منذ أسابيع بدأ الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل استعادة أحداث ووقائع هزيمة يونيو 7691 عبر برنامجه تجربة حياة!! وكان من الطبيعى أن يتعرض الأستاذ هيكل لظروف وملابسات تلك العلاقة الشائكة والمعقدة - إنسانياً وسياسياً - بين الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر - أشهر ثنائى فى تاريخ العرب الحديث!! احتشد الأستاذ هيكل بكل ما يملكه من أوراق وشهادات ووثائق وهو يروى ويستعرض خطايا المشير عامر فى حرب 7691 ومن قبلها فى تجربة حرب اليمن وتجربة الوحدة مع سوريا وحرب السويس 6591، ولم ينس هيكل بالطبع أن يشير إلى واقعة زواج المشير من السيدة برلنتى عبدالحميد تلميحاً ودون أن يذكر اسمها رغم أنه فى كتابه الانفجار استفاض وزاد فى شرح ورواية خباياها!! هناك الكثير مما رواه هيكل يستحق المناقشة والأخذ والرد خاصة أن هناك شهوداً وشهادات كانت حاضرة وشاهدة فى تلك الأوقات ولم يشر إليها الأستاذ هيكل، وكأنها غير موجودة!! فى حلقة الخميس الماضى وصل الأستاذ فى تجربة حياته إلى واقعة انتحار المشير واندهش من الذين أشاعوا أن المشير لم ينتحر بل قُتل!! من حق الأستاذ هيكل أن يتوقف أمام شهادات وشهود وأن يتجاهل شهادات وشهوداً، لكن الصورة لا تكتمل إلا باستعراض كل الشهادات حتى التى تخالف ما يراه ويعتقده الأستاذ. من هذه الشهادات المهمة مثلاً شهادة وزير العدل وقتها المستشار عصام الدين حسونة والتى رواها فى كتابه 32 يوليو.. وعبدالناصر: شهادتى (صدر عام 0991 عن مركز الأهرام للترجمة والنشر)، فى الباب السادس من المذكرات وعنوانه حادث وفاة المشير انتحار أم اغتيال يقول وزير العدل: فى قمة النظام انفجر صراع مرير بين قطبى النظام الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر ثم يروى كيف تلقى مكالمة مساء يوم الخميس 41 سبتمبر 7691. مكالمة تليفونية من وزير الداخلية شعراوى جمعة يقول فى صوت خفيض لكنه واضح النبرات: أنا شعراوى جمعة يا أخ عصام.. صاحبك المشير توكل!! قلت فى استغراب: توكل؟! فقال شعراوى: انتحر.. سوف أرسل لك سيارة خاصة تحمل بعض ضباط الأمن ليكونوا تحت تصرفك وتصرف النيابة العامة. وهكذا توجه الوزير إلى استراحة المريوطية وبصحبته رجال النيابة العامة والطب الشرعى حيث قال لهم بالحرف الواحد: إنكم تحملون أمام التاريخ مسئولية ثقيلة، إن الحادث كما يحتمل الانتحار يحتمل - بنفس القدر - الاغتيال.. وأنتم وحدكم القادرون على ترجيح احتمال على آخر، أما مهمتى كوزير للعدل فهى أن أحمى ظهوركم وأصون استقلالكم فى هذه الساعات التاريخية الخطيرة!! يلفت الانتباه جداً قول الوزير أنه حرص أشد الحرص على استخدام الوصف الدقيق وهو حادث وفاة المشير عبدالحكيم عامر.. بينما وزارة الإرشاد القومى وأثناء المرحلة الأولى من تحقيقات النيابة فى بيانها المنشور بعد الحادث ب 84 ساعة بأنه انتحار!! ثم يقول الوزير بجلسة 01 / 01 / 7691 - أى فى نفس يوم صدور قرار النائب العام - كان من واجبى أن أخطر به مجلس الوزراء، وغنى عن البيان أن قرار النائب العام هو قرار قضائى لا يملك مجلس الوزراء إحداث أى تغيير أو حذف أو تبديل فى حرف واحد من حروفه. ويشير الوزير إلى أنه رفض أى رجاء أُبلغ به - ولو كان منسوباً للرئيس نفسه - باستعجال النيابة العامة فى إنهاء تحقيقاتها بل وأكدت لمن أبلغنى أننى شخصياً قد طلبت من النيابة العامة ألا تترك نقطة من نقاط التحقيق أو شاهداً أو واقعة أو تحليلا طبياً دون تحقيق كامل. وفى ملاحظة ذات أهمية بالغة ودلالة خطيرة يقول الوزير أيضاً: اتصل بى الأستاذ محمد حسنين هيكل أكثر من مرة يبلغنى رجاء الرئيس حث النيابة على سرعة الانتهاء من التحقيق ويسأل: ألا يمكن إعفاء أسرة المشير من الإدلاء بشهادتهم!! وفى مجلس الوزراء جرت مناقشة مهمة عما تنشره وزارة الإرشاد القومى من فقرات قرار النائب العام، وكان من رأى الوزير - من الناحية السياسية - إذاعة التقرير كاملاً بغير حذف شىء، وكان من رأى بعض أعضاء المجلس أنه لا وجه لنشر كل ما جاء عن التشريح ولا للاتهامات التى جاءت فى أقوال بعض أفراد أسرة المشير مما قد تستخدمه بعض التيارات السياسية لإحداث البلبلة بين الرأى العام، وقد تغلب الرأى الثانى!! وأخيراً يقول المستشار عصام الدين حسونة: وأذكر أن الرئيس أخبرنى - فى منزله - وهو أمر لم يعرفه مجلس الوزراء.. أن الأستاذ محمد حسنين هيكل هو الذى سيتولى مهمة بحث ما ينشر من فقرات القرار على وسائل الإعلام، فلما بدت على ملامحى أمارات الدهشة، وتساءلت: وهل يعلم السيد محمد فائق وزير الإرشاد القومى بذلك قال لى: هيكل هو وحده القادر على القيام بهذه المهمة، واستطرد يصف صلته بهيكل: إن هيكل هو الوحيد القادر على أن يترجم أفكاراً لى قد أتحدث فيها لساعة كاملة فى كلمات مركزة قليلة دقيقة لا تزيد على سطر أو سطرين!! وفى مساء ذات اليوم 01 / 01 / 7691 زارنى الأستاذ محمد حسنين هيكل فى منزلى وتسلم منى صورة من قرار النيابة وتولى المهمة التى عهد بها إليه الرئيس، وأعطى تعليماته بشأنها إلى مندوب الأهرام، وفى المساء اجتمع السيد وزير الإرشاد القومى بمندوبى الصحف ومن بينهم مندوب الأهرام وأنهى إليهم ما انتهى إليه الرأى بشأن ما ينشر من فقرات القرار!!. ما رأيكم فى دلالة هذه الواقعة المهمة؟!؟