تحتل البيئة في الإسلام موقعاً متفرداً فهي جزء لا يتجزأ من واجبات المسلم التي يثاب عليها ان قام بها. ويعاقب علي التفريط فيها. إهمالاً أو تقصيراً لما يترتب علي عدم فعله عن أداء واجبه من خلل وفساد. وقد شمل هذا التوجيه جميع مظاهر البيئة وكافة مجالاتها. البيئة في التشريع الإسلامي هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان. ويتبادل ضمنه علاقات التأثير والتأثر مع عناصر البيئة المختلفة الحية ومن ثم فإنها تتجاوز في التشريع الإسلامي لتشمل طبيعة العلاقات التي تربط الإنسان بهذه البيئة. ونوعية هذه العلاقة باعتبار ان ما يترتب عليه من سلوك عملي له أثره القوي والواضح علي البيئة. ولا مجال لتجاوزه وإغفال نتائجه. بالاستقراء في أصول الشريعة الإسلامية وأصولها ندرك انها قد وضعت الأسس الهامة التي تضبط في إطارها سلوك المسلم في تعامله مع البيئة. كما حددت الشروط الواجب التقيد بها. لتتم المحافظة علي مواردها من الاستنزاف الجائر. وهذ التشريعات في مجملها ترمي إلي تحقيق مقصد التشريع الإسلامي. ويتمثل في إصلاح الحياة الإنسانية والطبيعية. وتفادي أسباب الفساد والهلاك. ليتمكن الإنسان من المهمة الاستخلافية التي أوجده الله من أجلها. قال الله - تعالي - "الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتي" "الآية 53 من سورة طه". وقال الله - تعالي - "والأرض فرشناها فنعم الماهدون" الآية 48 من سورة الذاريات وقال الله - تعالي - "وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد". ومن مقتضيات تكريم الله للإنسان تسخير جميع عناصر البيئة له. ينتفع بمواردها في إطار القيام بمهمة الخلافة في الأرض باعتبارها الغاية من وجوده في الحياة. قال الله - تعالي - "أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون" "الآيات 71. 72. 73 من سورة يس" والله سبحانه - وتعالي - حينما سخر البيئة للإنسان علي نمط وسطي. ومن هنا كانت البيئة أمانة وضعها الله في يد الإنسان ومكنه من ناصيتها وأخضع له جميع مكوناتها. الأعمال والبناء وفق مراد الله لتحقق بذلك العبودية الكاملة لله - تعالي -. وحذر الشارع الإنسان من الإفساد في الأرض بأن يعطل وظيفتها قال - تعالي - "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين" "الآية 85 من سورة الأعراف". ذلك لأن الاعتداء علي البيئة وتوازنها اعتداء علي الحياة ولعل أبلغ آية ووضعت في دقة وصدق حالة الارض في عصرنا بعد ان امتد التلوث إلي جميع موارد البيئة وأحدث فيها دماراً مريعاً قال - تعالي - "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" "الآية 41 من سورة الروم". وقد جمع العلماء جملة من مظاهر الإفساد في الأرض فإنه يشمل الإفساد المادي العامر وإماتة الأحياء. تلويث الطاهرات وتبديد الطاقات واستنزاف الموارد في غير حاجة ولا مصلحة. وتعطيل المنافع وأدواتها كما يشمل الإفساد المعنوي كمعصية الله - تعالي - ومخالفة أمره والكفر بنعمته والتمرد علي شريعته والاعتداء علي حرماته وإشاعة الفواحش ما ظهر منها وما بطن وترويج الرذائل ومحاربة الفضائل وحتي تسلم البيئة منه الفساد التي يتهدده حياة الإنسان وكذلك الحرص علي نظافة البيوت والأفنية فقال "إن الله طيب يجب الطيب. نظيف يحب النظافة. كريم يحب الكرم. جواد يحب الجود. فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود". ولقد سجلت لنا المصنفات التي وضعها فقهاء الإسلام كيف حرص الإسلام علي نظافة المحيط وحمايته من التلوث وذكرت الشروط التي يجب توافرها في الأماكن العامة التي يرتادها الناس ومما ذكر ان "النظافة العامة كانت أهم الأعمال المحتسب. ففي الحمامات كان المحتسب يأمر بغسلها وكنسها وتنظيفها بالماء الظاهر مرات عديدة في اليوم" "وكان يأمر بغسل المجاري من الأوساخ المجتمعة فيها. والعكر الراكد في أسفلها مرة كل شهر وبإشعال البخور فيها مرتين وكان المحتسب يمنع صاحب الحمام من ادخال المجذوم والأبرص حفاظاً علي الصحة العامة". كل ذلك مما يماثله غايته الحفظ علي صحة الإنسان وحماية الموارد البيئية من الإتلاف والتبديد استجابة لتعاليم الإسلام التي ألزمت الإنسان بمنهج وسطي في التعامل مع البيئة.