في ذكري رحيل الأديب المفكر الدكتور عاطف العراقي، الذي رحل عن دنيانا في التاسع والعشرين من شهر فبراير من العام الماضي، تحضرني الكثير من الذكريات معه وعنه، وقد قرأت معظم ما كتب في الأدب والفلسفة، كما كانت لي معه حوارات كثيرة، وأذكر أنني سألته عن العلاقة بين الأدب والفلسفة، وكان ملخص رؤيته أن العلاقة وثيقة بين الأدب والفلسفة صحيح أن الفلسفة لغتها التجريدية العقلية وبحيث نستطيع التفرقة بين الأسلوب الأدبي والأسلوب الفلسفي، ولكن توجد قضايا عديدة مشتركة يهتم بها الأديب كما يهتم بها الفيلسوف.. إننا لانستطيع التغافل عن روح أدبية عند أفلاطون في بعض محاوراته، كما نجد مجموعة نطلق عليهم متفلسفة في فكرنا العربي، سواء القديم منه أو الحديث، ومن أمثلة هؤلاء »أبوالعلاء المعري« ، »وأبو حيان التوحيدي«. لقد أثار هؤلاء المتفلسفة العديد من القضايا والأسئلة التي تدخل دخولا مباشرا في المجال الفلسفي والأدبي أيضا.. ومن بينها قضية الغربة والاغتراب، والتفاؤل والتشاؤم، كما نجد عند الجاحظ اهتماما بالفكر الفلسفي والفكر الأدبي، ونجد هذا عند عمر الخيام وحافظ الشيرازي وفريد الدين العطار، وإبن سينا »قصة حي بن يقظان« وابن طفيل »قصة الفلسفة«. فإذا تحدث الفيلسوف عن الحب وعن المرأة، فإننا نجد ذلك عند الأديب أيضا. كما نجد هذه الجوانب المشتركة بين الأدب والفلسفة الوجودية في العصر الحديث، وبحيث نجد فلاسفة يعبرون عن أفكارهم بروح أدبية، ونجد أدباء يعبرون عن أدبهم بروح فلسفية »زكي نجيب محمود« علي سبيل المثال.. ول.ديورانت وفولتير.. وتوجد أعمال أدبية لها الطابع الفلسفي، والبحث في الإنسان، نجده عند الفلاسفة والأدباء. والبحث في القيم الخلقية يجمع بين روح الفيلسوف وروح العالم، وقد نجد النزعة الشكية والنزعة النقدية عند كل من الأديب والفيلسوف.. والواقع أننا نجد أمثلة لا حصر لها قبل الميلاد وبعد الميلاد.. وفي أكثر دول العالم.. وكم استشهد السوفسطائيون الفلاسفة بأشعار هوميروس الأديب، وصاغ انكسمندر الفيلسوف معظم أرائه الفلسفية في عبارات شبه شعرية، وينطبق هذا علي بارمنيدس وأفلاطون، وابن سينا في القصيدة العينية، ونيتشه الفيلسوف ، وجبربيل مارسل، وجان بول سارتر وكامي، وبلزاك وفكتور هوجو وتولستوي وتوفيق الحكيم، ونستطيع أن نقول بأن سر اقتراب الفلسفة من الأدب في العصر الحديث بصفة خاصة، إنما يكمن في الاهتمام بالانسان عند كل من الأديب والفيلسوف وكان الدكتور عاطف العراقي يهتم أيضا بالنقد وخاصة النقد الفلسفي، لأن النقد يجعل الفيلسوف يقف علي قمة عصره، كما وجد ذلك عند أرسطو وابن رشد والقديس توما الأكويني في الفلسفة الغربية في العصور الوسطي.