في ضوء تصريحات أعضاء الجمعية التأسيسية حول قرب انتهائهم من وضع المسودة النهائية للدستور..وهي المسودة التي لم تتضح ملامحها أو مقدار ما تم الانتهاء منها إلا في إطار تسريبات وسائل الإعلام- وبعضها تسريبات تهدف الي مخاطبة فئات بعينها ولأهداف سياسية محددة- ..كما أن ما تم نشره من مسودات اتضح أنها ليست في صياغتها النهائية..وهو ما يمنع الشرائح الاجتماعية والقوي السياسية المختلفة من إبداء آرائها وملاحظاتها علي الدستور الذي من المفترض أن يرسم الملامح العامة لمصر بعد الثورة.. إن غياب المشاركة المجتمعية –أو تجاهلها– عن عملية وضع الدستور يعد استمرارًا لسياسة النظام القديم في الانفراد بإصدار القوانين والتعديلات الدستورية بمعزل عن الشعب.. وهو ما يستحيل تصوره بعد ثورة يناير.. وهو الأمر الذي يدفعنا نحو تحفيز المواطنين بكافة فئاتهم علي الدخول في نقاشات جادة وفعالة في ما عرض عليهم إلي الآن من مواد الدستور وما سيعرض في الأسابيع القادمة ما سيساهم في تفعيل أطر المشاركة الجادة من جانب المواطنين في عملية وضع الدستور.. إن أهم ما نريده علي الإطلاق وبكل وضوح هو دستور جديد لابد أن يكون متميزا وجديدا بمعني ألا يكون نسخة مكررة من سابقيه أو بترقيع للدستور المهترئ الملغي والذي قامت ثورة 25 يناير من أجل تغييره.. وليس لمجرد تغيير أشخاص بأعينهم بل لإحداث تغيير جذري وشامل لنظام الدولة من كافة الوجوه..فالدستور في حياتنا أشبه ما يكون بعقد تمليك عقار وبدون تحديد أبعاد هذا العقار وشكله وحدوده لن يستطيع المالك وهو الشعب في حالة الدستور أن يضمن ملكيته ولن يعرف أسس المحافظة علي هذا العقار سليما..وهذا يتطلب أن يكون ذا صياغة واضحة لا تحتمل لبسًا ولا التفافًا ولا تهربًا في كل مواد هذا الدستور وليس مادة واحدة كما هو حادث الآن من جدل حول صياغة المادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية..فما أكثر أن كلفنا غموض وصياغات كثير من القوانين والقرارات والتي كانت الباب الخلفي لكثير من التجاوزات..وبمعني أكثر دقة، مطلوب وضوح النصوص في الدستور وتفصيل كل نص بالفعل..خاصة أن الصياغة المستخدمة في كثير من المواد التي تم إعلانها "مطاطة واستعراضية" وأن تكون لغتها منضبطة..وأن يكون واضحا ومعلوما فيه حدود كل سلطة في البلد وعدم تضاربها مع حدود السلطات الأخري وأن تكون صلاحيات رئيس الجمهورية واضحة ومحددة وماله وما عليه.. إنني آمل إلي أن تستمر الجمعية التأسيسية للدستور في أعمالها وأن يتفرغ أعضاؤها للعمل علي استكمال الدستور ليري النور بدلا من أن يضيعوا وقتهم في الظهور في مختلف الوسائل الإعلامية وأن يتوقفوا عن إثارة البلبلة ..فللأسف الشديد كل واحد فيهم عايز يعمل نفسه"الصح" والآخرون هم "الخطأ"..وعندما يفرغون من عملهم هذا يجب أن تعطي الفرصة بجميع الوسائل والوقت المتاح لمناقشة "مشروع الدستور" مجتمعيا حتي يتم التصويت عليه بعد معرفة تامة بكل قواعده وأبعاده وأرجو ألا نقع في خطيئة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في (19 مارس2011) عندما وجه كل تيار أتباعه وأنصاره إلي اختيار بعينه دون أن يتيحوا لأي أحد أن يفكر بنفسه ويقرر وهو ما اكتشفه الكثيرون بعد ذلك من وجود كوارث في التعديلات الدستورية مثل (المادة 28 التي حصنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية).. من الآخر وبالبلدي كده إحنا عايزين: (دستور يا أسيادنا بس يعبر عنا ويحقق لينا العيش والعدالة والحرية بكرامة)!..