¢قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَيَ كُلِّ شَيْءي قَدِيرى¢. "آل عمران26" كم قرأنا هذه الآية الكريمة ورددناها يومياً في أذكارنا. ونعرف جميعاً تفسيرها القريب أنه سبحانه "إله واحد فهو المالك الواحد. هو مالك الملك. بلا شريك. ثم هو من جانبه يملك من يشاء ما يشاء من ملكه. يملكه إياه تمليك العارية يستردها صاحبها ممن يشاء عندما يشاء. فليس لأحد ملكية أصيلة يتصرف فيها علي هواه. فإذا تصرف المستعير فيها تصرفاً مخالفاً لشرط المالك وقع هذا التصرف باطلاً. وتحتم علي المؤمنين رده في الدنيا. أما في الآخرة فهو محاسب علي باطله ومخالفته لشرط المملك صاحب الملك الأصيل. وكذلك هو يعز من يشاء ويذل من يشاء بلا معقب علي حكمه. وبلا مجير عليه. وبلا راد لقضائه. فهو صاحب الأمر كله بما أنه سبحانه هو الله. وما يجوز أن يتولي هذا الاختصاص أحد من دون الله. وفي قوامة الله هذه الخير كل الخير". "في ظلال القرآن: سيد قطب في ظلال آية آل عمران 26" ولكننا عندما عايشنا أحداث ثورتنا. وثوارت أشقائنا العرب في تونس وليبيا واليمن استشعرنا. وبتجربة أخذت تتعمق داخلنا وتترسخ في عقولنا وتتقوي في تفكيرنا يوماً بعد يوم. كيف أن هؤلاء الطغاة قد أتاهم الحق سبحانه الملك بسهولة ودون جهد ودون عوامل شخصية أو مميزات قيادية تؤهلهم أو كاريزمية يستحقونها. ثم تحركت الرغائب والشهوات البشرية الكامنة داخلهم نحو الملك والكرسي والسلطة ثم الثروة والرغبة في الخلود بالتوريث. حتي جاءت الثورة بثوارها الأحرار خاصة الشباب بحماستهم وعزيمتهم وصبرهم الذي لا يلين. جيء بهم قدر الله لينهي هذه العارية من الملك والسطوة والثروة وحب الخلود. فينزعها من هؤلاء الطغاة انتزاعاً كنا نستشعر ثقله وصعوبته وكأننا ننزع حريراً اختلط بالشوك تماماً كما تقوم الملائكة بنزع الروح!؟. وهذا المعني الخطير والعميق للآية. عايشناه عملياً ففهمنا واقعياً هذه الحالة المتجذرة في خبايا النفس الإنسانية حول تلك العلاقة المركبة. التي توضح معركة الإنسان مع رغائبه وشهواته. وصراع هذا الثالوث: "1"الإنسان. "2"الملك أو السلطة أو الثروة. "3"طول الأمل أو الخلود أو حب الحياة. فالإنسان تحركه رغائب وشهوات أقواها رغبته في الملك وغريزته الفطرية في حب السلطة والثروة. ومن أصعب نتائجها بروز مرحلة الملك العضوض في تاريخنا كما يسميها صلي الله عليه وسلم. وهي التي نري فيها كيف يقاتل الحاكم بكل السبل للتمسك والتوحد بكرسيه. واستئصال كل معارض لملكه. واستقصاء كل رأي يخالفه. ثم يلجأ للتوريث حتي لايضيع منه ملكه حتي بعد مماته!؟. ثم تأتي الرغبة أو الشهوة والغريزة الثانية وهي حب الحياة والخلود. وكيف يتمسك بالحياة وزخرفها من سلطة وثروة وزعامة. فيلجأالإنسان خاصة الحكام إلي كل السبل لتحقيقها والتمسك بهما. فيكره من ينازعه ويتكبر ويتجبر وتتعمق داخله منظومة الدكتاتورية أو الأحادية في الرأي والحكم. حتي نشأت في تاريخ أمتنا مرحلة الجبرية كما يسميها الحبيب صلي الله عليه وسلم. ولنتأمل كيف تحدث القرآن الكريم عن معركة الرغائب الإنسانية: ¢فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَي شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكي لَّا يَبْلَي¢. "طه120" فعندما أراد إبليس بقدر الله أن يدفع آدم عليه السلام وزوجه إلي المعصية وإخراجهما من الجنة. دخل إليهما باللعب الشيطاني علي هاتين الرغبتين القاتلتين والقويتين. "لقد لمس في نفسه الموضع الحساس. فالعمر البشري محدود. والقوة البشرية محدودة. من هنا يتطلع إلي الحياة الطويلة وإلي الملك الطويل. ومن هاتين النافذتين يدخل عليه الشيطان. وآدم مخلوق بفطرة البشر وضعف البشر. لأمر مقدور وحكمة مخبوءة". "في ظلال القرآن: سيد قطب في ظلال آية طه120" لقد كنا شهوداً علي عصر معركة الرغائب والصراع بين الثالوث. فعشنا عصر إيتاء الملك بسهولة. وانتزاعه من طغاتنا انتزاعاً قاسياً ومهيناً ومذلاً لهم. ومعزاً للثوار. ومفرحاً لمحبي الحرية!. ومعركة الرغائب هو الدرس التربوي أو الرسالة الثالثة عشرة لثورتنا المباركة. 14-أفول ... وبشريات: ¢تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها. ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة. ثم سكت¢. "مسند أحمد بن حنبل تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن" لقد كنا نقرأ هذه الرؤية الاستشرافية للحبيب صلي الله عليه وسلم حول المراحل الخمس للناموسية التاريخية للأمة. ونحن نشاهد ونعايش باستغراب كيف تداخلت المراحل مع بعضها البعض!؟. ونستغرب كيف استمر الملك العاض التوريثي منذ العام الخامس والثلاثون الهجري. فاستظلت به الدول المتعاقبة من الأموية ثم العباسية. حتي جاءت الأسر الملكية المعاصرة لتتغلغل في تاريخ أمتنا وتستوطن أحشاءه. فتستحيل إلي ما يشبه الورم السرطاني. متغولة بطريقة أخطبوطية في جسد أمتنا!. حتي ظننا أن عجلة التاريخ وقفت عندها. وأنها ممالك خالدة ولا أمل في تغييرها!؟. ثم جاء زعماء جمهوريات أمتنا الانقلابيين التقدميين والاشتراكيين. بنوبة انقلابية شاملة ساحقة تعم أمتنا. ليبشروننا بالحرية والاشتراكية والوحدة. وليرفعونا إلي عنان السماء بشعارات "من المحيط الهادر إلي الخليج الثائر". وليدغدغوا عواطفنا بالأمل في "الحلم العربي"!. ثم ما لبثوا أن أغرتهم طيبة وسذاجة الجماهير. فزاغ في أعينهم بريق كرسي السلطة فذابوا فيه عشقاً وطمعاً. فتوحدوا به. وقلدوا الملكيات الرجعية في نظامها القهري التوريثي. ليستمرأوا السلطة والثروة. ولينافسوا الملكيات في حب غريزة الملك والبقاء!. حتي استشعرنا أن التاريخ ومرحلة الملك العاض قد توقفت عندهم أيضاً. وسيغلقون باب التغيير الحضاري عليهم وعلي أبنائهم وعلي أحفادهم!؟. واستغربنا أكثر كيف تتداخل مرحلة الملك العاض مع هذه المرحلة التي جاء بها هؤلاء العسكر. وهي مرحلة أشد فتكاً بتاريخنا وبقيمنا الحضارية. وهي مرحلة الجبرية. أي الدكتاتورية القمعية الأحادية الاتجاه في الفكر والسياسة وفي كل جوانب وأركان حياتنا!؟.. وأذهلنا كذلك. كيف اتحدت المرحلتان وامتزجتا وتداخلتا. لنعيش عصر خليط يجمع بين الملك العاض والجبرية. فيمارس أصحابها السياسة الإقصائية للآخر والاستئصالية للأفكار المغايرة ولمعارضيها. وللحديث بقية العدد القادم بمشيئة الله