مازلت بين الحين والآخر أشعر بالرغبة في تغيير الكثير داخل نسيج المجتمع الفني ولكن في إطار عدم التنازل عن استمرار وجود البصمة المبهرة التي تفرق بين الناس المبدعين والعاديين، فقد أثارني من خلال متابعتي للساحة الغنائية المتسعة أمام جميع المطربين والمطربات تقلص إنتاجها الراقي الجميل بعد أن زدحمت فيما مضي بعشرات الأصوات المتميزة التي أثرت حياتنا بالعواطف والأحاسيس وافترشت الطريق للقلوب بالإنسانية والمباديء والمثل في كلماتها وألحانها وغنائها.. ولذا استحقوا أن يطلق عليهم لقب العمالقة سواء الموجودين أو من رحلوا ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وفايزة أحمد ووردة وسعاد محمد والآخرون يقال عنهم إنهم اعتزلوا وانقطعوا عن تقديم فن الغناء لأسباب أهمها تقدم العمر الذي داهم حياتهم وسلب زهوة شبابهم وإطلالة النجومية، وقد يكون انقطاعهم يرجع للسأم والملل من الفوضي والعشوائية علي الساحة وتعدد الوجوه وصارت الأجساد أهم من الأصوات وفرض المال وجوده كعنصر أساسي لبناء النجومية بالإضافة لتجاهل شركات الإنتاج لأصحاب الحناجر المميزة وتسليط الضوء علي الشباب لامتلاك الأصوات والأسواق دون الالتفات إلي من أقام لفن الغناء أسسا وقواعد ثابتة وتصدر في يوم ما واجهة النجومية.. وبالرغم من ذلك فمازالت هناك أصوات لبعض هؤلاء العمالقة لاتزال علي حلاوتها وعذوبتها وقادرة علي العطاء إذا دفعت للساحة من جديد بشكل يناسب العمر والمكانة ولنتذكر نجاة الصغيرة وأجندة أبداعها الغنائي المليء بالرمانسية وهناك فيروز قيثارة الغناء التي تكتفي ببعض إطلالاتها عبر حفلات متباعدة في لبنان ودول الخليج وهولندا.. هذا بالإضافة للمطربة نجاح سلام صاحبة الحنجرة الذهبية التي فضلت الأبتعاد والصمت بعد تاريخ فني حافل بالعطاء، ويذكر أنها أعادت منذ وقت طويل سجلت بعض الموشحات وطرب التراث بتكليف من إذاعة الكويت ويضاف لهذه الكوكبة، وديع الصافي وصباح فخري.. وإذا كان الكبار قد تراجعوا أو اعتزلوا الظهور نتساءل أين الأعمال الجديدة المتميزة للجيل الذي ظهر بعد هؤلاء العمالقة أمثال هاني شاكر ومحمد ثروت ومحمد الحلو وأنغام وأصالة وكاظم الساهر وعلي الحجار وجنات ولطيفة، وهل فرضت عليهم ظروف الفوضي الفنية والإيقاعات السريعة الضاخبة، شكلا آخر من العزلة.. ولذا نتمني تشجيع كل مؤلف مبدع وملحن متميز ومطرب حنجرته ذهبية يروي من خلالها أحلامنا وآلامنا وآمالنا.. وأن نرفض كل ماهو رديء إذا كنا نسعي لإصلاح أمور الغناء وأملا في أن تزدحم الساحة الغنائية بعمالقة جدد من المطربين والمطربات يشكلون مدارس وتيارات فنية راقية المستوي.