والمفتي لابد أن يتحلي بأمور عدة وإذا حاولنا اختصارها سنقول أن المفتي كي يفتي الناس لابد أن يكون مسلماً صحيح الإسلام عاقلاً بالغاً وأن يكون شديد الفهم عالماً باللغة العربية عارفاً بآيات الأحكام من القرآن الكريم عارفاً بالحديث عارفاً بالناسخ والمنسوخ عارفاً بالقياس وأن يكون ثقة ومأموناً ومنزهاً عن أسباب الفسق ورصين الفكر متيقظاً عارفاً بمواضع الإجماع والاختلاف. أضاف: كل هذه الشروط السابقة أجمع عليها العلماء والفقهاء بالإضافة إلي مكملات لها يجب أن تتوافر فيمن يتصدي لإفتاء المسلمين. وهي أن يكون ذا نية صالحة وأن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة وأن يكون قوياً علي ما هو فيه وعلي معرفته وأن يكون صاحب دخل يغنيه عن الاحتياج للناس وأن يكون عارفاً بأحوال المستفتي وإلا يتسرع بالإجابة وألا يجامل أحداً في فتواه وأن يطابق قوله فعله وإذا جهل الحكم في مسألة فليس له أن يفتي فيها. وواصل: الواقع يؤكد أننا إذا قارنا هذه الشروط بمن يفتي في الفضائيات اليوم سنجد أن معظمهم يفتقد شرط أو أكثر منها إن لم نجد من يفتقد كل هذه الشروط أو معظمها. حكم التكفير يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء إن الحكم بتكفير شخص أمر عظيم لابد أن يدرك الجميع عواقبه قبل الحديث فالكفر يكون بتكذيب الرسول صراحة وعلنا فيما أخبر به أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه مثل كفر فرعون واليهود وغيرهم والكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد كذلك: والكفر ذو أصل وشعب. فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر والحياء شعبة الإيمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر والكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود. فكفر الجحود: أنه يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله - حجوداً وعناداً - من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه. وأما كفر العمل فينقسم إلي ما يضاد الإيمان وإلي ما لا يضاد الإيمان. فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان. ويضيف د. واصل أن ظهور تلك الفتاوي تدل علي الخواء الفكري لأصحابها وعجزهم عن مواجهة خصومهم بالفكر والرأي والرأي الآخر فيلجأون إلي الدين للتغطية علي فشلهم وللأسف فإنهم بذلك يشوهون الدين خاصة وأن القسم الأكبر من علماء الإسلام يرون أن مجرد الإقرار والنطق بالشهادتين أو التظاهر ببعض شعائر الإسلام وخصائصه لا يكفي للحكم لأحد بالإسلام. بل لابد من التبين عما يرونه حد الإسلام الأدني ولهذا فإننا نعتبر أن تكفير المسلمين حرام وهو مغلظ شديد. وقد جاء فيه ثمانية أحاديث صحيحة عن النبي صلي الله عليه وسلم. فقد ثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: "تكفير ا المسلم كقتله". وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما". وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لأخيه: يا كافر. فإن كان كما قال. وإلا حارت عليه" وفي رواية: "وإلا رجعت عليه" وهذا نهي شديد عن التكفير وتغليظ فيه. والتكفير حكم قضائي. فالمسلمون فيهم فعلاً من يكفر ويرتد. وقد بين الرسول صلي الله عليه وسلم أن ذلك سيقع ويكثر في آخر هذه الأمة فذكر أن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً. ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا. يقول د. واصل إن إطلاق وصف كافر علي إنسان لا يجوز لعوام الناس فهناك ضوابط محددة لمن يستطيع وصف كافر علي أي مسلم فالذي يحكم بأن الإنسان قد فتن حتي ارتد عن الإسلام أحد شخصين القاضي الذي يحاكمه. فيدعوه حتي يقيم عليه الحجة ويثبت عليه الكفر. فيحكم بردته ويستتيبه ويقيم عليه شرع الله والثاني هو العالم الذي من مهمته إزالة الشبهات عن الناس. فإذا عرضت شبهة في الدين يجب عليه حماية الدين منها لأنه راع لدين الله مؤتمن عليه. فلذلك يجب عليه حينئذ أن يقيم الحجة علي هذا الشخص. فإن كان هذا الشخص أنكر معلوماً من الدين بالضرورة. أو كان وقع في ناقض من نواقض الإسلام المعروفة أو فعل فعلاً مقتضاه الكفر فإنه حينئذ يخبر بكفره وانفصاله عن أهله. ويخبره بالمترتب علي ذلك شرعاً. وليس له سلطة تنفيذ حتي يقيم عليه حد الردة. ولكن يخبره بهذا فقط وليس المقصود بالعالم أي عالم دين ولكنه العالم الذي ارتضي الناي حكمه الشرعي أما عوام الناس وسوادهم فليس من مهمتهم الكلام في هذا الباب أصلاً. ولابد أن يسد في وجوههم. فالتكفير أمر خطير ولا يمكن أن يحكم فيه إلا من كان من أهل العلم أو كان من أهل القضاء المتولين لذلك.