زحام ومشاكل فى منفذ السلوم تبدو الحدود المصرية كرجل مصاب بالتهاب في أطرافه، يحتاج إلي كثير من العلاج والمتابعة لا المسكنات، هكذا هو الحال في حدود المصرية سواء في سيناء شرقا أو مطروح غربا أو النوبة جنوبا،مشاكل الحدود قابلة للتفاقم في أي وقت، مع تردي الحالة الأمنية وضياع هيبة الدولة في مواجهة تنامي نفوذ البلطجية وتجار التهريب، الذين احتلوا الحدود وبدأوا في تكوين دولتهم وقانونها الخاص، وفي وقت انشغل أهل السياسة بمشاكلهم وصراعاتهم فيما بينهم، تفاقمت الأوضاع علي الحدود وباتت تهدد الأمن القومي للبلاد. ففي سيناء أصبحت الفوضي هي العلامة الأبرز هناك، فالجماعات الإرهابية التي تتخذ من الفكر الجهادي التكفيري، متواجدة في سيناء بكثرة، ووفقا لتقارير دولية أصبح لجبل الحلال وسط سيناء سمعة عالمية في أنه مأوي لتلك الجماعات وأنه بديل عن جبال تورا بورا في أفغانستان، وأصبحت جرائم خطف السائحين في سيناء أمرا طبيعيا لا يثير الدهشة، بل إن قوات الأمن تدفع بشيوخ القبائل من أجل الوساطة مع الخاطفين للإفراج عن الرهائن، فالشرطة هناك عاجزة، وهو ما يكشف عن مدي الأزمة التي تواجهها السياحة، الدخل الرئيسي للاقتصاد المصري. وكان آخر مشهد في سلسلة اختطاف السائحين في سيناء ما جري الجمعة الماضية، عندما اختطف مجموعة من الملثمين سائحين أحدهما من عرب إسرائيل والثانية نرويجية الجنسية، أثناء انتقالهما من مدينة طابا إلي مدينة دهب بشبه جزيرة سيناء، ولم تجد قوات الأمن إلا الدفع بشيوخ القبائل من أجل مخاطبة الخاطفين للإفراج عن الرهائن مقابل تنفيذ مطالبهم الخاصة بالإفراج عن ذويهم الذين ألقت قوات الشرطة القبض عليهم منذ عدة أسابيع. سيناء التي تعاني من انفلات أمني مزمن منذ أكثر من ثلاث سنوات، فضلا عن انتشار الحركات الجهادية الإرهابية هناك، تسعي قوات الجيش المصري إلي إغلاق الأنفاق علي الحدود المصرية مع غزة، المتهمة بخرق أمن الحدود الشرقية للبلاد. وعبر الناشط سعيد عتيق، منسق حركة "سيناؤنا" عن مخاوف أهالي سيناء من انهيار الأمن في شبه الجزيرة قائلا: "الأمن أصبح غائبا في سيناء بشكل كبير في ظل تنامي نفوذ الجماعات المسلحة بشكل مفرط، فضلا عن عبور بعض أعضاء الجماعات المسلحة في غزة إلي سيناء عبر الأنفاق واتخاذها من الأراضي المصرية منطلقا لعملياتهم، وهو ما يضرب خطط الاستثمار والتنمية في مقتل، بعد تحول سيناء إلي مأوي لجميع الفصائل الجهادية المسلحة في العالم". وأضاف عتيق: "حركة المقاومة الفلسطينية حماس، أصبح لها نفوذ كبير داخل سيناء، وتلعب أدوارا داخل الأراضي المصرية من خلال مجموعات من رجال الأعمال والقبائل المنخرطين في تجارة السلاح ، فضلا عن قيام الحركة من خلال هؤلاء الوسطاء بشراء أراض وعقارات في سيناء لهدف لا يعلمه إلا الله، وهناك مؤشرات علي تكوين منطقة حرة علي الحدود المصرية مع غزة، وهو ما سبق أن رفضته القوي الشعبية السيناوية، لما يمثله ذلك من استيلاء علي مقدرات سيناء الطبيعية". معبر للسلاح إذا تركنا سيناء غربا وانتقلنا إلي حدود مصر الغربية، في محافظة مطروح وتحديدا مدينة السلوم، لن نجد تغيرا في المحصلة النهائية، فالفوضي ضاربة بجذورها هناك، في أعقاب انهيار النظام الليبي السابق بزعامة معمر القذافي، وسيطرت الميليشيات علي الأراضي الليبية توزعها فيما بينها، والأخطر أن مخازن الجيش الليبي فتحت ويتم تهريب قطع السلاح بكثافة، فالسلاح الموجود في الشارع المصري بكثرة الآن قادم في مجمله من الأراضي الليبية، ولتهريب السلاح طرقه التي تتخذ من الحدود المصرية- الليبية منطلقا لها، وتحديدا من جنوب منفذ السلوم، منطلقا لإعادة توزيع السلاح في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن تخصيص قطع الأسلحة الأشد فتكا، كالصواريخ عابرة المدن، لتهريبها إلي قطاع غزة عبر عرض الأراضي المصرية. واعترف الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية، بمشاكل الحدود المصرية- الليبية، خلال لقائه مع عدد من بدو مطروح مطلع هذا الشهر، مؤكدا أنه يعمل مع الجانب الليبي علي حلها حلا جذريا، من جانبه قال أبو الفتوح البرعصي، من بدو مطروح، ل"آخر ساعة": " مشاكل أهالي مطروح تنحصر في توفير مياه شرب نقية، وإعادة الأمن إلي المحافظة من خلال السيطرة علي الحدود مع ليبيا التي يتم تهريب جميع البضائع منها، كما أن بعض الخارجين علي القانون يستخدمون حالة الفوضي الأمنية للهروب من مصر إلي ليبيا والعكس، لذلك نريد تشديد الإجراءات الأمنية علي الحدود لحل هذه المشكلة". علي نار هادئة في الجنوب المصري، نجد أزمة بلاد النوبة الجالسة فوق فوهة بركان منذ عقود، ولولا طيبة أبناء النوبة وعشقهم للتراب المصري لوجدنا أزمة استراتيجية فالنوبيون لا يزالون يحلمون بالعودة إلي أراضي الأجداد التي تم تهجيرهم منها من أجل مشروعات النيل سواء لبناء خزان أسوان مطلع القرن السابق أو لبناء السد العالي في الستينيات. وتقول منال الطيبي، الناشطة النوبية، "مطالب النوبيين مشروعة، فقد دفعوا ثمن تضحيتهم من أجل الوطن كله، سواء بتهجيرهم مع مشروعات السد، أو بعد ذلك مع تجاهل الحكومات المتعاقبة لحقوق النوبيين المشروعة، فالنوبة مهملة في خطط المسئولين للتنمية، لذلك هناك غصة في حلق كل نوبي من إبعاده عن أرض الأجداد، فهناك رباط مقدس بين النوبي وبين ميراث أجداده، لذلك تجده في كل مكان في الأرض يحن إلي أرضه". وأضافت الطيبي: "البعض يتصور متوهما أن مشكلة النوبة يمكن تسويقها علي أنها مشكلة أقلية عرقية مضطهدة لن تحل إلا بالتدخل الأجنبي، وهو أمر غير صحيح إطلاقا فالنوبة جزء من التراب المصري، ومشاكلنا لن تحل إلا في إطار حل مشاكل كل أبناء البلد". مشاكل الحدود عرضناها علي اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجي، الذي قال ل"آخر ساعة":" التجربة تقول إن التهاب الحدود قد يؤدي إلي مشاكل في العمق، والتاريخ يكشف لنا عن حوادث كثيرة تحولت فيها مناطق حدودية إلي خطر علي الأمن القومي لمصر، فالحدود الشرقية كانت ولا تزال أحد المؤثرات الأسياسية علي الأمن القومي، بسبب الوجود الإسرائيلي وتعقد المشهد الفلسطيني، أما الحدود الليبية فقد دخلت في لحظات كثيرة دائرة الاشتعال، بل وصل الأمر إلي حد الاقتتال بين مصر وليبيا في لحظة ما، كما أن الحدود الليبية هي المتهم الأول في إدخال كميات من السلاح، لا يعلم حجمها إلا الله، إلي مصر بعد سقوط نظام معمر القذافي فضلا عن تجاهل مطالب أبناء النوبة المشروعة في التوطين حول بحيرة ناصر". وتابع مسلم: "الهدوء علي الحدود ليس قضية الحكومة فقط، بل هو يخص حكومة البلد صاحبة الحدود علي الجانب الآخر، لذلك لن تستطيع مصر حل مشاكل حدودها مهما بذلت الحكومة والجهات الأمنية مجهودات جبارة في هذا الإطار، لذلك لابد من الحوار والتنسيق مع الحكومة الليبية فيما يخص الحدود الغربية، من أجل ضبط مهربي الأسلحة بالإضافة إلي إعادة تسكين أهالي النوبة". وأشار الخبير الاستراتيجي إلي أن الأزمة الحقيقية تكمن في الحدود الشرقية، لأنها مرتبطة بحل القضية الفلسطينية بشكل جذري، وهو أمر صعب المنال مع تعنت إسرائيل، ورفضها لأي تسوية عادلة، وهو ما يضغط علي الشعب الفلسطيني للتسلل عبر الأراضي المصرية، لذلك علي الحكومة وقوات الأمن التعامل بحذر معهم فمن ناحية تسمح بدخول الفلسطينيين بطريقة شرعية، وفي نفس الوقت تمنع أيّ عنصر مخرب من دخول البلاد".