ما من نبي أو رسول سار في طريق الدعوة وتبليغها الا وأوذي في سبيل الله. لذلك أمر الله الأنبياء والمرسلين بالهجرة فكما هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم هاجر الأنبياء من قبله. والله تعالي يقول¢ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ¢فكانت الهجرة قدرا من أقدار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. إذا اتجهنا الي ادم عليه السلام نجد أن الله قد أخرج ادم من الجنة ليبدأ رحلة الجهاد الأكبر ضد الشيطان مسلما بالوحي الكريم الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله ¢ قال أهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدي فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقي¢ ولو بقي ادم في الجنة لما كانت هناك حاجة الي الأنبياء أو الشياطين!! لذلك هبط الي الأرض وهاجر من مكان الي مكان .ولما امتلأت الأرض فسادا ووصل نوح عليه السلام بعد أطول رحلة في تاريخ الدعوة ¢ ألف عام الا خمسين سنة ¢ وصل نوح الي مرحلة اليأس الذي توضحه الآية القرآنية في قوله تعالي ¢ أنه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون¢ 36 هود أمره الله أن يصنع الفلك وان يهاجر من مكان الي مكان لا يعرفه. واغرق الله الأرض وبدا نوح رحلة دعوة جديدة علي وجه أرض جديدة... وإذا اتجهنا الي سيدنا إبراهيم كانت الهجرة قدرا ثابتا في حياة الخليل لدرجة أنه نسب الي العبرانية من كثرة عبوره الي الأماكن بحثا عن الأمن في الحياة والمناخ المهيأ لاستقرار الإيمان واستمراره. أما ابنه إسماعيل عليه السلام فكانت هجرته من أعجب الهجرات في التاريخ فقد هاجر وهو صبي في المهد وقد ألقاه أبوه وأمه في أرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء تنفيذا لأمر الله. والي هذه الهجرة يعود قيام أعظم مدينة مقدسة في التاريخ وهي مكةالمكرمة. وأصبح هذا الطفل المهاجر في المهد أبا للعرب الساميين بينما أصبح أخوه إسحاق أبا للساميين الأخرين أبناء عمومتهم!! ثم يأتي لوط ويهاجر هجرة مصاحبة لهجرة عمه ابراهيم يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر حيثما حلا وحيثما ارتحلا. ثم يأتي يوسف عليه السلام ويهاجر هجرة عجيبة. فقد بدأت بمؤامرة ثم بمحاولة قتل غير مباشرة حين ألقاه إخوته في الجب. ثم تبع ذلك استرقاق وعبودية وسجن واتهام بالباطل حتي مكنه الله في الأرض وهو يقول¢ إن معي ربي لطيف لما يشاء ¢100 يوسف. بل يقول بعد أن نجاه الله من الذل الي العز ومن الفقر الي الغني وجعله عزيز مصر. قال ¢ إنه من يتقي ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين¢ 40 يوسف ثم تأتي رحلة موسي عليه السلام الي أرض مدين. ثم هجرته لبني إسرائيل من مصر معلما إضافيا من معالم تاريخ الهجرات في حياة الأنبياء ..ثم تأتي هجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم فهذه الهجرة قد انتهت بإقامة دولة وإقامة حضارة. ثم انطلق الإسلام الي افاق الأرض وقد تجلت العناية الالهية في مواقف حاسمة في هجرة المصطفي وتجلت حين خرج الرسول من داره وفتيان قريش يلتفون حول الباب فضرب الله عليهم النوم وخرج الرسول بعد أن وضع علي رءوسهم التراب وهو يقرأ¢وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون¢9 يس. وتجلت حين كان النبي وابوبكر في الغار وجاء المشركون وقال ابوبكر يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرأنا. فقال له النبي "ما بالك باثنين الله ثالثهما" ويسر الله لهما وسائل الأمان من عنكبوت وحمام وأغصان وأشجار. وتجلت عناية الله حين حمي الله الرسول وصاحبه من سراقة بن مالك الذي لحق بهما علي أمل الفوز بجائزة قريش فأعجزه الله عن الوصول اليهما وهو علي بعد خطوات منهما... وتجلت عناية الله حين تحول سراقة الذي رأي بعينه حماية الله لهما تحول الي مضلل لقريش يصرفها عن طريق رسول الله وصاحبه. بل ويحرس مسيرتهما.