عن عبدالله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه". في هذا الحديث قاعدتان لسلوك المسلم ينبغي أن نتدبرهما فعليهما مدار بناء المجتمع الإسلامي. بل والإنساني. القاعدة الأولي: مجملها. كف الأذي عن الناس. وليس المراد من جملة "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" تحديد معني المسلم تحديداً كاشفاً لمقوماته ومكوناته. أو تحديد أصل الإسلام» لأنهما لم تحو سوي شعبة واحدة من الشعاب العملية للإسلام. تلك هي كف الأذي عن الناس. لكنها مع هذا شعبة فرعية تصلح عنواناً ومعياراً يميز الخبيث من الطيب. ويتعرف بها علي المسلم الصادق الذي وصفه الحديث بصفة مطردة تقول: إذا رأيتم الرجل يمتنع عن الإضرار بالمسلمين بيده ولسانه كان هو المسلم. وإذا رأيتموه يسعي إلي مضارة المسلمين من بين الناس جميعاً. إما بآفات اللسان كالغيبة والشتم والقذف والنميمة واللمز. وإما بيده بضرب. أو اغتصاب حق. أو قتل. أو إطلاع علي عوورات وإشاعتها. والمشي في المضرات. وأكل الطعام بغير إذن صاحبه. وغير هذا وذلك من أنواع المضارة والإضرار. فإن كان الرجل أو المرأة متصفا أو محترفا لشئ من ذلك فليس من الإسلام في شئ وإن انتسب إلي الإسلام والمسلمين. ذلك أن الذي يكف الأذي عن المسلم بوصف كونه مسلما إنما هو المسلم. هكذا جاء الوصف في قول الله: "رحماء بينهم". ولا يؤذي المسلم إلا من ليس مسلما في واقعة". "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ". "ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها". "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإقما مبيناً". ومن هذه الآيات من القرآن الكريم يتضح لنا أن هذه الجملة من الحديث الشريف جاءت ترجمة لمعاني هذه الآيات وغيرها الداعية لحسن السلوك في المجتمع. هذا وليس التقيد بالمسلمين مقصودا به عدم المسالمة مع غيرهم مطلقا. بل يجب كف الأذي عن كل من يسالم المسلمين ويعايشهم. سواء من أهل الذمة أو المعاهدين أو المهادنين أو المستأمنين لكن الحديث الشريف جعل مسالمة المسلمين وكف الأذي عنهم واجباً أصلياً علي كل مسلم. وكانت مسالمة غير المسلمين واجبة تبعاً لهم. أما المحاربون أعداء المسلمين. فال يجب كف الأذي عنهم. بل الواجب رد عدوانهم. والخوف من التورط في علاقات معهم قد تضر بالمسلمين. ولا يظن أحد أن هذه القاعدة "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" هي كل أمر الإسلام وإنما هي كما تقدم واحدة من شعبه أو قواعده الواجبة. وكأنها من باب ما لا يتم الشئ إلا به. ومن ثم فلا يركن إلي هذا الحديث بعض أولئك المفرطين في جنب الله. الذين إذا دعوا إلي الصلاة وقيل لهم اركعوا لا يركعون. أو إلي الزكاة وقيل لهم أنفقوا إذا هم يكنزون. ثم يقولون مجاهرين: ما دمنا لا نؤذي أحدا فنحن خير ممن يصلي ومن يزكي. ومن يصوم. وكأنهم يقولون: إن من أحسن المعاملة مع الناس لا ضير عليه إن لم يحسن المعاملة مع الله إن هذا ليس مقصوداً من الحديث الشريف ولا يؤدي إليه. لا بالمنطوق ولا بالمفهوم الشرعي. ومع القاعدة الأخري نواصل حديثنا العدد القادم إن شاء الله تعالي