سىد حجازى عرضت في حلقتين سابقتين للحقيقة المرة التي يطالعنا بها تاريخ مصر فيما بعد العصر الفرعوني، هذه الحقيقة التي تؤكد أن جميع الحكام العظام الذين تولوا الحكم في مصر- وللأسف- لم يكونوا مصريين وقدمت للرئيس القادم نموذجا رائعا من هؤلاء الحكام وهو محمد علي باشا المؤسس الحقيقي لمصر الحديثة وتمنيت ان يقتفي الرئيس القادم خطي هذا المصلح الكبير وأن يحاول الاستفادة من سياسته وانجازاته ونزاهته. لقد صدمت هذه الحقيقة الكثيرين كما قلت فقد صدمتني أنا قبلهم ولكي أكمل هذا الحديث وارد علي كثير مما قيل وما واجهني، انتقل إلي عصر الثورة المصرية وأعني بها ثورة يوليو 2591. عندما قامت الثورة كانت انجلترا مدينة لمصر بمبلغ 001 مليون جنيه ذهبي وكانت مصر تنتج كل ما يكفيها من القمح.. انتهي أمر الثورة إلي أن ينفرد جمال عبدالناصر بالحكم وليت الأمر اقتصر عليه وإنما قامت سياسته علي الاعتماد علي أهل الثقة دون أهل الخبرة ولتحقيق ذلك انتشر الضباط في كل مكان، في كل مؤسسة، في كل وزارة، في كل جمعية، في كل تجمع، في كل مكان من أرض مصر.. جميع الضباط من الصف الأول إلي الصف الثالث كل حسب دوره في الثورة وكل حسب بعده أو قربه من الضباط الإثني عشر.. وتحول هؤلاء إلي جيش من المسيطرين علي كل الأمور كان بعضهم وطنيا ولكن أغلبهم كان فاسدا ومرتشيا ولصا وجاهلا.. أما القمة فقد كان يجلس عليها الحاكم الأوحد الذي كانت تكفي نظرة غضب واحدة منه لتصيب من يخالفه بالشلل كما حدث لأحد الوزراء وكانت تكفي اشارة واحدة منه ليلقي بأي شخص في جحيم سجن القلعة حيث مجموعة من الزبانية فاقوا إبليس شرا ووحشية وشراسة.. كان الزعيم الأوحد وهو أول مصري يتولي حكم مصر مريضا بالعظمة.. كان يتصور انه يحقق المجد لمصر ولكن الحقيقة انه كان يسخر كل شيء لمجده الشخصي ولعظمته هو وحده.. صور للناس أنه يتلاعب بالروس وبالأمريكان والحقيقة التي ظهرت فيما بعد هي أن روسيا وأمريكا كانا يتلاعبان به كأنه دمية بعد ان فهموا حقيقة شخصيته.. ومن أجل مجده الشخصي ضاعت السودان من مصر، ومن أجل مجده الشخصي فرق كل رصيد مصر من الذهب علي مجموعة من الأفاقين شيوخ القبائل اليمنية الذين كانوا يأخذون منه ذهب مصر ثم يتجهون إلي السعودية لأخذ دولارات الملك فيصل.. ومن أجل مجده الشخصي ارسل غالبية الجيش المصري إلي اليمن وهناك نسي الجنود روح القتال وتحولوا إلي تجار شنطة وبينما كان غارقا حتي أذنيه في مستنقع اليمن استدرجوه إلي سيناء وشنت إسرائيل حرب 7691 ولم يكن لدي مصر جيش مستعد وكانت الهزيمة الساحقة التي قضت علي مصر وقضت عليه وعلي غبائه. كان هذا هو أول مصري يحكم مصر بعد سلسلة الحكام العظام من غير مصر.. مع ثورة 2591 بدأ عصر الانهيار المصري.. ودخلت مصر إلي درب السقوط والضياع حتي وصلت إلي قاع الهاوية في عهد مبارك غير المأسوف عليه.. لقد تولي السادات بعد ناصر وكان همه الأكبر - وقد كنت بحكم عملي قريبا منه لدرجة كبيرة- هو أن يصبح زعيما كما كان ناصر ولكي يحقق هذا الهدف لجأ إلي الصدمات. كان يعتقد في قرارة نفسه أنه أذكي من الجميع وانه صاحب تاريخ نضالي قديم وأن أحدا لا يمكن ان يشكك في بعد نظره وفي وطنيته وبهذا الاحساس الذي كان يتملكه تم نصب الفخاخ له ووصل الأمر إلي أن يقوم كيسينجر اليهودي الأمريكي شديد الذكاء بالسيطرة عليه وبتوجيه خطواته وكانت النهاية المأساوية لحاكم مصري فشل في أن يكون مثل محمد علي أو صلاح الدين وإنما كان كل همه أن ينافس عبدالناصر.. وجاء مبارك وبدأ الفساد الذي كان متواريا يظهر للعلن ولأنه شديد الغباء ولأنه أبعد ما يكون عن السياسة فقد تولي تسييره مجموعة من الخبثاء وكبار اللصوص وأصبحنا في مصر نجد ظاهرة غريبة.. باشوات ما قبل الثورة صودرت أراضيهم وقصورهم وملابسهم وحليهم وحددت لهم ملكية الأرض بمائتي فدان وباشوات عهد مبارك كان البعض منهم يملك عشرة أو عشرين ألف فدان.. انهار التعليم وانهارت الزراعة واصبحنا نتسول طعامنا من هنا و هناك وتراكمت الديون وزاد عجز الخزانة.. انهارت الصحة وانتشرت الأمراض وفتك الكبد الوبائي بأغلبية المصريين إلي آخر المنظومة التي عاشها الجميع والتي يعرفها كل مصري علي هذه الأرض الطيبة سيئة الحظ.. كان هؤلاء الثلاثة هم من حكموا مصر من المصريين في مقابلة العظام ممن حكموها من غير المصريين.. هذه السطور أرجو ان يقرأها الرئيس القادم و أن يحاول فعلا أن يكون حاكما مصريا جديرا بحكم هذا البلد وأن يحاول أن يغير هذه الحقيقة المرة التي يطالعنا بها التاريخ. ولله الأمر