ساعة البطون تتوه العقول.. من مقال إلي مقال أكرر هذه المقولة العبقرية التي تلخص باختصار حاسم حالة التيه الفكري التي تهيمن علي الفقراء والجوعي من أثر اعتصار الجوع لبطونهم الخاوية، فكيف لإنسان معدم خاوي المعدة أن يسيطر علي عقله أو يتغاضي عن الطعام من أجل تغذية رأسه بالثقافة!؟ الاختيار هنا مستحيل وهو ما يفضي غالبا إلي انصراف الفقراء في بلاد مثل مصر عن كفاح النخبة المثقفة التي تكدح جماهيريا من أجل توعيتهم دون جدوي حقيقية حيث ينصرفون (عمياني) إلي من يطعمهم بالخير والصدقات أو حتي الرشاوي، المهم أن يأمنوا من الجوع الكافر ولو ليوم واحد، فالبطالة الرهيبة أعجزتهم عن العمل الذي يوفرون به القوت، يعني حصار الجوع والفقر مستحكم القسوة! (إذا أعطيتني سمكة أطعمتني اليوم، وإذا علمتني الصيد أطعمتني كل يوم).. هذا المثل الصيني العتيق الفذ يلخص العلاقة بين العيش والحرية والكرامة الإنسانية وهي الشعارات الجميلة لثورة 25 يناير، فليس من الكرامة الإنسانية أن نتسول طعامنا، فهذا من شأنه أن يبقينا أسري وعبيدا لمن يهبنا لقمة العيش.. نخسر كرامتنا وندفن إرادتنا من أجل درء الجوع اللعين.. هكذا تتواري عزة النفس عندما يكون الفقر كاسحا.. انظر إلي إلحاح المتسولين لتتأكد من صحة ما أقول، ولقد انضم إليهم قطاع عريض من الطبقة الوسطي التي ضربها الغلاء في مقتل وقضي أمرها تماما منذ أربعة عقود ويزيد عندما أقر الرئيس الراحل أنور السادات قرارات الانفتاح الاقتصادي العشوائي في سبعينيات القرن الماضي فالتهمت الثروة فئة من أفسد رجال الأعمال عرفت وقتها باسم (القطط السمان)، وتوالي تسمينها في عهد مبارك التالي، فتجاوزت أحجام القطط والنمور والأسود والدببة والأفيال لتصبح ديناصورات فتكت بالنمو الاقتصادي وأفقرت أكثر من ثلاثة أرباع الشعب المصري، حيث انحط مستوي المعيشة وعم الغلاء، وصرنا الآن تحت رحمة الآتي من جحيم الأسعار المؤكد وهو ما ينذر بكل تأكيد باندلاع ثورة جياع وحشية وعارمة سوف تطال كل الفئات ماعدا الديناصورات الهاربين بأموال وثروات مصر في الخارج!