طبيعة الفطرة البشرية التي تشف عنها نفس الإنسان هي دائماً في حاجة ملحة إلي دين وعقيدة يساعدانها في البحث عن كمالها المفضي إلي سعادتها ويشكل لها رؤيتها الكاملة والشاملة لكافة شئون الحياة دون أن تكون تلك الرؤية متناقصة في مبادئها أو متناقصة في أجزائها. والحاجات الإنسانية إما اعتبارية كالاحتياج إلي مواكبة تطورات الحياة كركوب الطائرات واستخراج البطاقات وغيرها وإما فطرية كالغرائز من مأكل ومشرب وخلافه. وكذلك الحاجة إلي العقيدة والدين فإنها فطرية غريزية راكزة في أصل الفطرة. والدين هو الذي يخلق الكمال الإنساني الذي تتحقق به الساعدة لأن الكمال هو وسيلة موصلة إلي اللذة والسعادة والاستشعار بالراحة. وأذكر للأديب مصطفي صادق الرافعي قوله عن السعادة ومسبباتها "السعادة شيء كامن في النفس تتحكم فيه الأخلاق تبديه رسماً علي الوجوه وراحة في السرائر فمن غداً متوكلاً علي مولاه ولم يدنس ثوب نفسه بمعصية عاد إلي داره آمناً قريراً". ولا يخفي علي أحد أن الاعتماد علي الله والتوكل عليه مرده الاعتقاد في وجوده والارتباط بدينه ورغبة البشر في الكمال الديني والأخلاقي ملازمة لهم لا تنفك عنهم وكل منهم يأملها بصورة متباينة عن الآخر وبذلك تختلف وجهاتهم بقدر معرفتهم فمنهم من يري في الدين أنه صعوداً بالروح إلي قيومها ومنهم من يري في الدين أنه يتواكب مع غايات العقل ومراميه ويساير الطبيعة في أوامره ونواهيه ولا يحرم ما تشعر به النفس ومنهم من يري الدين أنه شريعة إذا ما طبقت تحققت السعادة البشرية كتحري العدل وإعطاء الحقوق وإقامة الأحكام. والنظرة الشاملة للدين هي كل تلك الرؤي بدون تجزئة فسمو الروح ومسايرة الطبيعة وإقامة الشريعة هي الدين والمعتقد الصحيح الذي يجب أن يكون عليه فهم الناس لكن من يفرق بين قواعد الدين ويجزئ مبادئه ويستغل حاجة الناس إليه فهو إما جاهل بأمر الدين وإما مستغل لجهل الناس والدين الحق هو ما وقر في الفطرة كما قال سبحانه وتعالي:" فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها ". ومن جهل أو استغل جهلاً فهو من المعتدين الباغين الذين يسرون الدين لتسخير إرادة الناس لإشباع مطامعهم وأولئك من ذكروهم الله في قوله تعالي: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء" وكا يقول ابن تيمية رحمه الله في فتاويه: "متي ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا..".