جلال عارف لا تريد أمريكا أصدقاء.. بل عملاء! هذا هو درس التاريخ وحصيلة التجارب الطويلة في العلاقات بين القاهرة وواشنطون!! جاءت ثورة يوليو قبل ستين عاماً ومعها كل النوايا الطيبة في اقامة أوثق العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعندما اكتشفت ان واشنطون لا تريد الصداقة والتعاون المشترك الذي يخدم مصالح الطرفين، وإنما تريد العمالة والارتباط الكامل بمخططات أمريكا واطماعها في المنطقة.. كان الصدام الذي بدأته واشنطون برفض بيع السلاح لمصر مع تحريض إسرائيل علي انتهاك الحدود وتوجيه الضربات لجيش مصر، وعندما ردت مصر بشراء السلاح من مصادر أخري كان قرار سحب تمويل السد العالي، ثم بعد ذلك صراع طويل استخدمت فيه واشنطون كل اسلحتها.. من الحصار الاقتصادي الذي شمل القمح والأدوية، الي المشاركة ضد جيش مصر في حرب اليمن، إلي التواطؤ مع اسرائيل في حرب يونيو 76، إلي التصدي لانتصار مصر في حرب 37 بالوسائل العسكرية أولا، ثم باجهاض نتائج الانتصار وزرع الفتنة في الصف العربي الذي خاض المعركة وفرض العزلة علي مصر بعد كامب ديفيد وتوابعها السياسية والعسكرية التي مازالت تفرض نفسها علي الواقع العربي كله حتي الآن. استراحت أمريكا بعد أن سلمها السادات 99٪ من أوراق اللعبة كما قال وبرطعت في المنطقة بعد ذلك اعتمادا علي انه لا سلام حقيقي ولا حرب حاسمة بدون مصر. وأعطت دعمها للنظام في مصر علي حساب حرية الشعب وتقدم الدولة. وعملت جهدها علي حصار دور مصر وإبعادها عن مركز التأثير في المنطقة، وهي تعرف أن غياب مصر معناه غياب العرب، ومعناه ترك الفرصة لإعادة رسم خريطة المنطقة كلها لمصلحة أمريكا وحلفائها وعلي رأسهم إسرائيل! بعد ثورة يناير التي فاحأت أمريكا وافقدتها »هي وحليفتها إسرائيل« كنزاً استراتيجيا لا يعوض، تكرر واشنطون السير في الطريق الخاطئ.. تتصور ان العلاقة مع مصر الثورة يمكن أن تستمر في اطار التبعية، وبدلا من السعي لاقامة علاقات جديدة علي أساس الصداقة وتحقيق المصالح المشتركة للشعبين، تتصرف واشنطون باعتبار أن محاصرة ثورة يناير اقتصاديا وسياسيا واغراق مصر بالمشاكل واستنزاف قواها في الصراعات الداخلية هو الهدف المطلوب، حتي لا تعود مصر لدورها، ولا تبدأ في بناء قوتها الذاتية، وحتي لا تصبح ثورتها إلهاما لكل الشعوب العربية. قضية التمويل الأجنبي ومحاكمة المتهمين الأمريكيين ليست إلا بداية لمواجهة صعبة، والضجة التي تثيرها واشنطون هي محاولة لعدم فتح باقي صفحات التآمر علي الثورة. وما جري مع الوفد العسكري الذي قطع زيارته يجعلنا نؤكد علي ضرورة ان نستعد للاستغناء الفوري »من جانبنا« عن معونة يراد لها ان تنال من استقلالنا وكرامتنا. وعلي واشنطون ان تتحمل المسئولية وأن تدفع الثمن الفادح لاصرارها علي ما تعودت عليه، وما نرفضه بكل تأكيد، وهو: أن يكون لها عملاء.. وليس أصدقاء!!