محمد العرابى الشرق الأوسط منطقة من أكثر مناطق العالم اشتعالا فدول الربيع العربي مازالت تجاهد للخروج من عنق الزجاجة سعيا نحو دعم التنمية والاستقرار من خلال وضع أسس راسخة لعملية التحول الديمقراطي والأزمة السورية مازالت محتدمة ودخلت عامها الثاني مع المخاوف من إطالة أمدها بما يهدد الأمن القومي السوري وبالتالي أمن المنطقة العربية وعملية السلام باتت في طي النسيان من قبل المجتمع الدولي بما يخدم المصالح الإسرائيلية بالأساس.. ومن هذا المنطلق يعتقد البعض أن فترة الرئيس الأمريكي أوباما الثانية قد تساهم في إحداث تحسن ملحوظ في الأوضاع المتردية بالشرق الأوسط ويري البعض الآخر أن السياسات الأمريكية واحدة ويتم تنفيذها بدقة كاملة من قبل الرئيس الأمريكي المنتخب سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا وبالتالي تحسن الأوضاع في المنطقة لابد وأن يكون بين القائمين عليها لأن الرئيس أوباما لم يحقق أي شئ من وعوده تجاه الشرق الأوسط في فترة حكمه الأولي وبالتالي يجب ألا ننتظر منه تحقيق أي شيء ملموس في فترة حكمه الثانية بالبيت الأبيض.. وحول هذه الأطروحات المتداولة عن الشرق الأوسط مابعد فوز أوباما بفترة ثانية بالبيت الأبيض وكيف يمكن لدول المنطقة التعامل مع القضايا الساخنة المطروحة علي مسرح الأحداث دار الحوار مع وزير الخارجية السابق »محمد العرابي«. في بداية الحوار كان هذا التساؤل ماذا عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وهل فوز أوباما الديمقراطي يحمل معه بعض التفاؤل في المنطقة ولاسيما وأن هناك من كان يرفض رومني لأفكاره المتشددة وبصفة مختصرة هل تتفق في الرأي مع المتفائلين من أوباما أم أن العكس صحيح؟ قال الوزير محمد العرابي: لابد وأن ننظر للأمور الحالية في العالم العربي والشرق الأوسط بنظرة واقعية لأن الأوضاع الآن في المنطقة متغيرة عما كان عليه الوضع حينما تولي الرئيس الأمريكي أوباما الحكم في الولاياتالمتحدة في فترته الأولي عام 9002 فهناك الآن عالم عربي جديد.. ولنتذكر جيدا الخطاب الذي ألقاه حينذاك أوباما في جامعة القاهرة والذي كان بمثابة خطاب استهلالي أو مقدمة منه لإيضاح سبل تعامل إدارته مع العالم الإسلامي والمنطقة ولو دققنا في الأمر سوف نجد أن الرئيس الأمريكي أوباما لم يحقق أي نقطة من النقاط التي ذكرها في خطابه طيلة فترة حكمه الأول وبالتالي فإن رصيد أوباما بالنسبة لدول العالم الإسلامي والعربي ومنطقة الشرق الأوسط قد انتقص.. بل نجد علي العكس حدث تأخر في عملية السلام بل هي تعاني من الجمود بالفعل بالرغم من أن الرئيس الأمريكي قد وعد بإقامة دولة فلسطينية ولكن بالطبع فإن الوعود الانتخابية أو الأيام الأولي من تولي الرئاسة لاتعني الكثير بالنسبة لرؤساء الولاياتالمتحدة.. الطاقة وأمن إسرائيل واستكمل العرابي حواره قائلا: أتوقع وأستنتج من رؤيتي للوضع العربي الحالي والوضع الأمريكي أن الأمور ستكون في منتهي الصعوبة ولايجب أن نستبشر خيرا أو نتوقع تقدما ملموسا في إطار العلاقات العربية الأمريكية أو فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وأوضح العرابي أن الفرق الوحيد في هذا المضمار أن أسلوب أوباما يختلف عن رومني ولكن الهدف واحد والسياسة الأمريكية واحدة قد يكون لدي أوباما قدر من الدبلوماسية والمظهر الإنساني الذي يستطيع من خلاله أن يوحي إلينا بأنه قد يفعل شيئا ولكن في النهاية هو ملتزم بسياسات أمريكية موضوعة بدقة وتعاد صياغتها الآن بدقة بالغة للتعامل مع الشرق الأوسط الجديد والواقع الذي نعيشه في المنطقة العربية. وأكد العرابي علي: أنه علينا أن نقر الحقيقة الواقعة التي يدركها أي دارس للعلوم السياسية منذ زمن طويل وهي أن المنطقة العربية بالنسبة لأمريكا تتلخص في أمرين ضمان مصادر الطاقة وضمان أمن إسرائيل وهذه هي المحاور الأساسية التي تتحرك فيها السياسة الخارجية الأمريكية ومن ثم فإن هذه السياسة خلال الأربع سنوات القادمة ستظل مثلما كانت عليه في السنوات الماضية ونصل من خلال ذلك إلي نتيجة مؤداها أنه لن يحدث تغيير جوهري في العلاقة العربية الأمريكية بل علي العكس قد يحدث نوع من الفتور والصدام مع الواقع العربي الحالي في المنطقة ولذلك يجب أن نكون في منتهي الحذر ولا نتفاءل كثيرا. ترقب وحذر ماذا بشأن العلاقات المصرية الأمريكية ولاسيما أن مصر تمر بفترة انتقالية تهدف للتحول الديمقراطي من أجل دعم الاستقرار والتنمية ومازال هناك العديد من الصعاب التي تعترض هذه الفترة؟ الفترة القادمة صعبة جدا إذا تحدثنا عن العلاقات المصرية الأمريكية فهي فترة ترقب وحذر من الجانبين ومراقبة لردود الأفعال من الجانبين أيضا.. فالإدارة الجديدة في مصر لازالت مجهولة النوايا بالنسبة للإدارة الأمريكية وهي كالصندوق المغلق حتي الآن بالنسبة لواضعي الاستراتيجية الأمريكية ومن منطلق هذا الوضع الذي علي أرض الواقع حاليا يصبح من الصعب توقع شكل العلاقات المصرية الأمريكية وكيف ستكون.. من ناحية أخري علي حد قول الوزير محمد العرابي: فإن إدارة أوباما وهي في المرحلة الثانية ستكون منكفئة علي الأوضاع الاقتصادية بدرجة أكبر وذلك بخلاف العامل الإسرائيلي الذي سيكون عاملا ضاغطا بصفة دائمة وأحب أن أذكرك بأن الرئيس أوباما لم يستطع إيقاف شهية إسرائيل واستمرارها في سياسات التوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة. توقعي أن العلاقات المصرية الأمريكية ستظل قائمة والمساعدات سوف تستمر ولكن سيكون هناك دائما توجس من كل طرف تجاه الآخر. حالة فريدة مازالت الأزمة السورية تطل بظلالها علي مسرح الأحداث في المنطقة وهناك تحرك من قبل الجامعة العربية ودول الخليج نتج عنه الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري المعارض الذي تشكل علي أرض قطر فهل تتوقعون تحركا غربيا بصفة عامة وأمريكيا بصفة خاصة أم أن الأوضاع ستظل كما هي مع مخاوف من إطالة أمد الحرب الدائرة علي أرض سوريا؟ قال العرابي: سوريا حالة فريدة من نوعها ولكنها حالة مرضية أستطيع أن أشبهها بالجسم الذي يفتت نفسه ويدمر نفسه بنفسه من هذه النقطة وضعنا في الحسبان الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة قد يكون هناك نوع من الإحساس لدي قوي الغرب بأن الأمور لم تنضج بعد في سوريا وبالتالي سوف يتركون الأمر لزمن ما في حساباتهم لضمان إضعاف أي كيان قادم في سوريا بعد نظام الأسد مثلما حدث في العراق. وأضاف: الإئتلاف المعارض الجديد هو تطور لا بأس به ولكن بحاجة إلي توحيد كافة قوي المعارضة السورية ولاسيما وأن الشعب السوري تم إنهاكه وأصبح لديه يأس من نظام بشار الأسد ومن المعارضة فالوضع في سوريا صعب ومتأزم.. الجمود مستمر هل يستمر الجمود الذي تعاني منه عملية السلام خلال الفترة القادمة وما الذي يمكن عمله لتحريكها للأمام ولاسيما وأنه بعد ثورات الربيع العربي كانت هناك آمال بإمكانية تحريك فرص السلام في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ أعتقد أن الجمود الذي تعاني منه عملية السلام في الشرق الأوسط في الفترة الحالية سوف يستمر أولا لتفكك الموقف الفلسطيني وثانيا لأن دول الربيع العربي لديها أولويات داخلية حيث تعمل علي القضاء علي مشاكلها الاقتصادية وهناك أوضاع أخري قد تطرأ علي المنطقة تدفع القضية الفلسطينية للخلف مرة أخري.. وهذا يقودنا للحديث عن أهمية دعم الموقف الأمني في شبه جزيرة سيناء وهي إحدي المشاكل التي تؤرق الإدارة المصرية حاليا وتستحوذ علي اهتمامها بأبعادها الاستراتيجية والأمنية والسياسية.. وأوضح العرابي أهمية العمل علي الحد من نزعات التطرف لأن ذلك سوف يعطي إسرائيل ذريعة في أن تتخندق في موقفها المناهض لعملية السلام.. ماذا بشأن تعديل الملاحق الأمنية في معاهدة السلام والتي ترتفع الأصوات الآن للمطالبة بها؟ مصر لها الحق في المطالبة بتعديل الملاحق الأمنية في كامب ديفيد ولكن لابد من قبول الطرف الآخر وإسرائيل مازالت ترفض إجراء أي تعديل علي معاهدة السلام والملاحق الأمنية بها وأعتقد أنه لن يحدث تعديل في المستقبل القريب لأن إسرائيل لن تقبل بأي ورقة جديدة فيها امتيازات أمنية جديدة للأمن القومي المصري في سيناء خاصة في ظل الوضع الأمني الحالي في سيناء وهو ما تتخذه إسرائيل ذريعة للرفض.. ننتقل إلي إيران وهل تتوقعون نشوب حرب إيرانية إسرائيلية تعطي أمريكا لها الضوء الأخضر بعد فوز أوباما بالفترة الثانية أم أن الوضع سوف يبقي علي ماهو عليه؟ لا أتوقع أي حرب مع إيران لأن الوضع الاستراتيجي في المنطقة سوف يختل تماما إذا مانشبت حرب بين إيران وإسرائيل إلا أن الضغوط السياسية والاقتصادية من قبل الغرب علي إيران سوف تستمر مع استمرار التلويح باحتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران ولكن لا أعتقد أن هذا سوف يتم علي أرض الواقع.. ماذا بشأن السياسة الخارجية؟ الوضع الداخلي يستحوذ علي الكثير من الاهتمام من قبل الحكومة المصرية وذلك لأن هناك حاجة ماسة لترتيب البيت من الداخل ولكن هذا لاينفي أننا بحاجة إلي رسم معالم سياسة خارجية قوية في إطار عالم يموج بالكثير من التطورات فما هي أولويات السياسة الخارجية المصرية كما ترونها الآن؟ قال وزير الخارجية السابق: لا نستطيع وضع سياسة خارجية واضحة المعالم أو نقدم للعالم رسالة قوية باسم مصر بدون العمل علي استقرار الوضع الداخلي ومن ثم علينا الإسراع بصياغة الدستور وإجراء انتخابات برلمانية حتي نظهر أمام العالم كمجتمع مدني ديمقراطي يحترم كافة الحقوق والحريات وكل هذه الأمور تخدم السياسة الخارجية المصرية.. وأضاف العرابي: إنني أود أن أؤكد أنه لو تم كتابة دستور يليق بمصر ويعلي من شأن الإنسان المصري ويحترم حقوق المواطنين كافة ولاسيما المرأة والطفل فإن الرسالة المصرية الموجهة للعالم الخارجي سوف تكون قوية والعكس صحيح.. الرسالة المصرية الخارجية في حاجة لوضع داخلي واضح ومحدد الاتجاهات دون غموض وبالتالي بعد ذلك نستطيع التحرك في الخارج من خلال رسالة قوية يكون أساسها القوة الناعمة ومن خلالها يمكن تحقيق التنمية وإيجاد شركاء للتنمية داخل مصر من مختلف دول العالم. وأضاف: العالم كله ينظر إلي مصر في هذه المرحلة ولديه رغبة كبيرة في مساعدتها وبالتالي فإن مسئولية هامة تقع علينا ولابد وأن تكون لدينا سياسة اقتصادية واضحة المعالم ودستور يليق بنا وكل هذه عوامل تشجع المستثمر الأجنبي علي القدوم لمصر فكل هذه عوامل تغذي بعضها البعض.. وفي ختام الحوار كان السؤال عن مدي مساهمة الرحلات الخارجية للرئيس محمد مرسي وهل استطاعت تحريك الحياة الراكدة في علاقات مصر الخارجية؟ قال العرابي: إلي حد ما حركت زيارات الرئيس محمد مرسي عدة أمور وكانت تحركاته جديرة بالتقدير وأعتقد أن الرئيس محمد مرسي لديه الآن إدراك بعد قيامه بهذه الجولات بأهمية الواجب الوطني الداخلي والاهتمام بالداخل لأن ذلك سوف يخدم مواقفه في جولاته الخارجية القادمة.