خلال ال 50 عاما الماضية فقدت مصر حوالي 500 ألف فدان من الأراضي الزراعية الموقوفة أي كل عام 10 آلاف فدان زراعي وذلك بخلاف العقارات المبنية والمنقولات الموقوفة التي أصبح من المستحيل الحصول علي إحصاءات عنها.. هذا ما أكده الدكتور إبراهيم البيومي غانم الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية خلال دراسة بعنوان مؤسسات العمل الخيري وضرورات إصلاح نظام الوقف في مصر بإشراف المركز المصري للدراسات الاقتصادية. وأوضح الدكتور إبراهيم غانم أنه قبل صدور قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 كانت جملة الأراضي الزراعية الموقوفة 700 ألف فدان وبعد صدور القانون بست سنوات أي في 1952 انخفضت هذه المساحة إلي حوالي 583 ألف فدان بسبب القيود التي وضعها القانون علي إنشاء الوقف وفتح باب الرجوع فيه برغبة الواقف ثم تآكلت المساحة الزراعية الموقوفة بسبب الإجراءات التي اتخذتها ثورة يوليو والقوانين التي أصدرتها وأهمها المرسوم رقم 180 لسنة 1952 الذي قضي بحل الأوقاف الأهلية القائمة وحظر إنشائها في المستقبل والقانون 247 لسنة 1953 الذي أعطي وزير الأوقاف سلطة تغيير مصارف الوقف إلي أغراض غير التي حددها الواقفون وبموجب القانون 52 لسنة 1957 والقانون 44 لسنة 1962 تسلمت هيئة الإصلاح الزراعي والمجالس المحلية من وزارة الأوقاف حوالي 230 ألف فدان وباقي ال 583 ألف فدان تم حلها وإعادتها لملاكها أو لورثتهم تطبيقا لقانون الإصلاح، وما لم يتم حله تم الاستيلاء عليه من جهات وأفراد وتم تغيير معالمه الوقفية بالإضافة إلي أن المحليات تسلمت جميع العقارات والمباني الاستغلالية والأراضي الفضاء في بعض المدن وتصرفت فيها بطرق مختلفة أدت إلي ضياعها أو قطع صلتها بالأوقاف إلي الأبد. وأضافت الدراسة أنه بعد إنشاء هيئة الأوقاف المصرية بموجب القانون رقم 80 لسنة 1971 وبصدور القانون 42 لسنة 1973 الذي قضي باسترداد جميع الأراضي والعقارات الموقوفة التي سبق أن سلمتها وزارة الأوقاف للإصلاح الزراعي والمحليات نجحت الوزارة وهيئة الأوقاف باسترداد ما مساحته 101 ألف فدان بنهاية 2007/2008 ولا يزال البحث جارياً عن 128 ألف فدان من إجمالي 230 ألف فدان حيث جري الاستيلاء عليها أو تمليكها لواضعي اليد بطرق مختلفة بعضها بمعرفة وزارة الأوقاف وبعضها بمعرفة جهات أخري، مشيرة إلي أن مساحة الأوقاف والتي كانت حوالي 583 ألف فدان عام 1952 أصبحت الآن 101 ألف فدان أي سدس ما كانت عليه تقريبا وتوصلت الدراسة لعدد من الاستنتاجات بعد مقارنة بين قوانين العمل الخيري ومؤسساته والأوقاف في مصر وقوانين ومؤسسات كل من تركيا وإيران وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية أهمها أن جمود وقيود القوانين وقانون الجمعيات والمؤسسات الخيرية في مصر تحد من مبادرات المواطنين للمشاركة في إنشاء وتمويل مؤسسات النفع العام بينما قوانين البلدان الأخري تشجع علي ذلك، وثانيا أن منظومة قوانين الوقف في مصر تفصل وتعزل الأوقاف عن التنظيمات المؤسسية للعمل الخيري والنفع العام في المجتمع ثالثا إنها لا تقدم حوافز ضريبية مشجعة للراغبين في إنشاء أوقاف جديدة أو دعم مؤسسات خيرية تعمل في خدمة المجتمع.. رابعا إن ممتلكات الأوقاف الموروثة لا تستثمر بكفاءة وتبعيتها لهيئة الأوقاف المصرية تحملها أعباء مالية كبيرة، والمطلوب إعادة هيكلة المحفظة الاستثمارية للهيئة علي نحو يحقق منها أفضل عائد ليتم إنفاقه في مصارف تخدم المجتمع. خامسا الانفصال الحاد في البنية التشريعية والبنية المادية والإدارية للأوقاف المصرية بين أوقاف المسلمين وأوقاف المسيحيين بموجب القرار الجمهوري رقم 264 لسنة 1960 والذي لا يتفق مع منطق الدولة الحديثة وفي ظل تطبيق الأحكام الشرعية للوقف وانفتاحها علي جميع أصحاب الديانات الأخري دون تمييز، وهو ما يعني ضرورة مساواة الأوقاف الإسلامية بالأوقاف القبطية من حيث إدارتها المستقلة وهو ما يحققه مثلا القانون التركي الذي استوعب كل الأوقاف مع المحافظة علي خصوصيات كل دين. واقترحت الدراسة بعض التعديلات الأساسية في منظومة قوانين الوقف لتشجيع أصحاب رأس المال علي القيام بدورهم الاجتماعي ولتكون المنظومة القانونية الوقفية أكثر كفاءة في الاستجابة للاحتياجات المجتمعية الحالية وأهمها إلغاء القانون 180 لسنة 1952 الذي قضي بالغاء الوقف والعودة لنصوص القانون رقم 48 لسنة 1946 التي تجيز الوقف المؤقت علي غير الخيرات وأيضا إلغاء القانون 247 لسنة 1953 بشأن النظر علي الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها علي جهات البر وإلغاء جميع القوانين المعدلة والتي تسببت في تجفيف منابع تمويل تلك المؤسسات وإحجام المواطنين عن إنشاء أوقاف جديدة لتمويلها وثالثاً إضافة مادة جديدة إلي قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 لتشجيع الأثرياء علي إنشاء أوقاف جديدة والاجتهاد في توفير عنصر الثقة والمحفزات التي تسهم في إطلاق مبادراتهم الخيرية للنفع العام خاصة في مجال وقف الأموال المنقولة حيث أصبحت تشكل جزءاً رئيسيا من الثروة وإضافة مادة أخري تنص علي نظام واضح ومبسط للاعفاءات الضريبية علي الأعيان الموقوفة، وتقدم حوافز للمتبرعين بأوقاف جديدة لصالح مؤسسات النفع العام ومادة أخري تنص علي توحيد النظام القانوني والإداري بجميع الأوقاف المصرية (إسلامية ومسيحية) علي أساس المواطنة وليس الانتماء الديني. وأكدت الدراسة أن إلغاء القوانين المشار إليها وتعديل بعض المواد يجب أن تكون فلسفة للتشجيع علي الوقف وربطه بالمؤسسات والجمعيات الأهلية وتفعيل استقلالية هذه المؤسسات والجمعيات بتوفير موارد تمويل مستقلة ومستمرة.