لا زالت أزمة البحث العلمي في مصر مستمرة، ولا زالت مؤسساتنا البحثية تعيش حالة من الغيبوبة، في وقت سبقنا فيه القاصي والداني في إنهاض بحثه ودولته، وعلي الرغم من التوقعات المتفائلة بزيادة ميزانية البحث العلمي في مصر عقب ثورة 25 يناير، الا أن الباحثين المصريين مازالوا ينظرون بعين حذرة لمستقبل مصر العلمي بعد سنوات طويلة من المعاناة في طلب دعم البحوث العلمية في مراكز وجامعات مصر، في حالة من التخبط والإحباطات التي تهز الكيان البحثي بمصر وتدفع أصحاب العقول المتميزة إلي الهجرة بحثا عن فرصة خارج حدود الوطن. أكد التقرير الأخير للمجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا بالمجالس القومية المتخصصة عن "البحث العلمي" أن مجتمع البحث العلمي في مصر يعاني مناخا من الإحباطات التي أهدرت العديد من فرص مساهمته في تنمية البلاد، مشيراً إلي غياب التنسيق بين مؤسسات البحث العلمي والتطوير في مصر وعدم توافر الآليات المناسبة لتسويق إنتاج المراكز البحثية ونقلها إلي مرحلة التطبيق مما يزيد من عزلتها. وأوضح التقرير أن معظم منتجات البحث العلمي في مصر لا يوجد طلب عليها من قبل قطاعات الإنتاج المختلفة، بالإضافة إلي تدني استفادة الصناعة من هذه المخرجات البحثية، خاصة في ظل استيراد التكنولوجيا من الخارج. كما أشار التقرير إلي ضعف الإنفاق علي البحث العلمي حيث لا تزال النسبة تمثل نحو0.05 ٪ من إجمالي الناتج القومي، ويذهب نحو 85٪ منها كرواتب وحوافز، مشيرا إلي أن قطاع البحث العلمي في مصر يعاني انخفاض كفاءة الإدارة ، كما يعاني البحث العلمي من تدني كفاءة الإدارة في مؤسسات البحث والتطوير من حيث تطبيق مبادئ التخطيط الاستراتيجي وتفعيل موازنة الأداء والبرامج وتقدير ميزانية محددة لهذه البرامج، بالإضافة إلي معاناة البحث العلمي من ضعف الأجهزة العلمية والمعدات، وتدني المستوي التعليمي والبحثي للعديد من أجهزة البحث العلمي، خاصة أن تلك المؤسسات العلمية هي نتاج تعليم مؤسس علي التلقين. وكشف أن من أهم المعوقات التي تقف أمام ربط البحث العلمي بالإنتاج عزوف العلماء عن العمل في مواقع الإنتاج لبعض الوقت للاستفادة من الخبرات الصناعية والتعرف علي المشاكل الحقيقية عن قرب، بالإضافة إلي افتقار مراكز الإنتاج لوحدات بحثية تخدمها. وأشار التقرير إلي أن مصر جزء من النظام العالمي الذي أصبح يقوم علي التنافسية التي يدعمها البحث العلمي والتقدم التكنولوجي، مشددا علي أن حضارة مصر ستصبح في خطر إذا لم نحسن تقدير المواقف ونسعي للاندماج في النظام العلمي المبني علي التنافسية واقتصاد المعرفة. وأوضح أن هناك جهدا كبيرا تم بذله في إعداد وصياغة استراتيجيات وسياسات خاصة بالبحث العلمي ولكن للأسف صاحبه بطء شديد في التنفيذ علي أرض الواقع، مما نتج عنه تأخر مصر في مشوار التنمية مقارنة بدول بدأت معها هذا الطريق وواكب هذا البطء الانفصال بين مؤسسات البحوث والتطوير والمؤسسات الإنتاجية. وأوضح التقرير عدم وجود ربط بين البحث العلمي والإنتاج لافتا إلي أن طبيعة المصريين تميل إلي الاستئثار بالنجاح موضحا أن العلاقة بين قيادات الصناعة التنفيذية ومؤسسات العلم يشوبها التوجس والحيطة،مما يقلل من فرص التعاون بين الطرفين، وحمل التقرير مسئولية الكثير من معوقات التعاون بين القطاع البحثي والإنتاجي إلي القائمين علي الإنتاج وتطويره. وحذر التقرير من خطورة هجرة العقول المصرية مشددا علي أنها تمثل خسارة كبيرة خاصة أن هذه الهجرة تواكبت مع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وطالب التقرير بضرورة الاستفادة من هذه العقول والعمل علي استعادتها. وأوصي التقرير بضرورة تعظيم دور العلم والتكنولوجيا في دعم الاقتصاد القومي من خلال تنفيذ المخططات الاستراتيجية وربطها بالتنمية، وأن يزيد تمويل البحث العلمي تدريجيا بحيث يصل إلي 2٪، وأن تركز الأبحاث علي الاحتياجات الوطنية، مع العمل علي توفير حوافز للبحث والابتكار، ودعم الأنشطة التجارية التي تعزز البحث والتطوير مطالبا بتبني سياسات من قبل الدولة لتشجيع الجهات الإنتاجية علي تخصيص نسبة من أرباحها لتمويل المشروعات البحثية، مقابل الحصول علي إعفاءات ضريبية، والسماح بإعارة العلماء والباحثين لمواقع الإنتاج . ووفقا لمركز معلومات مجلس الوزراء فإن نسبة الإنفاق الحكومي علي البحث العلمي تبلغ 0.05 ٪ من إجمالي الناتج المحلي في حين تنفق إسرائيل نحو 4.7 من إجمالي دخلها القومي علي البحث العلمي بما يوازي نحو 9 مليارات دولار. ويري رشاد عبده الخبير الاقتصادي أن البحث العلمي في مصر يواجه عدة عقبات منها الإدارة والتمويل والعلماء والتسويق، لذلك فلابد من إدارة جديدة ونظرة جديدة للتمويل وتشجيع وتحفيز القطاع الخاص لتمويل البحث العلمي مثلما يحدث في الخارج، هذا بالإضافة إلي العشوائية والتشتت لمجهودات البحث، فلدينا نحو 40 مركزا للبحث العلمي في مصر، وهي إحدي المشكلات الرئيسية في الإدارة، والمطلوب أن تنضم تلك المراكز تحت مظلة واحدة وهي مظلة وزارة البحث العلمي.