فى خطاب التنحى.. الملاىىن طالبت عبدالناصر بالبقاء.. رغم الهزىمة ! وكأنما زعماء مصر.. ليسوا بشرا.. فهم إما شياطين أو ملائكة.. إن كتاب عصرنا ومؤرخيه لايختلفون عن أجدادهم منذ فجر التاريخ.. إن أشياع علي بن أبي طالب دمغوا الشيخين أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب بالمروق عن الدين.. وأهل السُنة اتهموا الشيعة بالكفر.. وقد لعن خطباء المساجد من فوق منابرهم في عهد بني أمية عليا وشيعته ونبش العباسيون قبور بني أمية بعد زوال دولتهم ومثلوا برفاتهم! مازال الأحفاد ينهجون علي منوال أجدادهم.. فأحمد عرابي هو مفجر الثورة المصرية »الأم« في تاريخ مصر الحديثة، وهو الذي شهر سيفه في وجه الخديو توفيق وحماته وأذنابه من الانجليز والجراكسة والأتراك.. شهره باسم الفلاحين المصريين.. وهو صاحب الكلمة التي دخلت تاريخ مصر الحديثة، »إن مصر ليست تراثا أو عقارا« يرثها الحاكم الأجنبي عن أسلافه!.. أحمد عرابي هو رمز ذلك كله عند من وزنوه بميزان الوطنية والنية والقدرة.. وهو الفلاح الأحمق الذي تسبب بحمقه في إثارة »الهوجة« التي انتهت إلي سقوط مصر في براثن الاحتلال الإنجليزي! عند الذين حاسبوه بميزان النتيجة.. وسعد زغلول هو البطل والأسطورة في رأي أشياعه.. وهو المحتال النهاز للفرصة.. صنيعة لورد كرومر عند خصومه من الأحزاب التي خرجت من رحم الوفد.. وجمال عبدالناصر هو مفجر ثورة يوليو، ورائد القومية العربية.. وباعث الكبرياء في عروق الإنسان العربي، وباني السد العالي، وممصر الاقتصاد، ومؤمم القناة، ونصير العمال والفلاحين.. في نظر أنصاره.. وهو المستبد الذي خرب اقتصاد مصر، وأذل أهلها وألقي بصفوتهم في السجون والمعتقلات في نظر خصومه. مناحة فرعونية لقد ذكر المستشار عصام حسونة وزير العدل في العهد الناصري، عند حديثه عن المناقشات الهامة التي دارت في مجلس وزراء عبدالناصر في أعقاب الهزيمة في 76 جلسة 2/8/7691 أنه وصف خروج جماهير 9 و01 يونيو بأنه كان »مناحة فرعونية« تطلب من عائلها أن يبقي في مكانه أثناء المحنة.. وذكر الرجل هذا عفو الخاطر حين أذهله سلوك الشعب المصري والعربي غداة الهزيمة.. دون أن يستوعب الظاهرة ويحلل أسبابها تحليلا علميا ويتأمل مغزاها في ظل تراثنا الفرعوني والعربي. ويقول حسونة: هل أزعم أني وضعت يدي علي الأسباب.. بعد ذلك؟ أيصدق في المصريين مايقوله بعض علماء البيئة » الإيكولوجي« وعلماء الاجتماع، من أن مصر نتاج بيئة فيضية تعتمد علي ماء النهر، لا علي ماء المطر.. وحكومة المجتمع النهري بخلاف المجتمع المطري التي لاتعتمد علي المطر، حكومة مركزية بالضرورة، أكثر أتوقراطية من حكومات المجتمعات المطرية.. وأن أبناء هذا المجتمع يختارون من بينهم في أوقات الأزمات ديكتاتورا يتمتع بسلطات الحاكم المطلق. أيمكن أن تفسر هذه النظرية سلوك الشعب المصري يومي 9 و 01 من يونيو 7691 حين تنحي عبدالناصر عن منصبه، وأبت الملايين إلا أن تلزمه إلزاما بالبقاء؟.. وأي أزمة أشد، وأنكي من أزمة الهزيمة أمام إسرائيل؟ ثم .. ألم يفعل الشعب المصري نفس الأمر غداة ثورة 9191، حين خرجت أغلبية أعضاء الوفد علي سعد زغلول رئيس الوفد، فاستمسك الرئيس برئاسته، رغم الأغلبية التي خرجت عليه، ووقفت جماهير الشعب إلي جانب الرئيس، تناصره وتشد أزره، ضد الأغلبية. ومصر.. أليست جزءا من العالم العربي والإسلامي؟ ترزح تحت تقاليد فكرية استقرت في وجدانه عن العلاقة بين السلطان والرعية. هل عرف العالم العربي عبر تاريخه القديم والمتوسط والحديث غير الحاكم الفرد المطلق اليد: سلطانا كان أم أميرا؟ لا نذكر ذلك لكي نعفي عبد الناصر من تهمة الانفراد بالسلطة سعي إليها أم سعت إليه بل لكي نفسر الظاهرة. إن عبدالناصر ابن النيل، أسير البيئة النهرية.. الفيضية.. سليل فرعون مصر.. وريث الفكر العربي .. أليست هذه العوامل البيئية، والتراثية تغري حاكم مصر بالانفراد بالسلطة.. شاء أم أبي؟ ولاعجب بعد ذلك من أن تحمل معه تبعات الأخطاء التي نجمت عن الانفراد بالسلطة. السوقة.. والملك ويذكر عصام حسونة جانبا من المشهد المتكرر الذي كان يراه وهو وزير في عهد عبدالناصر.. يقول: لقد رأيت وزراء وكبارا في مواطن عديدة ينظرون إلي الرئيس عبدالناصر، كما ينظر السوقة إلي الملك.. يسكتون حتي يتكلم الرئيس.. فإذا تكلم لم تخرج كلماتهم عن التأييد والدعاء«. ويضيف: »لقد تملكني العجب، حين جاء بعض هؤلاء بعد وفاة عبدالناصر يزعمون أنهم سكتوا أمامه حذر سوء العاقبة ومخافة التنكيل.. أو يزعمون أنهم واجهوا الرئيس بما يكره.. والله يعلم، والعدول من شهود تلك الفترة يعلمون أن هؤلاء، وأولئك، قد سكتوا ملقا، وتزلفا ورياء، وجريا وراء مغانم عاجلة، وحرصا علي العيش في ظل السلطان. ولكن عبدالناصر لم يبرأ من نقاط ضعف خطيرة.. كان يشعر »بالتفوق« علي أقرانه.. ومن تفوقه جاء »تفرده«.. »فتسلطه«، »فانفراده بالسلطة«.. ثم جاءت بيعة الجماهير لعبدالناصر لشخصه قبل أن تكون لثورة يوليو تضفي الشرعية علي »انفراده بالسلطة«! كلنا يذكر كيف حملت الملايين في دمشق سيارة عبدالناصر المحرر، والمنقذ.. صلاح الدين القادم من القاهرة.. وكلنا رأي أو يذكر كيف خرجت ملايين الشعب المصري في يومي 9 و 01 من يونيو.. تسد عين الشمس وتحيل طرقات القاهرة وميادينها وحواريها وأزقتها إلي كتلة بشرية واحدة متراصة متلاحمة.. تطلب من عبدالناصر البقاء في مكانه.. رغم الهزيمة.. كان هدير الملايين الهاتفة، وبريق العيون المليئة بالإصرار، وقبضات الأيدي المتحدية المؤامرة، بيعة جديدة لشخصه وسلطانه. أليست هذه الملايين مسئولة عن أخطاء عبدالناصر.. مسئولة قبله قبل أن تكون مسئولة معه!. نقطة ضعف أخري كان عبدالناصر ممن يغرهم الثناء، ويزدهيهم الملق.. وتلك نقطة ضعف أخري. وقد أمكن لطائفة غير قليلة ممن يحسنون الكلمة الناعمة الزائفة أن يتسللوا إلي »دائرة اتخاذ القرار« في عهد عبدالناصر.. ولم يبذل عبدالناصر جهدا لكشف زيفهم.. أو لإبعادهم.. بل لعله أرتاح إلي كلماتهم ومشورتهم! إن الفطرة الإنسانية ضد انتهاك حقوق الإنسان وقد وقعت في عهد عبدالناصر تجاوزات خطيرة تمثل انتهاكا صارخا لتلك الحقوق.. ولايمكن إعفاء عبدالناصر من المسئولية السياسية والأدبية عنها.. ومن غير شك أنني في هذه الحلقات لم أقصد أن أقيم شخصية عبدالناصر، أو الشخصيات الأخري التي كانت إلي جواره.. فغاية القصد إلقاء الضوء علي مواقف هذه الشخصيات. الضباط يحكمون ولايمكن الحديث عن عبدالناصر وعسكر يوليو 25 دون الرجوع إلي اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد ثورة 25 وقائد الثورة.. إن مذكرات اللواء نجيب التي نشرها تحت عنوان » كنت رئيسا لمصر« تكشف أبعادا خطيرة عن تلك الشخصيات، وترسم صورة واقعية من خلال المعايشة لعسكر 25. ولنقرأ مايقوله اللواء نجيب: كان للثورة أعداء.. وكنا نحن »يقصد الضباط« أشدهم خطورة.. كان كل ضابط من ضباط الثورة يريد أن يملك.. يملك مثل الملك.. ويحكم مثل رئيس الحكومة.. لذلك فهم كانوا يسمون الوزراء بالسعاة.. أو بالطراطير.. أو بالمحضرين.. وكان زملاؤهم الضباط يقولون عنهم: طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشر ملكا آخر »يقصد عدد أعضاء مجلس قيادة الثورة«