مساجد وساحات "ضرار"!! أ.د. أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة * يقرر علماء أصول الفقه أن الحكم الشرعي يدور مع علته وجوداً وعدماً. وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. * مساجد "ضرار" -وتماثلها ساحات لإقامة صلاة العيدين- نبه القرآن الكريم عليها في سورة التوبة "الآيات 107:110" وقد استنبط أئمة العلم منها جملة أحكام وآداب منها: 1- وجود بناء المساجد وعمارتها علي تقوي من الله -تعالي- ورضوان. لأنها إذا كانت كذلك كانت محل القبول والثواب من الله -سبحانه وتعالي- أما إذا كانت لأي مقصد يتنافي مع أحكام الإسلام وآدابه تكون بعيدة عن رضا الله -تعالي- وقبوله "كالدعايات السياسية". 2- أورد القاسمي في تفسيره: دلت الآيات علي أن كل مسجد بني علي ما بني عليه مسجد الضرار. أنه لا حكم ولا حرمة ولا يصح الوقف عليه. وقد حرّق الخليفة العباسي الراضي بالله كثيراً من مساجد الباطنية والمشبهة والمجبرة "8/3268". 3- ذكر الزمخشري: قيل كل مسجد بني مباهاة أو رياء أو سمعة أو لغرض سوي ابتغاء وجه الله. أو بمال غير طيب. فهو لاحق بمسجد الضرار "الكشاف 2/310". 4- روي عن عطاء -رحمه الله تعالي- لما فتح الله -تعالي- الأمصار علي يد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر المسلمين ان يبنوا المساجد. وألا يتخذوا في مدينة مسجدين. يضار أحدهما صاحبه "المرجع السابق". 5- ذكر ابن كثير: يؤخذ من الآيات الكريمة استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها علي عبادة الله وحده لا شريك له. وعلي استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحة. والعباد العاملين.. "2/390". 6- ذكر الفقهاء جملة آداب للمساجد منها: عدم رفع الأصوات. وعدم البيع والشراء. وعدم نشدان الضالة. وعدم وضع تصاوير وزخرفة وسائر ما يشغل ويلهي. وعدم التشويش علي المصلين. وعدم إدخال مجانين وصبيان. وعدم منازعة الأمر أهله "أي عدم منازعة هيئة المسجد من إمام ومقيم شعائر ومؤذن وعامل". والنصوص والقواعد في ذلك معروفة وتطلب من محالها. إذا علم هذا: فإن ما آلت إليه المساجد في أيامنا هذه من منازعات كمحاولات جمعيات خيرية الاستيلاء علي مساجد بالقوة الجبرية ومنع الأئمة من أداء أعمالهم. وفرض أشياخ يعتنقون مبادئ خارجة عن الدراية المعقولة والرواية المقبولة "مسجد النور بالعباسية بالقاهرة نموذجاًَ". وإصباغ العمل الدعوي بصبغة حركات سياسية "مساجد للإخوان والشيعة" أو فرق دينية "الوهابية المتسلفة. وجماعات العنف الفكري والمسلح كالجماعات الجهادية" أو غيرها "المتصوفة" كل هذا مؤداه أنها مساجد ضرار للتفرقة بين المؤمنين وتحريض عوام علي الاعتداء علي أئمة العلم ومجادلتهم بسوء أدب. كل هذا يجعل كثيراً من المساجد مساجد ضرار. علي المتسبب والمباشر العودة إلي الحق. والعودة إليه واجب ان يخشوا عقاب الله -عز وجل- لمن جعل بيوته لغير الغرض الذي أعدت من أجله "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" الآية من سورة النور. علي أهل التعصب والتحزب ألا يحرفوا المساجد عن رسالتها "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها" الآية من سورة البقرة. ما بنيت المساجد للتكفير والتبديع والتفسيق والتشريك والتجهيل وإشاعة الفتن الطائفية وتحقير أئمة العلم. وبث الدعايات السياسية! ما أعدت المساجد لتضاف قسراً وجبراً إلي مسميات وأدبيات فرق منسوبة إلي الدين الحق فهذا مسجد للإخوان وذاك للمتسلفة وآخر للمتصوفة وغيره للتبليغ.. إلخ.. "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" الآية من سورة الجن.. فمتي تختفي دعوات وتحويل بيوت الله -تعالي- إلي "ضرار" لتعود إلي "رياض الجنة". بلاغ للأزهر والأوقاف ولمن يهمه الأمر الديني والمجتمعي لحماية بيوت الله -تعالي: والله الهادي إلي سواء السبيل. رؤية شرعية في معاملات مالية معاصرة بقلم الدكتور: عبدالفتاح إدريس عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر يعد التورق المصرفي الذي يقصد به الحصول علي النقد. بتوسيط سلعة لا يريد المتورق شراءها. حيث يطلب من البنك شراءها له. ثم يوكله في بيعها وقيد ثمنها في حسابه. من المعاملات المالية المعاصرة. وقد سمي تورقا: لحاجة من يجريه إلي الورق وهو الفضة وفي سبيل اتمام عملية التورق هذه يقوم البنك بشراء كمية من المعادن أو نحوها من السوق الدولية. لتبقي بعد ذلك في مخازن الشركة البائعة. ثم تحرر للبنك الذي اشتراها شهادة تخزين بمواصفات السلعة وكميتها ورقم صنفها. ثم يقوم هذا البنك ببيع السلعة إلي المتورق مرابحة بثمن مؤجل. ليقوم بتوكيل البنك في بيعها بثمن حال غالبا ما يكون أقل من ثمن بيعها له. ويحرص البنك علي أن يتم بيع هذه السلعة إلي غير الشركة التي ابتيعت منه قبل. وليضمن البنك بيع هذه السلعة بمثل ثمنها يتم التواعد بينه وبين المشتري الثاني للسلعة. بأن يأخذها بمثل ثمنها الذي ابتيعت به. فالتورق الذي تجريه البنوك والمصارف يتضمن عدة عقود بين أطراف عدة: عقد بين البنك والمتورق لشراء السلعة محل التعاقد لحسابه. وبيعها له مرابحة وعقد بيع بين البنك وبين الشركة التي تبيع له السلعة محل التعاقد. وعقد وكالة بين المتورق وبين البنك لبيع هذه السلعة لحسابه بثمن حال. وعقد بيع بين البنك وبين من يقوم بشراء هذه السلعة في نهاية الأمر. ولم يعرف فقهاء السلف مسمي التورق. وإنما الذي سمي هذه العملية به هو متأخرو الحنابلة. وقد أشار إلي تسميتها بذلك ابن مفلح والبهوتي وابن تيمية في كتبهم. والمرداوي في الانصاف. وحكي ابن تيمية في حكمة خلافا بين الفقها. فأشار إلي أن الكراهة هي قول عمر بن عبدالعزيز وطائفة من أهل المدينة من المالكية وغيرهم. ورواية عن أحمد اختارها بعض أصحابه وقوي القول بها ابن تيمية. وقال بجواز إجراء التورق فريق من فقهاء الحنابلة وغيرهم. وقد صور الفقهاء الصور التي يجوز بها التورق في كتبهم. فقال البهوتي في الرو: "ومن احتاج إلي نقد فاشتري ما يساوي مائة بمائتين وأكثر ليتوسع بثمنه. فلا بأس. وتسمي مسألة التورق". وقال ابن تيمية في الفتاوي: "وإن كان المشتري يأخذ السلعة فيبيعها في موضع آخر. يشتريها بمائة ويبيعها بسبعين لأجل الحاجة إلي دراهم. فهذه تسمي مسألة التورق وفيها نزاع بين العلماء. والأقوي أنه منهي عنها وأنها أصل الربا كما قال ذلك عمر بن عبدالعزيز وغيره". ومن خلال النصوص الكثيرة لمن أجازوه تستنبط شروط جوازه عندهم. والتي منها: أن يتم قبض السلعة من المتورق قبل بيعها لآخر. أن يري السلعة التي يريد شراءها أو يعلم بها بما ينفي عنه جهله بحقيقتها. أن يتولي بيعها من آخر بعد قبضها. أن يكون بيعها من غير من ابتيعت منه أولاً. وإنما اعتبر الفقهاء هذه الشروط لجوازه لإخراجه من دائرة المحظورات التي تكتنف هذا البيع. من مثل بيع المبيع قبل قبضه. وبيع العينة. وبيع الغرر. والتذرع بالتورق إلي الربا. ونحو ذلك مما نص علي المنع منه شرعا. وقد استدلوا علي جوازه إذا لم يترتب عليه محظور مما سبق. بالأدلة الدالة علي جواز البيع عامة. وجواز الوكالة فيه. وأما الذين منعوا فقد تمسكوا بها يفضي اليه هذا البيع من الربا. وأن ما أفضي إلي محرم فهو مثله. وإذا كان فقهاء السلف اختلفوا في التورق علي هذا النحو. وأن الذين أجازوه وضعوا له من الشروط ما يبعده كل البعد عن أن يكون ذريعة إلي محرم. فإن ما تجريه البنوك والمصارف في العالم الإسلامي الآن من تورق. لا يكاد ينطبق عليه شرط من شروط التورق التي اعتبرها من أجازه من فقهاء السلف. إذ يتعاقد البنك لحساب المتورق علي سلعة من السوق العالمية لم يرها أحد من العاملين به. ولم يرها المتورق. ولم يقبضها أحد منهما. ولم يعلم أحد منهما حقيقتها. ومن ثم فإن البنك لو صدرت إليه وكالة من المتورق ببيعها لمن يشاء. فقد ترتب علي هذه المعاملة كل المحاذير التي منع المجيزون إجراء التورق معها. والتي منها: بيع ما لم ير. وبيع ما لم تعلم حقيقته بما ينفي الجهالة عنه. وبيع ما لم يقبض. وبيع ما لم يدخل في ضمان بائعه. وبيع ما ليس عند البائع. يضاف إلي هذا أن البنك وقد تولي ابتياع السلعة وبيعها بصفته وكيلاً عن المتورق. فإنه لا يضيف عقد البيع أو الابتياع إلي المتورق بل يضيفه إلي نفسه. وقد ذهب جمهور الحنفية والمالكية وبعض الشافعية إلي أن حقوق هذا العقد إنما ترجع إلي من باشره. لأنه أهل للتصرف ووقع عقده علي محل قابل لحكمه والعاقد الآخر لا يعرف غيره. ومن ثم فإن البنك من هذه الوجهة كأنه ابتاع لنفسه. والسلعة في الحالين واحدة. فتحققت العينة بأجلي صورها. لأنه يبيع هذه السلعة بيعا صوريا إلي المتورق بثمن مقسط أعلي. ويبتاعها منه بثمن حال أقل. فتحصل العينة بسببه. وهي من البيوع المنصوص علي حرمتها. والتي اتفق جمهور الفقهاء علي عدم جوازها. ولهذا فقد انتهي المؤتمر السابع عشر للمجمع الفقهي الإسلامي التابع للرابطة. إلي حرمة التورق بصورته التي تجريها المصارف والبنوك الإسلامية الآن. وجاء في قرار المجمع تعليلاً للقول بالتحريم: "إن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها. يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً. ولأن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلي الاخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة. ولأن واقعها يقوم علي منح تمويل نقدي بزيادة للمستورق من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه. والتي هي صورية في معظم أحوالها. هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة علي ما قدم من تمويل. وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء". د. محمود جامع من التعلق علي المواسير إلي أعلي المناصب "1 2" بقلم: د. ناجح إبراهيم د. محمود جامع شخصية ثرية جداً علي كل المستويات.. إذا عشت معه تجربته الإنسانية شعرت بعمق هذه التجربة. وإذا عشت معه مرحلة انضمامه للإخوان والقبض عليه وتعذيبه استغرقتك هذه التجربة أيضاً. وإذا عشت معه تجربته السياسية تعجبت لأحوال الدنيا التي تنقل المعتقل والمعذب إلي صفوف الحكام والوزراء حتي يطلب منه من عذبوه شفاعته لأولادهم. وإذا عشت معه كإنسان ودود لطيف كثير المزاح خفيف الظل أحببت مصادقته دوماً. ولد د. محمود جامع سنة 1923م.. وكان أبوه قاضياً شرعياً وجده كان عمدة من أعيان المنوفية.. وكان له ثلاثة أشقاء إحسان وجلال ونبيل.. وكان ترتيبه الثاني بينهم.. وأصيب الأربعة بالحصبة والالتهاب الرئوي مما أدي إلي موت أشقائه الثلاثة في يوم واحد في مأساة مروعة مثلت صدمة عنيفة للأسرة عامة ووالدته خاصة. ثم أنجب والده عدة أشقاء وشقيقات ومات فجأة ليتركه وحده مسئولا عن هذه الأسرة الكبيرة وعن ثمانية من الأشقاء والشقيقات.. خاصة بعد أن أصيبت والدته بحالة من الحزن والاكتئاب فرضت عليه أن يقوم بكل مسئولية أشقائه.. فكان لهم الأب والأم والشقيق والصديق.. حتي أنه استلم شقيقه الأصغر وعمره 40 يوماً ولم يتركه حتي أصبح أستاذاً في كلية الطب. لقد كان د. محمود جامع يمتلك عزيمة جبارة وشعوراً جارفاً بالمسئولية وكان عاشقاً للتحدي طوال عمره.. وبعض أشقائه وصل اليوم إلي السبعين من عمره ورغم ذلك يقبل يد د. محمود حتي اليوم عرفاناً بجميلة. وقد تعرف د. محمود جامع علي الإخوان ودخل معهم بعد سماعه للشيخ حسن البنا وهو يخطب في مسجد المنشاوي باشا بطنطا.. ودخل في نظام الأسر الإخوانية وتعرف فيها علي د. القرضاوي و د. أحمد العسال وعز الدين إبراهيم ود. عبدالعزيز كامل.. وكانوا من أهم الدعاة الشباب في الإخوان في الأربعينات.. وعاش أيام الرحلات الدعوية الخلوية.. ووصف هذه الأيام بأنها أجمل أيام عمره علي الإطلاق سكنية وصفاء وتجرداً وقرباً من الله. وعاش بنفسه لحظة اغتيال اللواء سليم زكي في جامعة القاهرة.. فقد حكي لي أنه رأي بعيني رأسه مشهد مقتل اللواء سليم زكي دون سابق إعداد فقد قام البوليس باقتحام كلية طب القصر العيني وضربوا المتظاهرين داخلها طرباً شديداً.. وكان اللواء سليم يركب عربة مدرعة نزل منها وهو يأمر الجنود بضرب المتظاهرين.. وكانت هناك مجموعة من الطلبة فوق مبني الفسيولوجي بالكلية.. وكان أحدهم يحمل شنطة أخرج منها قنابل وديناميت وألقي قنبلة علي القوات.. وأخري سقطت بين أقدام اللواء سليم زكي وخرجت منها شظية أصابت عنقه مباشرة.. وأكد أن العملية لم تكن مدبرة وكانت وليدة اللحظة. وقال لي: أن حل الإخوان لم يكن بسبب ضبط السيارة الجيب التي تحمل وثائق التنظيم الخاص للإخوان والتي أدت إلي انكشافه فحسب.. ولكن السبب الآخر هو البطولات التي قام بها الإخوان في فلسطين فأوعزت بريطانيا إلي الحكومة المصرية بذلك حتي تتمكن دولة اسرائيل من القيام والوجود بسهولة ويسر". وقد كان د. محمود جامع صديقاً لعبد المنعم عبدالرءوف عضو مجلس قيادة الثورة.. كما أن جده قد استضاف الرئيس السادات أثناء هروبه من الشرطة. كما كان والده صديقاً حميماً لأحمد عبدالغفار باشا أحد الوزراء في العهد الملكي فلما قامت ثورة 23 يوليو ذهب د. محمود جامع إليه ليواسيه في محنة اعتقاله شهراً ويهنئه بالإفراج عنه فقال له الباشا: يا محمود هؤلاء العسكر لا يفهمون لا في السياسة ولا في القانون وستري البلد منهم المرارة والأهوال. فقال له محمود: المهم مصلحة البلد... وهي لا تتأثر باعتقال أحد.. والوضع قبل الثورة كان سيئاً وكانت الشرطة تضرب المظاهرات. فقال له الباشا: يا محمود يا بني نحن كنا نضربكم بالعصي والخرازنات في المظاهرات لكن العسكر سيضربونكم بالنار إذا خرجتم مظاهرات.. وستروا التعذيب علي حقيقته وأصوله. وهذا ما رآه د. محمود جامع حقاً حينما قبض عليه سنة 1954 بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين.. حيث عذب عذاباً فظيعاًَ.. وكاد أن يمكث في السجن معظم حياته لولا أن قيض الله من يتوسط له ليخرجه من السجن قبل أن يزج به إلي محكمة الثورة. لقد شهد د. محمود جامع احتدام الصراع بين الإخوان وعبدالناصر حينما كان طالباً في بكالوريوس طب القاهرة في يوليو سنة ..1954 وكان له نشاط واسع في الكلية واتحادات الطلاب والمعسكرات الإسلامية.. وكانت له علاقة طيبة بكل التنظيمات السياسية الموجودة. أصول التكافل في الشريعة الإسلامية "2-2" بقلم الدكتور: محمد الشحات الجندي الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية انتقل التوجيه الإسلامي الي سلوك الافراد. فأصبح التكافل بينهم تشريعاً عملياً. وسلوكاً اجتماعياً. ووجدنا ذلك في مسلك جماعة الأشعريين. فيما رواه البخاري عن ابي موسي قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم "إن الأشعريين اذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد. ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم""1". ولم يكن هذا المسلك الأشعري أمراً فردياً. إنما كان شأنا عاماً. وممارسة مجتمعية. أوجدها الإسلام لتقوية أواصر التعاون علي البر والتقوي. ودعم رباط المحبة والتراحم بين عناصر المجتمع. وهو ملحظ مقرر في نظام الإسلام الإجتماعي. يميز مجتمعه. ويبني العلاقات فيه بين افراده حتي يجعل منه بنياناً قوياً متماسكاً. أشار إليه حديث الرسول صلوات الله عليه "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً""2". وقد أرسي هذا النظام الرسول صلي الله عليه وسلم في الدولة الناشئة في المدينة. وأقام صرح المجتمع علي التضامن في عملية المؤاخاة المعاشية والمجتمعية بين عنصري المجتمع الإسلامي المهاجرين "أهل مكة" والأنصار "أهل المدينة" حتي صار كل واحد منهم أولي بتلك المقاسمة في المال والمعيشة كواجب شرعي. وأساس اجتماعي الأمر الذي وفر بنية مجتمعية صلبة قامت علي مقتضي المودة والتكافل. وقد ارتقي افراد المجتمع في تطبيق مبدأ المؤاخاة من فكر الواجب والمقاسمة بين الأنصار أصحاب المال والعقار الي إيثار وتفضيل المهاجرين الذين لا يملكون بما في أيديهم من مال وممتلكات علي أنفسهم وأهلهم وهو الصنيع الذي مدحه القرآن الكريم: "ويؤثرون علي انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه. فأولئك هم الملفلحون". سورة الحشر أية "9". وينبغي ان يفهم هذا المسلك علي اساس انه نظام وتشريع. يتسم بالعموم والدوام. فهو أمر ليس له صفة الخصوصية. غير مؤقت بمرحلة زمنية أو ظروف عرضية أو ليس واقعة عين كما يقول الفقه. وفي هذا السياق تكون شعيرة التكافل مطلباً إسلامياً يتعاون علي القيام به الفرد والمجتمع والدولة في عملية تكاملية جامعة. وهو ما جاء به الخطاب القرآني: "وتعاونوا علي البر والتقوي". المائدة "2". يقول القرطبي في تفسير الآية: "أنها أمر لجميع الخلق بالتعاون علي البر والتقوي. أي ليعن بعضنا بعضاً. و"تحاثوا علي أمر الله تعالي واعملوا به بما لا يجوز تركه أو التخلي عنه". وقد التزم الصحابة بتشريع التكافل. ووضعوا له قواعد يقسم بها المال وفقا لنصيب المحتاج. أو المضطر. بحيث يكون لكل فرد حق فيه لا يحرم منه. وهو ما بينه عمر بن الخطاب بقوله: "ليس أحد أحق بهذا المال من أحد. وإنما هو الرجل وسابقته. والرجل وبلاؤه. والرجل وحاجته". وبموجب ذلك يكون استحقاق صاحب الحاجة علي وفق أدائه أو مشاركته. وبقدر ما يسد حاجته. وجدير بالمجتمع وقد تطور في مجالات العمل المؤسسي ان يترجم التكافل بين مجموعة أو فئات في المجتمع تتولي تنظيمه في صورة تعاونية تضامنية ليكون ملمحا من ملامح المجتمع المؤمن. من خلال شركة أو مؤسسة تصطلع به. وتوالي تنميته وضبط مساره. وهو ما قد يجد نواته في إنشاء شركات للتأمين الكتافلي وفقاً لنظام الشريعة. لكن التجربة بحاجة الي صقل وتقنين ومتابعات جادة تتبلور بها مؤسسة تأمين متميزة.