أخذ مذيع برنامج التوك شو في أحد الفضائيات يؤكد للمشاهدين ان برنامجه يقدم انفرادا حصريا في تلك الامسية الخريفية الباردة ونجح بكلماته البراقة والمعسولة في أن يجذب انتباه الكثيرين الذين وافقوا علي طلبه بعدم تغيير زر المحطة وعندما حانت اللحظة الحاسمة للكشف عن انفراد تلك القناة فوجيء المشاهدون برجل يطل عليهم مطالبا بهدم الأهرام وأبو الهول وإغلاق المتاحف ودفن المومياوات واجبار النساء علي ارتداء النقاب وعدم الخروج من المنزل إلي اخر تلك الامور المتشددة إلي حد التطرف وبالطبع فقد أثارت كلمات الرجل حفيظة الكثيرين الذين سارعوا بتغيير المحطة ليفاجأوا بمذيع أخر يستضيف شخصيتين أحدهما مسلم والاخر مسيحي وكاد الإثنان يشتبكان بالأيدي بسبب إصرار المذيع علي طرح قضية خلافية شديدة الحساسية بينهما علي الهواء مباشرة ومن قناة لأخري لا تخرج الأمور عن الحادثتين السابقتين وهو ما يطرح سؤالا مهما هل أصبحت لدينا قنوات تحث علي الفوضي وهل التعامل مع تلك القنوات يتم بالغلق أم ان الافضل تبني خطاب إعلامي قومي يفعل من خلاله ميثاق العمل الإعلامي ؟ أسئلة طرحناها علي مائدة الخبراء وعلماء الدين ورصدنا إجاباتهم في التحقيق التالي: بداية يقول الدكتور رضا عويضة أستاذ علم النفس بجامعة حلوان أن وسائل الإعلام خاصة المرئية منها استغلت للأسف الشديد الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد وأصبح كل شخص يرغب في الحصول علي الشهرة بأي ثمن ولو علي حساب المجتمع وهكذا رأينا بعض القنوات الخاصة تتعمد التركيز علي بعض الأحداث وتضخمها دون مبرر أو تقدم وجهة نظر متشددة ومتطرفة دون أن تعي خطورة التركيز علي تلك الظواهر حتي ولو كانت موجودة وإلا فبماذا نصور قيام الكثير من الفضائيات بالتسابق للتسجيل مع ذلك الشخص الذي طالب بهدم الاهرام والاثار الفرعونية ألم يدرك صناع تلك البرامج والقائمين علي امر تلك الفضائيات خطورة هذا الحدث علي الدولة التي يعيشون فيها ؟!. يضيف د. عويضة .. هناك من يضخم الاحداث دون أن يدري خطورة ذلك علي أمن وطنه بل ويصور الامر وكأنه يريد ان يدفع بالناس دفعًا إلي النزول والأخذ بالثأر وإشعال النيران في البلاد في الوقت الذي لابد فيه علي الإعلامي كل إعلامي خاصة في مثل هذه المراحل الخطيرة من عمر وطنه يجب أن يكون لديه حس وطني ومسئولية اجتماعية تجاه ما ينشره وعليه أن يكون حذرًا تمامًا حتي لا يتسبب في زيادة حالة الانفجار والاحتقان الموجودة في الشارع. أن المبالغة فيما تقدمه بعض القنوات دفع الكثير من الناس إلي الامتناع عن المشاهدة لأنها أصبحت تشعرهم باليأس التام علي مستقبل الوطن وتبين أن المواطن وسط هذه الحالة من البلبلة الإعلامية عليه أن يتشكك في كل ما يقدم له من معلومات وأن يستقي معلوماته من أكثر من وسيلة ولا يعتمد علي واحدة فقط . تكميم الأفواه أما الدكتورة ماجي الحلواني أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة فتطالب صراحة بضرورة وضع ميثاق شرف إعلامي للفضائيات المصرية بل والعربية أيضا ولابد أن يفعل كل إعلامي معد "كان أو مذيع" ضميره وهو يتناول الاحداث التي يمر بها الوطن ولابد من التغاضي عن الهرولة خلف مشعلي الأحداث حماية لهذا الوطن الذي نعيش فيه وكلنا يذكر الأزمة الشهيرة التي حدثت بين مصر والجزائر ونسي الجميع وقتها رباط الدين والقومية واللغة التي تربط البلدين بعضهما ببعض وكادت الأزمة تتصاعد وكان البطل للأسف الشديد هو الإعلام الذي لعب دور البطولة بلا منافس في تأجيج الاحداث حيث استضاف كل من رأي أنه يساهم في التأجيج دون النظر لمستقبل البلدين العربيين. وتضيف د. ماجي أنا لا أدعو أبدا إلي تكميم الأفواه أو غلق أي منبر إعلامي حتي لا يظن البعض أننا نسعي لتكميم الأفواه أو ماشابه نحن فقط ندعو لإيقاظ ضمير القلة من الإعلاميين الذين نامت ضمائرهم وظنوا أنهم بتسخينهم للأحداث يدفعون بلادهم للأمام وهم لا يدركون أنهم بذلك يساهمون في إسقاط مجتمعهم أسيرا للفوضي ومن المعروف أن الإعلام العربي ظل رسميا لفترة طويلة وتحديدا حتي عام 1990 حيث بدأت الفضائيات الخاصة في الظهور حيث شهدت الفترة ما بعد عام 1990 انتشار القنوات الفضائية العربية والفضائية المصرية وقد حظيت بنوع من الحرية ولكن نتيجة لاستمرار نمط واحد خلال سنوات طويلة ظهرت بعض الممارسات العشوائية سواء من ملاك القنوات أو العاملين فيها لكونهم أيضا ليسوا متخصصين في مجال الإعلام وكذلك لم يحصلوا علي تدريب أو تأهيل بقدر كاف يمكنهم من الارتقاء بالأداء المهني علي الساحات الفضائية ناهيك عما تشهده البرامج الحوارية من تجاوزات في أعقاب ثورة يناير كل ذلك كان من أهم أسباب حدوث ممارسات غير أخلاقية لاتتفق مع تقاليد المهنة والحل الوحيد للحد من كل التجاوزات والخروج علي القواعد والتقاليد المهنية هو تقوية الرقابة الذاتية ولابد ان يضع أصحاب الفضائيات ميثاق الشرف الإعلامي فكلما كانت الآليات ذاتية بعيداً عن تدخل الدولة زادت فاعليتها.كذلك لابد من وضع ميثاق شرف إعلامي لضبط الانفلات وتصحيح المسار وعلاج كل الأمراض المهنية والأخلاقية التي استشرت بشرط وضع معايير قابلة للتطبيق وليس مجرد عبارات مطاطة في العمل الإعلامي ولابد ان يكون اللجان المختصة بوضع الميثاق مكونة من أصحاب القنوات الخاصة ومسئولي القنوات الرسمية وأساتذة الاعلام والقانون وشخصيات عامة بحيث يتم الإتفاق علي كل البنود التي يشملها الميثاق بحيث لاتترك ثغرة يخترقها العاملون في المجال أما في حالة ارتكاب أي خطأ يتم العقاب من الداخل بدلاً من التدخل الحكومي أو اللجوء للقضاءوتترواح العقوبات من ايقاف للبرنامج أو الغرامات واذا تكررت الأخطاء لابد من إغلاق المحطة وهذه الإجراءات جزء من الممارسات التي تطبق في الدول الأوروبية.ومن المهم أيضاً اختيار عناصر مهنية مؤهلة إعلامياً ومدربة بشكل جيد تدرك قيمة الكلمة وتؤمن بحرية الرأي وتتعامل بمصداقية وتبتعد عن إحداث أي صدامات من الضروري أيضاً أن يكون قد مارس العمل الإعلامي لعدة سنوات. اسرائيل تعلمنا ويري الدكتور محمد أبو غدير أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الازهر أن المصريين في حاجة ماسة اليوم للتعلم من اليهود فهم رغم ضعفهم يعملون كوحدة واحدة رغم اختلاف أيديولوجياتهم وهدفهم واحد وهو بقاء اسرائيل واستمرارها فالإعلام الإسرائيلي علي سبيل المثال مجند لهدف واحد وهو خدمة الخطاب الصهيوني والإعلام الصهيوني يدرسنا من كل الوجوه ويقدم نتيجة دراساته للمجتمع الإسرائيلي وعلي الجانب الأخر فإن الإعلام ولهذا فانا أطالب العرب والمسلمين بأن يتعلموا من اسرائيل ولا مانع من أن نتعلم من عدونا فلابد أن نتعلم كيف يتفق الإسرائيليون لصالح كيانهم غير الشرعي وكيف صاغوا له شرعية من لاشيء ورغم كل الإختلافات القائمة بين كل اسرائيلي واسرائيلي إلا أنهم اتفقوا علي هدف واحد وسقف واحد في وقت لا يوجد لدي العرب حتي هذه اللحظة هدف واحد او حتي قضية واحدة يجتمعون عليها فحتي الكيان الصهيوني ودوره في بث الفرقة والتشرذم في المجتمعات الإسلامية احتلفنا حوله وحول هذا الدور المشبوه. الغاية الإعلامية ويقول الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بجامعة الإسكندرية إن كثيراً من وسائل الإعلام والفضائيات بشكل خاص أصبحت تنشغل بالجزئيات علي حساب الكليات وتبحث عمن يسخن الأحداث بغض النظر عن فائدة ظهوره علي الشاشة من عدمه وكثير مما تناقشه اليوم وسائل الإعلام من قضايا لا حاجة للناس بها فلا هي تحل أزماتهم ولا تخفف من معاناتهم فمثلاً نري أحد هؤلاء يتحدث ساعات طوالاً ليصحح السند أو العنعنة أو الحاشية لحديث ما ربما يكون هذا الحديث من الإسرائيليات أو الأحاديث الغريبة أو الموضوعة ولا ضرورة له في حياة الناس. في ظل واقع مشحون وصراع أيديولوجي وسياسي محتدم ولو فقه هذا الداعية أو ذاك غاية الإسلام والمقصود من الدعوة الإسلامية. ما كان ليشغل وقت الناس بما لا ينفع ولا يضر أو ما هو ضره أكثر من نفعه. إنما كان لزاماً عليه قبل أن يتبوأ هذه المهمة. ويضطلع بهذه الرسالة الجليلة. أن يفقه واقع الأمة. وما تعج به الحياة من مشاكل وقضايا ليبحث لها عن حلول. لا أن يغرقهم في هوامش وفرعيات. فيزيد من معاناتهم في وقت يري مِن حوله ضحايا أبرياء. وشلالات دماء تتدفق. ومقدسات تهان. وزندقة وتطاول علي الرموز والقيم والثوابت والمعتقدات التي قام عليها المجتمع. وأنا أري أن كثيراً من برامج الفضائيات لعبت دوراً سلبياً في حياتنا الاجتماعية. حيث قامت -بحسن أو بسوء نية - بتغذية الفكر المتطرف الذي يستقيه هؤلاء الدعاة المزعومون من آراء فقهاء أفتوا بها إزاء مسائل وقتية في ظل ظروف بعينها وفي عصور ماضية. أيضا يستطرد د. إمام ماذا قد يستفيد المشاهد من ظهور إثنان ممن ينتسبون للدعوة الإسلامية والدعوة المسيحية ليتناقشا حول قضية خلافية فكثيرا ما نري اليوم أحدهم يقول أنه سلفي واخر يقول أنه متدين مسيحي يحتدان علي بعضهما البعض علي شاشة إحدي الفضائيات حول السلام بين المسلم والقبطي هل يجوز او لا يجوز فهل نحن حللنا كل مشكلاتنا حتي نثير مثل هذه الامور التي قد تؤدي إلي تأجيج فتنة نحن في غني عنها