علاقة قادة الثورة خاصة: الرئيس عبدالناصر، والرئيس السادات مع الكاتب الصحفي الكبير إحسان عبدالقدوس، ترجع إلي ما قبل 23يوليو 1952. فأنور السادات عمل في مجلة »روزاليوسف« قبل أن يعود للخدمة في الجيش، وبعد أن تردد علي النيابات والمحاكم كمتهم في قضية اغتيال »أمين عثمان«. و جمال عبدالناصر تردد مراراً علي مجلة »روزاليوسف« للقاء رئيس تحريرها إحسان عبدالقدوس الذي جمعت بينهما صداقة قوية قبل قيام الثورة، وامتدت لبضعة شهور معدودة.. بعد قيامها! وإذا كان الرئيس جمال عبدالناصر هو الذي رفض الموافقة علي اعتقال كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين، فهو نفسه الذي وافق علي مذكرة سابقة توصي باعتقال كاتبنا الكبير إحسان عبدالقدوس! ويروي »إحسان« قصة هذا الاعتقال في شهادته التي أدلي بها للكاتب الصحفي د. مصطفي عبدالغني، والتي تضمنها فيما بعد كتاب: »المثقفون وثورة يوليو«، الصادر منذ أسابيع عن »مركز الأهرام للنشر والتوزيع« فيقول: [السبب الحقيقي وراء اعتقالي خلال أزمة 1954 يرجع إلي أنني طيلة حياتي كنت أتعامل مع أي حاكم، أو زعيم، ببساطة وصراحة ووضوح.. وهذا يعود إلي الفترة المبكرة من حياتي حيث نشأت في مجتمع يضم الحكام والمشاهير، وكنت أعتبر أن كل الناس عظماء، وكبراء، وباشوات. أفكر كما يفكرون. وأقول كما يقولون. وأنا لا أستطيع في هذه الحالة أن أعطي لأحد هيبة الحاكم وهو ما يفعله الآخرون في مواجهة الحاكم خاصة حين لا يصل إلي درجة الزعيم]. ويضيف الأستاذ إحسان عبدالقدوس في شهادته، قائلاً: [ كنت أعرف جمال عبدالناصر قبل قيام الثورة. كان يأتي إلي »روزاليوسف«، وكنت أراه كثيراً. وبالطبع لطبيعته لم يكن ليعبر لي عما يكنه في صدره. فلم يكن يبدو عليه أنه سيكون صاحب ثورة علي وشك الوقوع. وأذكر عن جمال عبدالناصر في تلك المرحلة أنه لم يكن يتحدث كثيراً. بالعكس .. كان يستمع أكثر، ويفضل الابتعاد عن ثرثرات لا طائل من ورائها. ورغم هذا فقد حدث أن صارحني ببعض أفكاره بطريقة تشير إلي أننا أصبحنا هو وأنا أصدقاء. هذه المصارحة في الرأي أحسست بها من أول يوم مع عبدالناصر. ثم اختلف الأمر بعد ذلك.. حين قامت الثورة، وأصبح حاكماً. وأنا بطبيعتي، وكما قلت لست مستعداً لتحقيق رغبات الحاكم كلما طلب شيئاً، كأن أكتب مذكرات بناء علي طلبه، أو مقالات أو بيانات أو أخباراً. لا أستطيع أن أفعل شيئاً من هذا القبيل. كل ما كنت أحرص عليه أن أعبّر عن رأيي فقط. هكذا كنت قبل الثورة و بعدها]. سأل د. مصطفي عبدالغني الأستاذ إحسان المزيد من تفاصيل التجربة الأليمة التي تركت آثارها علي نفسيته لعقود عديدة تالية، فأجاب: [بعد قيام الثورة .. كان عبدالناصر قد اقترح عليّ أن أقيم ندوات خاصة أجلس فيها مع مجلس قيادة الثورة. وفي هذه الاجتماعات بين لي عبدالناصر أنه يفكر في إنشاء حزب. وكان هذا يتفق مع رأيي في أن الجيش قام بتحقيق وتنفيذ مطلب شعبي الثورة وكتبت مقالاً.. سبق أن قلت مضمونه لعبد الناصر في حواري المستمر معه شخصياً. كان المقال بعنوان: »الجمعية السرية التي تحكم مصر« قلت فيها: »إن هذا ليس حكماً، ولا يمكن أن نظل تحت قيادة حكومة سرية«. وفي نهاية المقال طالبت عبدالناصر بالابتعاد عن الجيش، وأن يشكل حزباً سياسياً يعبر عن الثورة ويخوض الانتخابات علي أساس أهدافها وبرامجها]. قبل، وأثناء كتابة هذا المقال.. كان إحسان عبدالقدوس كما قال في شهادته مؤمناً بشعبية جمال عبدالناصر، ومؤمناً أيضاً بالثورة التي قام بها الضباط الأحرار. وحدثت الصدمة بعد النشر. قيل إن البعض نقل ملخص المقال إلي أسماع عبدالناصر علي غير الحقيقة. ووجد الواشون فرصة للإيقاع بين عبدالناصر و »صديقه القديم« إحسان.. وهو ما حدث بالفعل. فأمر عبدالناصر باعتقال »صديقه« في السجن الحربي، لمدة ثلاثة شهور، بناء علي وشاية الواشين من أن مقال إحسان يهاجمه شخصياً(..). وأكد إحسان عبدالقدوس في شهادته أن عبدالناصر [طلب أن يحاط علماً بكل ما أفعله وأقوله في السجن الحربي.. أولاً بأول، وربما كان هو السبب في إنني خلال فترة اعتقالي لم أتعرض للتعذيب الجسدي المعروف.. وإنما مورست ضدي ألوان أخري من التعذيب لعل أقساها علي نفسي وضعي في زنزانة انعزالية وقد ضايقني هذا كثيراً. بعد شهر ونصف.. بدأ التخفيف عليّ إلي درجة أنني أحسست أنني حر تماماً.. وفي نهاية الشهر الثالث فوجئت بالإفراج عني. كيف دخلت إلي السجن؟ لا أعرف. كيف خرجت منه؟ أيضاً.. لا أعرف!]. .. ونتابع شهادة »إحسان« غداً.