دعا علماء الدين إلي تنفيذ تعاليم الإسلام في الحفاظ علي الماء وترشيد استهلاكه, مؤكدين أن الماء نعمة إلهية وحق عام للبشرية كان الإسلام سباقا في الدعوة إلي صونه وحمايته والحفاظ عليه, باعتباره من أهم وأغلي نعم الله علينا, ومشيرين إلي أن الاعتدال في استخدام الماء والمحافظة عليه بكافة السبل والتدابير اللازمة يعد عملا وطنيا وهدفا استراتيجيا وواجبا دينيا يتماشي مع مقاصد وتعاليم الشريعة الإسلامية. وأكد علماء الأزهر أن الله تبارك وتعالي جعل الماء حقا شائعا بين البشر جميعا لا يملك الإنسان حفظه أو تخزينه إلا بإذنه, وجعل حق الانتفاع به مكفولا للجميع دون إسراف ولا احتكار ولا تعطيل, ودون النظر الي دين او لون أو عرق, وان كل ما يخالف ذلك هو إفساد في الأرض وإضرار بالبشر والحيوانات والنباتات وإهلاك للحرث والنسل ومخالفة لسنة الله في الكون. وطالب علماء الدين بضرورة وجود ثقافة سلوكية مستنبطة من التشريع الإسلامي للمحافظة علي الماء الذي أولاه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عناية بالغة حيث ورد ذكره في القرآن الكريم في ثلاثة وستين موضعا بمعان مختلفة, واقتداء بسنة الرسول صلي الله عليه وسلم ونهيه عن الإسراف في الماء. الترشيد والمحافظة علي الموارد يقول الدكتور سالم عبد الجليل وكيل أول وزارة الأوقاف ومؤلف كتاب' ترشيد الاستهلاك ومحاربة الفقر': إن الحملة التي تقوم بها الدولة للحفاظ علي حقها في المياه والتصدي لهدر المياه في المنازل والمجتمعات السكنية والمدارس والمنشآت عمل يستحق التقدير والتجاوب والتعاون, ويعد ترشيد استخدام المياه وتنمية مصادرها واجبا شرعيا, كما يجب علي الجميع التصدي لظاهرة الإسراف في الماء التي نهي الإسلام عنها في قوله تعالي' يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين' فالماء ثروة غالية هيأها الله لكل المخلوقات في الأنهار والبحار والأمطار,قال تعالي:' وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار' وإذا أمعنا النظر في تعاليم الإسلام وأحكامه نجد أنه عني عناية بالغة بالحفاظ علي الثروة المائية وذلك من خلال عدة توجيهات ملزمة للناس منها الاستخدام الأمثل للماء, والاعتراف بنعمة الماء وحمد الله عليها, والمحافظة عليه نقيا طاهرا وعدم الإسراف فيه, والعناية البالغة بالمصادر المائية. وكان للإسلام السبق في إقرار مبادئ ترشيد الاستهلاك لكل ما في يد الإنسان من نعم وثروات, باعتبار أن الإسراف والتبذير من أهم عوامل الخلل والاضطراب في منظومة التوازن البيئي المحكم الذي وهبه الله سبحانه للحياة والأحياء في هذا الكون, وأقام الإسلام منهجه في هذا الصدد علي الأمر بالتوسط والاعتدال في كل تصرفات الإنسان, وأقام بناءه كله علي الوسطية, والتوازن, والقصد. فالإسراف يعتبر سببا من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها, مما يؤدي إلي إهلاك الحرث والنسل, وقد نهي القرآن الكريم عن الإسراف في أكثر من موضع,كما دعا الإسلام إلي الوسطية والاعتدال كما في قول الله تعالي:' والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما' فالوسطية الرشيدة هي مسلك المسلمين, ودعوة الإسلام لأتباعه في كل الأحوال وعموم الأوقات, وهي خير ضمان لحماية الماء وغيره من الموارد الطبيعية. ولأهمية الماء وضرورته للحياة وقفت الشريعة الإسلامية ضد الإسراف في استهلاكه, في كافة الأغراض كالشرب والزراعة والصناعة, أو حتي في مجال العبادات, قال الرسول:' كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة', كما نهي رسول الله عن الإسراف في استعمال الماء حتي ولو كان من أجل الوضوء, فقد روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال:' ما هذا الإسراف؟', فقال: أفي الوضوء إسراف ؟, قال:' نعم وإن كنت علي نهر جار' والتزم المسلمون منذ فجر الإسلام بهذه التعاليم, فحرصوا علي الماء حرصا شديدا, كما حرصوا علي بقائه نقيا طاهرا, حتي يتمكنوا من شربه والتطهر به, كما حرصوا علي توفيره للجميع فلا يحرم منه أحد. منزلة الماء.. ومقاصد الشريعة تبذل الدولة الغالي والنفيس من أجل توفير المياه, ونحن جميعا شركاء في هذه المهمة العظيمة ومسئولون عن ترشيد الاستهلاك للمياه, هذا ما أكده لنا الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر, وأضاف قائلا: المواطن الصالح والمتدبر لمعاني القرآن هو الذي يضع ذلك الهاجس في اعتباره, كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية, ومن هذا المنطلق يجب علينا عدم الإسراف في الماء والمحافظة عليه, وذلك باستبدال كل ما من شأنه أن يكون فيه هدر للماء, وكذلك يجب علينا استخدام وسائل الري الحديثة في مزارعنا وحدائقنا, من أجل منع هذا الهدر الهائل من الماء, وأن نكون من الشاكرين لهذه النعمة الإلهية التي عني بها الإسلام عناية فائقة ووردت في القرآن الكريم في العديد من المواضع, وليكن قدوتنا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم, حيث كانت حياته تطبيقا عمليا لأكرم صور الاعتدال والقصد, ونموذجا كريما لترشيد الاستهلاك في كل شيء, وجعل الماء من الصدقات التي يمكن أن يتصدق بها, وشجع الرسول صلي الله عليه وسلم علي ذلك في مناسبات كثيرة أشهرها قصة بئر رومة الذي كان تحت يد يهودي, وكان يمنع المسلمين من مائه, فقال:' من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين' فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه' كما ان تيسير الماء في الإسلام ليس مقصورا علي الإنسان, بل يمتد للحيوان حتي لو كان كلبا ضالا, فقد أخبر الرسول عن الرجل الذي سقي كلبا في خفه فغفر الله له وادخله الجنة. وحول مقاصد الشريعة الإسلامية في الحفاظ علي الماء يقول الدكتور مبروك عطية: المقاصد الشرعية الخمس تصب في مصلحة الإنسان, والماء آية من آيات الله منذ بدء الخليقة ونبع بئر زمزم, كما أن موارد المياه من حقوق الله وليست حقا خاصا لفرد أو فئة, بل حق عام للبشرية كافة وجميع الأجيال عامة, لذا فيجب علي المسلم أن يعي حقوق الله علي خلقه ويرعي هذه الحقوق لأنه سيسأل عنها, ومن ثم لابد أن يكون لدي المسلم رقابة ذاتية في عدم التفريط في حقوق الله واستخدام الموارد وخاصة المائية دون إسراف أو إهدار أو تبذير, وقد أقر الإسلام مبدأ' لا ضرر ولا ضرار', فكل ما يضر المسلمين في رزقهم ومأكلهم ومشربهم ينهي الإسلام عنه, مثل الإسراف وتلويث الماء, ومن يفعل ذلك يخالف المقاصد الشرعية وتعاليم الشريعة الإسلامية التي تدعو إلي ترشيد استخدام الماء والحفاظ عليه كثروة ونعمة إلهية من المولي عز وجل, ومن يتدبر قول الله تعالي' وأنزلنا من السماء ماء بقدر' فمن هذا التدبر أن الله تعالي انزل الماء بجملته بحاره وأنهاره وعيونه وآباره بقدر, ولو أن امرأ يستحم فيما يسمي ب' البانيو' تدبر إجابة ابن عمر رضي الله عن كيفية غسل النبي فقال انه كان يغتسل بما لا يزيد عن2 لتر من الماء فقال رجل ان هذا القدر لا يكفيني فأنا رجل ذو شعر كثيف, فقال عبد الله بن عمر كان يكفي من هو خير منك وأكثر شعرا وهو رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأكد الدكتور مبروك عطية أن قضية ترشيد استعمال المياه, قضية هامة جدا نظرا لان الإسراف فيها يؤدي إلي استنزافها وإهدارها وبالتالي يمثل خطرا علي مستقبل الموارد المائية الموجودة مشددا علي دور الإنسان في الحفاظ عليها باعتباره مستخلفا في الأرض وليس مالكا لها ولمواردها وإنما هي ارض الله وملكه, والإنسان مسئول أمام الله تعالي عن المحافظة عليها وعلي مواردها وعدم إفسادها والإخلال بها, قال تعالي:' هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها'وعمارة الأرض تتم بالإصلاح والإحياء والابتعاد عن الإفساد والإهدار, فنعمة الماء من اكبر النعم التي انعم الله بها علي البشر. وللماء في القرآن الكريم منزلة عظيمة, حيث ورد ذكره بالقرآن في أكثر من ستين موضعا بعدة معان مختلفة منها قول الله تعالي:' أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون', ولعلو مرتبة الماء بين نعم الله علي الأحياء قرنه الله سبحانه بالمال والبنين, فقال تعالي:' فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا, يرسل السماء عليكم مدرارا, ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا' كما جعل إنزال الماء من السماء لإحياء الأرض آية من آياته سبحانه حيث قال جل شأنه:' ومن آياته أنك تري الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء أهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتي إنه علي كل شيء قدير' وكان الإسلام سباقا علي غيره من التشريعات الخاصة بالمحافظة علي الماء وترشيد استهلاكه, ووضع الأسس والضمانات التي تحقق الحياة الكريمة لسائر البشر إذا ما التزموا بهديه وساروا علي نهجه قال تعالي:' وأن لو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا', ومن هنا فان الماء نعمة غالية يجب صونها والحفاظ عليها بكافة السبل واتخاذ كافة التدابير اللازمة لذلك فهو' ارخص موجود واغلي مفقود' إذا وجد نظر الناس اليه نظرة تافهة ويقولون كوب ماء, رغم انه من رحمة الله وآيات قدرته وهو أغلي مفقود إن فقد. حق الانتفاع مكفول للجميع ويري فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الاسلامي أن الماء نعمة من أعظم النعم التي خص الله سبحانه بها جميع الأحياء علي وجه الأرض وجعله الله سبحانه حقا شائعا بين البشر جميعا, وقال: حق الانتفاع بالماء مكفول للجميع دون إسراف, أو احتكار أو منع أو تعطيل, وفي ذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:' الناس شركاء في ثلاث: في الماء, والكلأ, والنار', وهذا يعني أن مصادر الماء لا يجوز لأحد أن يحتكرها, أو يمنعها عن الآخرين, وانما يظل مشتركا بين الناس كل يأخذ حقه بقدر ما يحتاج, وألا يتصرف فيه بشئ من السفه, وأن نحافظ عليه بكل ما اوتينا من قوة, وأقر الإسلام مبدأ' لا ضرر ولا ضرار', فكل ما يضر المسلمين في رزقهم ومأكلهم ومشربهم ينهي الإسلام عنه. كما قرر الإسلام مجموعة من القيم, والآداب, والأسس, والقواعد للمحافظة علي الماء, وحمايته من التلوث, ومنها: أن الإسلام قد نهي عن الإفساد في الأرض, فقال الله تعالي:' كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين' فمنع الماء أو تلويثه أو إهداره بشتي الطرق هو إفساد في الأرض لما يترتب عليه من أضرار جسيمة للبشر والحيوانات والنباتات. وتلوث الماء من أكبر أشكال الضرر, كما حرم الإسلام كل ما يفسد حياة المسلمين, وفقا للقاعدة الفقهية التي تقول:' ما أدي إلي الحرام فهو حرام', فمنع الماء أو تلويثه يتسبب في حالات كثيرة في إزهاق الأرواح, وقتل الأحياء, ونشر الأوبئة والأمراض, ودرء هذا التلوث ضرورة شرعية حتي إن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أمرنا بأن نحافظ عليه من التلوث فقال:' لا يبولن احدكم في الماء', وللدولة كل الحق ويجب عليها ان تبذل الجهد والطاقة في سبيل ان يصل الماء سليما نقيا, والحفاظ علي ألا ينقطع الماء علي الناس. التصدي لسوء الاستخدام من جانبه حذر الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية من ظاهرة الفقر المائي التي تهدد العالم الآن, والتي قد يترتب علي نقصها نشوب النزاعات, وأضاف قائلا: الإنسان المعاصر وصل في استهلاكه للماء إلي أرقام قياسية من الإسراف, وبخاصة ما يصرف في الاستحمام والمراحيض والسباحة والشوارع, وعلينا أن نوقف هذا الهدر الذي يخالف تعاليم ومنهج الإسلام, وأن نحميه ونحمي مصادره من العبث فيه, لأن الإسراف يفضي إلي الفاقة والفقر وانتشار ظاهرة الفقر والشح المائي في العديد من مناطق العالم, وهي ظاهرة تهدد نعمة من أعظم ما امتن الله به علي عباده, فالماء هو أغلي ما تملكه البشرية لاستمرار حياتها, لهذا يجب علينا أن نتكاتف ونقف وقفة واحدة للحفاظ علي المياه وعدم هدرها والتصدي لسوء استخدامها. ليس ملكا لأحد أما الداعية الشيخ يوسف البدري فيقول: ان هذا الماء الذي جعله الله سر الحياة علي الأرض يشترك فيه كل الناس ولا يخضع للتملك الفردي, فقد حدث ان بعض الناس علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم كانوا في سفر فعطشوا فلما وجدوا البئر أصر أصحابه علي ان يبيعوهم الماء واضطروا أن يشتروه ليشربوا, فلما وصلوا النبي واعلموه قال عمر لهم' هلا جالدتموهم بالسيف' أي لا تدفعوا لهم فالماء ملك للجميع فقال صلي الله عليه وسلم' الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار'. والماة انزله الله للعباد مسلمهم وكافرهم ولا يحق لعبد ايا كان أن يمنع عبدا أيا كان من الماء الذي جعله الله حقا للجميع مباحا لحياتهم وأمر كل من يصل إليه الماء ألا يبخل علي أحدا أبدا, لا ينظر إلي دين ولا إلي لون ولا إلي عرق ولا إلي جماعة ولا إلي طاعة ولا إلي معصية, وجعل هذا الماء محافظا عليه ومنع الإسراف فيه حين قال تعالي' كلوا واشربوا ولا تسرفوا'. وعلي الذين يتجمعون حول نهر واحد أن يتجمعوا معا وان يناقشوا مشكلة توزيع المياه وان يقسموا الماء بالعدل والميزان المستقيم فقد اجري الله النهر ليوحد بينهم ولا يجب ان يفرق أحد بين ما أراده وهو الله أن نتجمع ونتوحد حول تلك النعمة الإلهية دون النظر الي جنس او لون او عرق أو دين فهذا عمل الله تعالي, ويجب علي هؤلاء جميعا أن يحذروا من الأصابع الخارجية التي تعبث في مسألة المياة وتسعي لإشعال الحروب والمكائد وليعلم هؤلاء ان الله تعالي يقول' كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله'.