قال تعالي: "وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" "التوبة:105". لم يعرف التاريخ ديناً اجتماعياً كدين الإسلام الذي وفق بين مطالب الروح ومطالب الجسد بحكمة وجمع بين خيري الدنيا والآخرة بدقة. ونفخ في الناس روح العمل والإقدام بفطنة. وحبب إليهم الإيمان. وزينه في قلوبهم. وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون. * فالمؤمن العاقل هو الذي لا يحتقر عملا مهما كان طالما أنه عمل شريف. فربما كانت فيه حياة له ولأمته. فلولا فأس الفلاح ما وجد الناس الغذاء. ولولا إبرة الخياط ما وجد الناس الكساء. ولولا مطرقة الصانع ما أمكن استغلال الأرض. ولولا أفرول الميكانيكي ما سارت قاطرة. وما تحركت في البحر باخرة وما حلقت في الجو طائرة. * ولننظر إلي فضل العمل والسعي علي الأرزاق. ومنزلة ذلك عند الله - سبحانه وتعالي - يقول الحبيب المصطفي - صلي الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرساً - أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" رواه البخاري * وقد رأي أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - شاباً قوياً قد بكر إلي عمله فعجبوا له. وقالوا: لو كان هذا في سبيل الله! فقال لهم النبي - صلي الله عليه وسلم - "إن كان خرج يسعي علي ولده صغاراً فهو في سبيل الله. وإن كان يسعي علي أبوين شيخيين كبيرين فهو في سبيل الله. وإن كان خرج يسعي علي نفسه يعفها فهو في سبيل الله. وإن كان خرج رياء ومفخرة فهو في سبيل الشيطان" رواه الطبراني. * ولنتذكر معاً قول الحق - تبارك وتعالي - لرسوله - صلي الله عليه وسلم - في أول الدعوة حين جاء يرتجف ويقول لخديجة - رضي الله عنها "زملوني زملوني" - فأنزل عليه هذا البيان: "ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا. إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا. إن لك في النهار سبحاً طويلا" "المزمل: 1 -6". * فجعل النهار للعمل والسعي والاجتهاد في طلب الرزق. وجعل الليل للراحة والهدوء وقوله تعالي "وجعلنا الليل لباسا. وجعلنا النهار معاشا" "النبأ: 10 -11". فلم يجعل - سبحانه وتعالي - النهار للهو أو اللعب. أو الاضراب عن العمل وتعطيل الانتاج وقطع الطرق والمواصلات بل جعله للعمل والنشاط. وإعمار الأرض. لا هدمها. والعبث بمقدراتها وإذا نظرنا إلي أهمية العمل في الإسلام ومدي قيمته. نجد كثيراً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة كلها تحث علي العمل لا علي الكسل والتنطع بسبب أو لآخر. لأن ذلك يؤديان إلي انهيار اقتصاد الوطن والقضاء علي الأخضر واليابس. ويصبح لقمة سائغة يبتلعها العدو في أي لحظة يشاء فقد قالوا في ذلك.. "من لا يملك قوته لا يملك سلاحه. ومن لا يملك سلاحه. لا يملك قراره". * وما من آية في كتاب الله تذكر الإيمان إلا وتقرنه بالعمل كقوله تعالي: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا. أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضراً من سندس واستبرق متكئين فيها علي الآرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا" "الكهف: 30-31".