: ابراهيم قاعود لم يكن المستشار الزند أول من طلب الاستعانة بالصديق الأمريكي ولن يكون الأخير في طابور الذين يراهنون علي غير الشعب في مواجهة الأزمات بل ويخذلونه، بعض أقباط المهجر فعلوها ولم يتعلموا الدرس العراقي عندما تعرض المسيحيون هناك للمطاردة واضطر معظمهم للهجرة بسبب دوامات الفوضي والعنف والقتل ولم يسعفهم الغازي الأمريكي الذي تدين قواته بما يدينون به ولم يظلهم برعايته لأنه لم يذهب إلي هناك لحماية شيء سوي مصالحه وتحقيق أطماعه والبشر عنده مجرد أرقام تزيد أو تقل لايهم، نجيب ساويرس دعا للتدخل الأمريكي والأوروبي سياسيا واقتصاديا وعسكريا لحماية الأقليات ومنع اضطهادهم وفرض الدولة المدنية في حال فوز الإسلاميين الذين سوف يعودون بالبلاد للقرون الوسطي وأن واشنطن - علي حد قوله – لن تترك مصر تنهار ومطالبا بتقديم الدعم المالي للتيارات الليبرالية والعلمانية، وفعلها البرادعي المستظل بالرعاية الأمريكية لسنوات طويلة مضت كرئيس لوكالة الطاقة الذرية لثلاث دورات وحظي بجائزة نوبل للسلام، فعلها عمرو حمزاوي عندما نادي بتوظيف القلق الدولي وناشد الدوائر العالمية والرأي العام وكافة المنظمات الحكومية وغير الحكومية الضغط علي قوي الإسلام السياسي الحاكمة للكف عن تلاعبها بالحقوق والحريات وبهوية الدولة عندما اعتبر أن الدستور ليس قضية داخلية مصر فقط لكن أغرب وأسوأ الدعوات للتدخل جاءت من الناشطة سميرة إبراهيم صاحبة قضية كشوف العذرية التي رشحتها الخارجية الأمريكية لجائزة الشجاعة ودعتها للسفر لتسلمها ثم سرب البعض تدوينات لها علي موقع التواصل الاجتماعي تويتر اعتبرتها واشنطن معادية للسامية فسحبت منها الجائزة، الناشطة رغم ماحدث لها دعت أمريكا للتدخل لردع جماعة الإخوان المسلمين وأنها تعتبرها المنقذ للديمقراطية في مصر!! ولايجب أن ننسي ماصرحت به مؤخرا وزيرة التعاون الدولي السابقة فايزة أبو النجا من أن واشنطن قدمت تمويلا قيمته 150 مليون دولار لجماعات وحركات ومنظمات وفضائيات مصرية لنشر الفوضي والاضطرابات في أعقاب ثورة يناير التي أطاحت بالكنز الاستراتيجي لواشنطن وتل أبيب، ولا نغفل أيضا زيارات النشطاء والسياسيين وأعضاء منظمات حقوق الإنسان المتكررة للسفارة الأمريكية بالقاهرة وماتسرب عنها في وثائق ويكيليكس أو ماصرح به بعضهم ويعد تدخلا ومساسا بالسيادة المصرية ! إن مصر علي أعتاب مرحلة جديدة تسعي من خلالها للتخلص من كل أشكال التبعية للغرب وأمريكا تحديدا والتي ظلت عليها طوال عقود من الزمن مضت منذ أن أطلق السادات تصريحه الشهير أن 99٪ من أوراق اللعبة في يد أمريكا وأطلق مبارك يدها في كل الشأن الداخلي والخارجي خاصة أن مصر صارت ثاني الدول تلقيا للمساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية بعد إسرائيل، الزيارات التي قام بها الرئيس مرسي وخاصة الأخيرة لموسكو وقبلها الصين والهند وإيران تعد تدشينا لدائرة علاقات أوسع عالميا والتعاون علي كافة المستويات والمجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وعدم استمرار سياسة الخضوع للإملاءات والضغوط الأمريكية وأن زمن التبعية قد ولي وأن القرار المصري سيتمتع باستقلاليته ولن يفرضه أحد علينا، لكن طريق الخروج من العباءة الأمريكية يحتاج جهدا من المخلصين لهذا البلد لأن واشنطن لن تترك بسهولة كل ماحققته طوال السنوات الطويلة الماضية يفلت من بين أيديها وهي تسعي لإبقاء مصر في دائرتها لخدمة مصالحها ومصالح الدولة العبرية والحفاظ علي نفوذها بالمنطقة. خطورة الدعوة التي أطلقها الزند للاستعانة بالصديق الأمريكي ثم التهديد باللجوء إلي المحكمة الجنائية الدولية وادعي أنه لم يقصد ذلك وأن تصريحاته أخرجت من سياقها تكشف أن القضاء المصري لم يكتف رجاله بالخوض في معترك السياسة بما يخالف قواعد ومباديء العدالة وإنما ذهب بعضهم للأسوأ في طلب الحماية الدولية لإنقاذ القضاء رغم أن الشواهد خلال العامين السابقين تؤكد أن الثورة لم تصل لساحات القضاء وأنه مايزال يعمل بآليات النظام القديم وطرقه بل وصل الأمر إلي تغوله علي السلطات الأخري وجاءت أحكامه الصادمة فيما يتعلق بمهرجان البراءة للجميع لمعظم المتهمين في قتل الثوار والفساد وغيرها وحل مجلس الشعب وتهريب المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي والدور الذي لعبته كل من المحكمة الدستورية ونادي القضاة والصدام الحالي مع السلطتين التنفيذية والتشريعية. لا يمكن لأحد أن ينكر أن النظام السابق نجح بامتياز في إفساد كافة مؤسسات الدولة واختراقها والقضاء من بينها وملفات التفتيش القضائي حافلة بمثل هذه النماذج والتوريث في الوظائف للأبناء ودخول ضباط أمن الدولة السابق لساحة القضاء ودور القضاة في الانتخابات السابقة لثورة يناير، ولعل لقاء الرئيس مع رؤساء الهيئات القضائية والاتفاق علي عقد مؤتمر العدالة يكون بداية لتصحيح أوجه الخلل في المنظومة القضائية. إن الاستقواء بالخارج قضية لابد لكل المصريين الشرفاء أن يتصدوا لها أيا كان من يدعو لذلك فقد ضاعت هيبة ودور مصر لسنوات طويلة مضت بسبب هيمنة القوي الدولية شرقا وغربا علي القرار والسيادة ولم يعد مقبولا بعد الثورة أن يستمر هذا الوضع، فليس لأحد أن يحدد لمصر دوائر علاقاتها الخارجية ومع من تتحالف أو تتعاون، والندية لابد أن تكون شعار تلك العلاقات وليس التبعية لكن ذلك لن يتحقق طالما لانملك بنيانا اقتصاديا وسياسيا قويا وعلاقات إقليمية قائمة علي تبادل المصالح لخدمة شعوب المنطقة تهييء لدور فاعل ومؤثر في الساحة الدولية. والرهان لابد أن يكون علي الشعب لأنه الحل وليس الخارج الذي يبحث دائما عن مصالحه وعلي المعارضة أن تدرك جيدا أن استقواءها بالخارج سيقود لانهيار الثقة مع الشعب ونهاية دورها السياسي ومصر قادرة علي الخروج من نفق التبعية المظلم إلي الدولة المستقلة قولا وفعلا وواقعا!