لا أحد يعرف لماذا احتدم الجدل داخل جلسات الجمعية التأسيسية حول إنشاء هيئة للوقف الخيري في الدستور الجديد. وغير صحيح ان الخلاف تركز علي الرقابة المقترحة عليه. فقد رفض الأنبا بولا أن تشرف هيئة الأوقاف المقترحة ماليا علي شئون الوقف المسيحي والإسلامي. وطالب بأن يخول الجهاز المركزي للمحاسبات بالرقابة. وعدم وجود رؤية مشتركة بين الاعضاء دفع ا لمستشار حسام الغرياني. رئيس الجمعية إلي التحذير من خطورة عودة الرقابة علي الوقف. مؤكداً أنها قد تجعل الناس تحجم عن الوقف الذي قام بدور كبير في الجامعات. وقال إن الوقف شكل من أشكال الملكية الذي ينظمه القانون ويجب ان يتحرر وهذه الهيئة سوف تدخلنا في جدل لن نستطيع حسمه. والملفت ان التيار الإسلامي داخل الجمعية لم يتشدد في تمسكه بالنص علي إنشاء هيئة الوقف في الدستور. بل أعلن اعضاؤه انهم يكتفون بالنص علي إعادة الوقف الخيري في الدستور والتأكيد علي أنه في حالة وجود مشكلات بشأنه يتم الرجوع فيها إلي القضاء. وكان الدكتور ابراهيم البيومي غانم. أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية. قد أكد أمام الجمعية التأسيسية أن هناك فرصة ذهبية لوضع نص خاص بالأوقاف ومؤسساتها في دستور مصر الجديد. موضحا أننا بحاجة إلي مادتين دستوريتين. الأولي تخص نظام الوقف. بحيث تنص صياغتها علي أن حق إنشاء الأوقاف الخيرية والأهلية ومؤسساتها مكفول وينظمه القانون.. والثانية تخص المفوضيات العامة المستقلة عموما ومنها مفوضية عليا مستقلة وغير حكومية لإدارة واستثمار الموقفات. واقترحت صيغة لها تقول: تضمن الدولة للمواطنين حق إنشاء وإدارة مفوضيات عامة تعبر عن المجتمع المدني. وتكون مستقلة عن السلطة التنفيذية وتعمل لخدمة أهداف التنمية الشاملة والتضامن الاجتماعي. أكد الدكتور محمد عبدالحليم عمر - المفكر الإسلامي المعروف - أن الوقف الإسلامي يعاني من ضعف شديد وتراجع دوره في مصر. مبينا أن معني الوقف يشير إلي الإحسان والتصدق بمال قابل للبقاء والاستمرار والاستفادة بمنافعه المتولدة دوريا في وجه من وجوه البر والخير. وقال إن الوقف الإسلامي نشأ تفعيلا لقوله تعالي: "لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون". وكان النبي - صلي الله عليه وسلم - هو أول من أوقف سبعة بساتنين لصالح المسلمين. وكذلك الصحابة مثل طلحة وأبوبكر وعبدالرحمن ابن عوف. وعثمان ابن عفان. وأشار إلي أن التجربة الإسلامية كانت أسبق من المفاهيم الغربية التي نشأت بداية من العصر الوسيط لظروف اجتماعية وسياسية خالصة. وليست بدوافع إنسانية وأخلاقية ودينية كما عرفها المسلمون موضحا ان إدارة الوقف الإسلامي تبدأ من الواقف الذي يمنح المال للوقف ومن حقه وضع الشروط التي يراها لإدارة الوقف من تحديد الغرض أو جهة الصرف. ولفت إلي وجود عدد من الأسباب التي أدت إلي ضعف الوقف. معتبراً أن أخطرها تدخل الحكومة في أعمال الوقف وإدارتها والاستيلاء عليها. ووجود بعض القوانين التي فرضت علي الأوقاف وهي تخالف في الوقت نفسه طبيعته. وكذلك توقف إنشاء أوقاف جديدة. ونقص الوعي لدي المسلمين بأهمية الصرف. ويقول إن واقع الأوقاف الإسلامية الآن هو أن وزارة الأوقاف هي التي تقوم بإدارة الوقف وليس الواقف. ومن حق وزير الأوقاف تغيير جهة الصرف. مشددا علي أن هذا يخالف الأحكام الفقهية من جهة والأسس العلمية للإدارة من جهة أخري. حيث إصرار الحكومات المتعاقبة علي استئثار إدارة الأوقاف. علي الرغم من أنها فشلت في إدارة الكثير من مصالح الدولة العامة فقامت بخصخصتها وبيعها لشركات خاصة. ويؤكد أن إدارة الحكومات لمشروعات الأوقاف أدي إلي ضآلة العائد من الاستثمارات الوقفية. وضياع بعض أعيان الوقف لاعتداء الغير عليها بالتواطؤ مع ذوي النفوس الضعيفة من موظفي الأوقاف علي مدي سنوات طويلة. مضيفاً أن ضياع نطاق مجالات الصرف نتيجة لإعطاء وزير الأوقاف الحق في تغيير مصرف الوقف جعل الصرف ينفق وفقا لأغراض سياسية في كثير من الأحيان وليس لاعتبارات اجتماعية. وانفصال الوقف عن المؤسسات الخيرية الأهلية علي الرغم من أنه نشأ في الأساس لخدة أغراض المؤسسات الخيرية للعمليات التعليمية وغيرها. وطالب بوجود هيكل تنظيمي لإدارة الوقف يكون في صورة إدارة عليا. تنفيذية متخصصة في نوع الاستثمار الذي يستهدفه الوقف. ولأن الوقف يمس مصالح عدد كبير من الناس فلابد أن يكون للحكومة دور في مراقبة عملية إدارة الوقف. ويوضح الدكتور حسين شحاتة - الاستاذ بجامعة الأزهر - أن الوقف ينقسم إلي نوعين. الأول هو الوقف الخيري وفيه يتم توجيه منافع الوقف المادية والمعنوية وغيرها إلي وجوه البر والخير العامة التي ينتفع منها جميع المخلوقات سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو مؤسسات أو نحو ذلك ويبين أن النوع الثاني هو الوقف الأهلي ويقصد به صرف أو توجيه المنافع علي أقارب وذرية وورثة الواقف. ومن المفضل أن يكون للأقارب غير الوارثين. والحكمة منه تحقيق البر بالأقربين وتقوية صلة التراحم وتحفيز الناس علي الخير. ويري أن الوضع الشائك للوقف أدي إلي إحجام الأغنياء عن وقف أموالهم. لافتاً إلي أن وجود أسباب عديدة لهذا الاحجام أهمها صدور قوانين في بعض الدول العربية والإسلامية بمصادرة الأموال الوقفية وتحويلها إلي خزينة الدولة بدون أي مبرر معتبر عقلا أو شرعاً وتدخل بعض الحكومات في تغيير حجة الواقف لتتفق مع بعض المآرب الخاصة بدون مبرر معتبر شرعاً. وكذلك انتشار الفساد الأخلاقي والمالي والاجتماعي في بعض الجهات القائمة علي إدارة شئون الأوقاف الإدارية والمالية بسبب عدم الالتزام بالقيم الإيمانية وبالمثل الأخلاقية وبالآداب السلوكية السوية وبالفقة الإسلامي. وحذر من تدخل بعض الجهات الأجنبية مثل الصهيونية العالمية الطاغية لضرب الوقف ومحاربة كل مشروع إسلامي تحت دعاوي محاربة الارهاب. مضيفاً أن بعض الناس يستشعر أن أي عمل تتدخل فيه الحكومة وتسيطر عليه أو تديره مآله إلي الفشل والخلل لعدم الثقة بها. فضلا عن ضعف الوعي الديني لدي العديد من أصحاب الأموال من الأغنياء بسبب الغزو الثقافي ولا سيما انتشار مفاهيم العولمة وعدم الاهتمام بالثقافة الوقفية في دور العلم المختلفة. وهكذا أصبح الوقف شيئا مجهولا عند العديد من الناس بسبب انتشار الفكر العلماني المادي في الكثير من المجتمعات الإسلامية. وقال إنه بعد الثورة يجب ان يحدث اهتمام بإحياء نظام الوقف وتفعيل دوره. مشيراً إلي ضرورة إصدار قانون للوقف يواكب التطورات المعاصرة ولا يخرج عن أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية لإدارة أموال الوقف وفقا لمقاصد الإسلام وطبقا لسياسات استراتيجية وخطط موضوعية وبرامج سليمة حتي يحقق مقاصده السامية. وطالب بإصدار القوانين والمراسيم والقرارات لحماية أموال الواقفين وعدم المساس بها. واحترام حجة الواقفين ما دامت لا تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. أسوة بالقوانين التي تحمي رأسمال المستثمر الأجنبي وعدم المساس به. والأولي حماية أموال الوقف. لأنها تساهم في تأمين حاجات الإنسان الضرورية. مؤكداً أهمية التعاون بين الواقفين ونظار الوقف والحكومة بما يضمن حماية شروط الواقف وعدم تغييرها إلا لضرورة معتبرة شرعاً. وتحديد مهام الناظر والرقابة عليه لضمان أن يقوم بعمله علي الوجه الأفضل. ووضع نظام المتابعة والمراقبة وتقويم الأداء من الأجهزة الحكومية المعنية.. وتشير إلي أهمية تنمية الوعي الديني لدي المسلمين الأغنياء وبيان المنافع الأخروية التي تعود عليهم بعد موتهم باعتبار الوقف من نماذج الصدقة الجارية التي تنفع المسلم بعد موته. وهذا يتطلب وجود خطة إعلامية تتولي تنفيذها المؤسسات الدعوية الحكومية والخاصة.