نشطت تجارة وتهريب الأسلحة نتيجة للفراغ الأمني الذي تعيشه مصر وتراخي الحكومة وأجهزتها الأمنية عن القيام بدورها في حماية الوطن. مما أدي لظهور عصابات التهريب والإتجار في الأسلحة، فتجارة السلاح هي أكثر أنواع التجارة رواجاً في ظل غياب دولة القانون، مما ساهم في انتشار الأسلحة وتداولها داخل المجتمع، حيث إننا نري كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة الحية مختلفة الوزن وكبيرة الحجم تدخل مهربه إلي مصر من ليبيا والسودان في طريقها إلي سيناءوغزة، ولا تزال هذه التجارة مستمرة وتشكل خطراً حقيقياً علي أمن وسلامة المجتمع. وبعد اندلاع ثورات الربيع العربى انتشرت أساليب تهريب السلاح، وكانت مصر من أكثر الدول التي عانت منها، حيث تم دخول أسلحة متنوعة بكميات كبيرة للبلاد عبر الحدود من ليبيا وغزة والسودان، ورغم بذل رجال الجيش كافة الجهود للقضاء علي تلك الظاهرة، إلا أنها مازالت قائمة، ففي أوائل شهر يناير من العام الحالي تمكنت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات من ضبط 15 بندقية خرطوش إلي جانب 1000 طلقة كانت بحوزة 3 عاطلين أثناء محاولتهم تهريبها عبر الحدود مع مطروح إلي داخل القاهرة . وفي الأشهر الماضية تم ضبط 101 صاروخ مضاد للدبابات ، وقاعدة إطلاق صواريخ ومجموعة مختلفة من الأسلحة في محافظة البحيرة، وبعدها تم إحباط C5M من طراز. محاولة لتهريب كمية من الأسلحة إلي داخل مصر، حيث تم ضبط سيارتين بهما 102 قذيفة صاروخية من طراز (آر بي جي) و20 صاروخا عابرا للمدن و3 مدافع مضادة للطائرات، و19 عبوة متوسطة بها متفجرات كانت مهربة من ليبيا. صادرت قوات الأمن كميات ضخمة من الأسلحة منها 40 صاروخ أرض – أرض وأسلحة ثقيلة أثناء تهريبها من ليبيا، كما واجهت أجهزة الأمن المصرية محاولة جديدة لتهريب أسلحة ثقيلة من ليبيا إلي مصر، حيث تم ضبط مركب صيد يحمل كمية من الأسلحة المختلفة عبر سواحل السلوم الغربية من الحدود الليبية كانت تحمل عى متنها 69 صاروخاً مضادا للطائرات و14 مدفعاً مضادا للطائرات أيضا و 4251 طلقة 51 ملم و28 مخزن لبنادق آلية. وفي تصريح لوزير الداخلية الجديد اللواء محمد إبراهيم أكد أنه سيقوم بإعداد خطة متكاملة لمواجهة ظاهرة انتشار السلاح وتهريبه ومن خلال تكثيف الإجراءات الأمنية بالمحافظات الحدودية التي يتسرب منها السلاح مثل أسوان ومطروح لقطع خطوط التهريب علي طول الطريق، كما أشار إلي ان انتشار السلاح بصورة غير مشروعة يشكل خطرا كبيرا علي أمن واستقرار مصر. الدكتور إبراهيم عيد نايل - أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة عين شمس - قال: إن الاتجار في السلاح يمثل جريمة جنائية وعقوبتها تتراوح ما بين السجن المؤبد والمشدد من 3 إلي 25 سنة، إلي جانب مصادرة السلاح باعتباره عقوبة تكميلية للحكم الصادر بشأن الاتجار .. وإذا ما تم القبض علي المهرب خلال مدة 20 سنة فيحاكم علي فعلته طبقاً للحكم الصادر غيابيا بشأنه، أما لو انتهت المدة المحددة لعقوبة التهريب أو الاتجار فتسقط بالتقادم. أحمد عودة – أستاذ القانون وعضو الهيئة العليا بحزب الوفد - قال: هذه الظاهرة التي انتشرت مؤخراً ترجع أول ما ترجع إلي ضعف دور الحكومة وأجهزتها الأمنية، حيث بدأنا نري كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة مختلفة الأوزان والأحجام والتي ليس من السهل تهريبها، ومع هذا تأتي مهربة من ليبيا أو السودان لتذهب بعد ذلك إلي سيناء أو فلسطين، مشددا على ضرورة التصدي لهذه التجارة غير المشروعة بسرعة بكل حزم وحسم حتي لا يزداد الأمر سوءاً ليصل إلي حد الخطر وعدم إمكانية السيطرة عليها مستقبلاً ومن ثم ستكون العواقب وخيمة تضر بأمن وسلامة البلاد، حيث ان عقوبة الاتجار في الأسلحة تمثل جريمة إحراز سلاح بدون ترخيص، وإذا كانت كميات الأسلحة المضبوطة كبيرة فإن العقوبة تكون مشددة ، وتصل عقوبتها إلي السجن المشدد باعتبارها جناية. مضيفاً أنها ظهرت بسبب الفراغ الأمني الذي تعيشه مصر مما دفع إلي ظهور تشكيلات عصابات التهريب والاتجار في الأسلحة المتنوعة. اللواء محمد عادل العبودي – مساعد وزير الداخلية الأسبق - يقول : بعد قيام ثورة 25 يناير، اتسعت فجوة تهريب الاسلحة في مصر نتيجة لظاهرة الانفلات الأمني، حيث تعددت مصادر السلاح، فهناك من قام بالاستيلاء علي الاسلحة بعد اقتحام السجون والأقسام، وآخرون يقومون بتصنيع سلاح يسمي «فرد خرطوش»، حيث اشتهرت مدينة «منية الحيط» بالفيوم بوجود العديد من الورش التي تقوم بتصنيعه، أما المصدر الأشد خطورة، فهو تهريب السلاح عبر الحدود سواء من ناحية غزة أو من ليبيا التي امتلأت بالاسلحة بعد استيلاء الثوار عليها، فضلاً عن تهريب السلاح من بعض الدول مثل ليبيا والسودان، وهناك مشكلة نعاني منها، وهي اتساع مساحة الحدود المصرية مع هذين البلدين، ولدينا أماكن كثيرة يدخل منها السلاح كالصحراء من جنوب وشمال سيناء والشريط الحدودي، بالإضافة لتهريبها من بعض البواخر التي تحمل طرود ويكون بها مخابئ سرية يتم وضع الأسلحة فيها، ورغم استخدام الامن لأجهزة فحص الطرود الإ انهم لم يتمكنوا من كشفها، وذلك لأنه كلما استخدامنا الأشعة أو الكلاب البوليسية نجد ان هؤلاء المهربين لديهم امكانيات حديثة للتأثير علي حاسة الشم وعلي كفاءة تلك الاجهزة المستخدمة في الكشف عن السلاح حتي يتمكنوا من العبور به، وعلي الرغم من قيام الجيش بمكافحة هذه الظاهرة إلا أنه تقف أمامه بعض العوائق، فهناك جبل الحلال الذي يمتاز بالكهوف والرمال الناعمة التي يصعب اختراقها، كما نجد ان المهربين علي دراية كبيرة بتلك المناطق ويحملون معهم دليل يعرفهم بهذه الدروب، لذا أصبحنا بحاجة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة لمنع ظاهرة تهريب السلاح لمصر، مثل استخدام كاميرات المراقبة التي تعمل من خلال غرف عمليات في كل منطقة حدودية، ووضع أسلاكا شائكة بها جهاز إنذار للتنبيه عند اقتراب أي جسم غريب وعمل نقط مراقبة كل 30 كيلو حتي نتمكن من القضاء علي ظاهرة تهريب السلاح. الدكتور أحمد يحيي – استاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس - قال: دائماً ما نجد بعد حدوث الثورات انهياراً للأجهزة الأمنية المسئولة عن حماية الوطن من التهريب والتخريب الذي استغله ضعاف النفوس والتجار والمهربين من أجل تحقيق أكبر مكاسب ممكنة لهم لتصبح تجارة السلاح والمخدرات هي أقوي أنواع التجارة التي تمارس في ظل وجود حالة الفراغ الأمني التي تشهده مصر، حيث أن هؤلاء المهربين أتخذوا هذه الحالة كفرصة ذهبية لممارسة تجارتهم غير المشروعة، وهو ما يعزز الادعاء الذي كان دائماً يقول ان هذا التهريب أو هذه التجارة موجهة أساسا لتلبية احتياجات المقاومة الفلسطينية، إضافة إلي ان الانفلات الأمني الشديد في الشارع المصري كان سبباً رئيسياً لانتشار هذه التجارة، إلي جانب غياب الرادع الذي يمنع دخولها، مما ساهم في انتشار هذه الأسلحة وتداولها بشكل كبير داخل المجتمع، ورغم الدعاوي التي خرجت من القوات المسلحة ومن الدولة باسقاط العقوبة على من يقوم بتسليم سلاحه في مرحلة زمنية معينة، إلا أن المكاسب المالية الناتجة عن هذه التجارة أعمت كل الناس عن الاستجابة لهذه الدعوة، علاوة عن حالة الانقسام والاستقطاب التي يشهدها المجتمع وتوقع البعض بإمكانية حدوث حرب أهلية بين التيارات السياسية المختلفة، فأقبلوا على شراء الأسلحة. وأضاف الدكتور «يحيي» أنه من المؤكد أن الأحداث الأخيرة التى تشهدها سيناء ومقتل الجنود علي حدود بوابة مصر الشرقية وظهور ما يعرف بالتيار الجهادي.. كل هذا ينذر بالخطر الشديد علي المجتمع, ومن هنا أصبحت تجارة السلاح ليست موجهة لزبون واحد وهو المقاومة الفلسطينية، حيث ظهر زبائن آخرون من التيارات الجهادية، وممن يريدون أن يوفروا لأنفسهم الحماية من خطر هذه التيارات، ولقد شاهدنا العديد من هذه الأمثلة في مناطق رفح والعريش وغيرها من المدن المصرية. وأكد الدكتور «يحيي» أن الحل الوحيد للقضاء علي تجارة السلاح في مصر هو أن يكون للدولة والقانون أنياب وقدرة علي فرض سيطرتها علي حدود الأراضي المصرية وءيضاً علي تلك الجماعات والمهربين بكل الوسائل الممكنة حماية للمجتمع وتجنباً لأي مواجهات في المستقبل. وحيد الأقصري – أستاذ القانون ورئيس حزب مصر العربي الاشتراكي - قال: إن تجارة السلاح معروفة منذ زمن بعيد مثلها مثل تجارة المخدرات، ولكن كون أن تجارة السلاح تدخل مصر عن طريق منفذ السلوم فإن ذلك يشير بأصابع الأتهام إلي دولة ليبيا وان هناك من يصدر هذه الأسلحة من ليبيا إلي مصر ثم إلي غزة، ومن المؤكد أنه يتم استخدم بعض هذه الأسلحة في مصر من قبل الجماعات الجهادية التي تسمي نفسها بالجماعات السلفية أو الاسلامية، خاصة وان هناك مناطق في سيناء تكاد تخضع للسيطرة المطلقة من هذه الجماعات، ولا تجد من يطاردها أو يردعها، وقد شاهدنا ذلك في عدة قنوات فضائية بالصوت والصورة لهذه المواقع.. فلماذا لم تهاجم الدولة تلك الأوكار للقضاء عليها خاصة وأنها تمثل تهديدا كبيرا للأمن القومي المصري، إضافة إلى أن عيون اليهود تركز على سيناء وتراقب ما يجرى فيها لانتهاز أى فرصة لإضعاف الدولة المصرية، كما أن التصريحات التي تصدر من بعض العناصر المتطرفة باستعدادها في استخدام القوة حينما تحين ساعة الصفر لإقامة ما يتصورون انه دولة إسلامية، لا تأتي من فراغ، وهم بلا شك يستعدون لتنفيذ مخططاتهم بتخزين الاسلحة، كما أن نوعية الأسلحة المهربة اختلفت وأصبحت أسلحة ثقيلة ومنصات صواريخ و«أربيجيهات» وغير ذلك مما يستخدم في الحروب، ولم يعد تهريب السلاح يقتصر على البنادق أو الرشاشات أو المسدسات فقط. ويشدد الأقصرى على ضرورة تحرك أجهزة الدولة من أجل اسقاط أباطرة تجارة السلاح وإغلاق كل الطرق المفتوحة لتهريبه، مستنكرا تجاهل السلطة الحاكمة الحالية الكشف - كما وعدت - عن نتائج تحقيقات الاعتداء علي الضباط والجنود الذين كانوا يحمون حدود سيناء وراح ضحيتها 17 جنديا مصريا وأقيل بسببها «طنطاوي» و«عنان»، فرغم مرور فترة طويلة على تولى الرئيس محمد مرسى منصبه، فإنه لم يكشف لنا عن ملابسات الحادث ومرتكبيه، وهو ما يدعو إلي الشك والريبة في شخص مرتكبي هذه الأحداث الدامية وأهدافهم، رغم أنهم ارتكبوا جريمة خطيرة جداً والصمت عليها جناية عظمي ضد الشعب المصري، وأنهى الأقصرى كلامه قائلا: أريد أن أبعث برسالة واضحة إلي رئيس السلطة الحاكمة وهى: من لا يستطيع مواجهة تهريب السلاح والذخيرة الأفضل له أن يرحل، لنبنى دولة قائمة علي القوة والكفاءة والخبرة تعمل لمصلحة الشعب المصري وليس لمصلحة حكامها أو أعضائها.