حكاية من مصرحيرة وفزع وكآبة وتخوف شديد تسيطر علي المجتمع المصري الذي تصدر المشهد بجدارة في سباق انتخابات الرئاسة وانحاز بشكل واضح للثورة ومرشحيها الأبرز "حمدين صباحي" و"عبدالمنعم أبوالفتوح" الذي يجب أن يحاكما في يوم من الأيام بتهمة "العناد السياسي" بعد ظهور نتيجة الانتخابات التي كانت نتيجتهما معا كافية لتصدرهما مشهد الثورة ولكن الأنانية السياسية التي سكنتهما معا جعلت تفتت الأصوات أمرا حتميا بينهما ليسمحا معا بوضع المصريين في حالة من الخيار الصعب. ورغم أن المشهد السياسي الآن شديد الغموض والالتباس وسيسمح بظهور المزيد من المفاجآت في ال 18 يوما القادمة من تفاوض ما بين القوي السياسية المختلفة والتي تسعي الآن لوضع شروط وتعهدات مسبقة للمرشحين الحاليين "مرسي" و"شفيق" وستزداد في الأيام القادمة حالة السخاء والبذل للقوي التي خسرها المرشحان . فمهمة الإخوان الآن أكثر صعوبة بعد أن فقدوا رصيد الثقة لدي كثير من فئات المجتمع الذين شعروا أن الإخوان لا يكفون عن لعبة التحالفات التي يتصورون أنها تصب لصالحهم وأنهم يفتقدون لبعد النظر السياسي ففقدوا كثيرا من المتعاطفين والمحبين وإن كانوا مازالوا يحتفظون بالطبع بأبنائهم المخلصين فقط هذا إلي جانب غرورهم السياسي الذي دفعهم إلي تصور أنه يكفي فقط إعلانهم عن مرشح الجماعة لكسب وحسم الانتخابات ونسوا أن تلون مواقفهم وتبدلها أضعفهم وأن الزمن الآن لايسمح بالألاعيب القديمة وكان كل ذلك في مواجهة شفيق صاحب الخطاب الواضح من اللحظة الأولي وهو ما جعله أكثر قبولا لدي الكثيرين، والمفارقة التي تستحق أن نتوقف أمامها هي عدد الأيام التي تفصلنا عن لحظة تقرير المصير فهي نفس عدد أيام الثورة المصرية بالضبط وكأنها رسالة من شهداء الثورة يبعثونها لمن يرفضون التفاوض أو توحيد الصفوف لمواجهة خطر عودة النظام القديم الذي تتحرك أدواته الآن بنظام شديد للعودة للحكم من جديد بعد إجراء جراحة تجميل لم تنجح في إخفاء الملامح القديمة التي اختفت تحت طبقه كثيفة من المساحيق، وحتي تصريحات حمدين صباحي التي أعلنها في مؤتمره بأنه لن يكون نائبا لأحد ولن يشارك في أي مبادرة لتشكيل فريق رئاسي وتزامنت معها تصريحات "عبد المنعم أبو الفتوح" بأنه لن يساوم علي منصب كلها تصريحات لن تفيد أحدا الآن ولن تنقذ الثورة المهددة بالتواري فمن انتخبهما كان يعلم جيدا أن الاثنين لايبحثان عن مناصب وإنما هما مسخران لخدمة الوطن فالآن لا مجال للحديث عن المناصب وإنما عن التوحد وتنحية الشعارات جانبا، وليتفاوضا بضمانات مؤكدة وموثقة مع مرشح حزب الحرية والعدالة حتي يتحقق حلم الوطن ونشهد دستورا قويا وقانونا يحكم الجميع خاصة أن الفرصة مازالت مواتية قبل أن تضيع وتتبخر ولا يبقي سوي أن يقف الاثنان أمام محكمة التاريخ التي لن تنصفهما ولن يسامحهما الشعب المصري أبدا علي حالة التعالي التي انتابت كلا منهما في لحظة كانا يجب أن ينصاعا فيها لكلمة "نعم" فقالوا "لا" وكأننا نعاني من "حول ثوري" ففي الوقت الذي يجب أن نقول فيه نعم تخرج لا وفي الوقت الذي يجب أن نقول "لا" تخرج "نعم" والغانم الوحيد في تلك المعركة هو من توحدت جهوده وأهدافه، وتعرف جيدا علي ما يريده المصريون كلهم خاصة أن هناك عدة سيناريوهات يتحدث فيها رجل الشارع ويغلب عليها نظرية المؤامرة فهناك سيناريو يطرح فكرة أن المجلس العسكري سمح بوجود شفيق في الانتخابات ولم يطبق عليه قانون العزل السياسي حتي يخوض المعركة ليصبح أداة ضغط ضد مرشح الإخوان ليتم التفاوض من منطلق القوة من أجل الاستجابة لمطالبهم وتحديد وضعهم في الجمهورية الثانية حسب ما يريدون، خاصة بعد توقعهم خروج حمدين وأبو الفتوح من السباق بسبب تفتت الأصوات بينهما أما السيناريو الثاني فيتحدث عن وصول شفيق في ظل وجود صفقة مع الإخوان تسمح بتوليهم الوزارة، أما السيناريو الثالث فيتحدث عن وجود شفيق في النهائيات ثم عودة حمدين المرشح الشعبي بعد التحقيق في المخالفات والتجاوزات والطعون التي قدمها وأن الخيار الأخير تنصح به وتدعمه جهات سيادية تحسبا لاندلاع ثورة أخري ولإرضاء الشعب الذي انحاز فعليا للثورة ولكي نتعرف علي مزاج المصريين العام ورؤيتهم للوضع الأن طلبت المعونة من المفكر المعروف وعالم الاجتماع د.سمير نعيم. قال: ما يحدث للمصريين الآن أنهم دفعوا دفعا طوال المدة الماضية كلها لكي يحققوا نبوءة المخلوع " أنا أو الفوضي" أو أنا أو الإخوان فالدفع لاختيار "أنا" وهي لا تعني مبارك فقط وإنما تعني نظامه، فما حدث للمصريين طوال الفترة الانتقالية من الدفع لكراهية الثورة وقطع الأرزاق والانفلات الأمني وطوابير العيش وأنابيب البوتاجاز والموت من أجل السولار كل ذلك دفع بقطاع كبير لكراهية الثورة بل وقال البعض ولا يوم من أيام مبارك، وأصبح المشهد في حاجة إلي رجل قوي يعيد الأمن والأمان والنظام، ولكي يتحقق ذلك المخطط كان لابد من تفتيت كتلة الثورة أو الثوار وضربهم بعضهم ببعض مثلما اعتاد النظام أن يفعل طوال 60 عاما من ضرب التيارات الإسلامية باليساريين والعكس المهم عدم وجود حالة من الاتفاق العام ما بين القوي السياسية وهو ما نراه الآن بوضوح. ولكن يبقي المصريون يمتلكون طاقة هائلة ومحيرة فهم مذهولون ومحيرون وردود أفعالهم غير المتوقعة وفي وعيهم وفهمهم لما يحدث حولهم وأعتقد أن المجتمع المصري مذهل أيضا في ردود أفعاله فقبل قيام الثورة لم يكن أحد يتوقع أن تحدث بكل هذا الزخم والقوة ولم يكن أحد يتوقع الارتداد والتراجع للإسلاميين في المجتمع بهذه السرعة، ولم يكن أحد يتوقع أيضا النسبة العالية من الأصوات التي حصل عليها حمدين صباحي ولم يكن أحد يتوقع الفشل الذريع لعمرو موسي، ولكننا كنا نتوقع أن يحصل شفيق علي هذه الأصوات فهي ليست كلها أصوات الشعب وهي نسبة ليست مرتفعة في واقع الأمر فهي تمثل 25٪ من نسبة من أدلوا بأصواتهم وما يجب أن نراه الآن بوضوح أننا اندفعنا ومنذ البداية لنلعب بقواعد لعبة النظام السابق فقبلنا أن رئيسا لم يخلع وإنما تخلي عن منصبه أن يوكل إدارة البلاد للمجلس العسكري وقبلنا استفتاء وتعديلات دستورية وقبلنا بمجلس شعب جاء أيضا بقواعد اللعبة القديمة بدون أن نغير فيها شيئا ولكني مازلت أنتظر ما سيدهشنا به المصريون من جديد فهم لن يقبلوا أبدا بعودة النظام القديم وستحصل الثورة علي أهدافها جزءا جزءا والحل قادم ولكنه سيكون علي مدي طويل المدي وسيحتاج إلي كثير من النضال والكفاح والصبر أيضا ولن يتوقف الآن المصريون عن المطالبة بحقوقهم مهما كان من يجلس علي كرسي الرئيس الذي لن يستطيع بعد الآن أن يغفل الشارع فهو لايمتلك عصا سحرية وسيحكمه الدستور والقوي السياسية ومن قبلهم رجل الشارع. وفي إطار المفاجآت المتوقعة في الشارع المصري في الفترة المقبلة التي قد تظهر بعد مفاوضات القوي السياسية المختلفة للوصول إلي صيغة تسمح باستكمال أهداف الثورة تتصدر ال18يوما القادمة التاريخ المصري الحديث والتي سيتم فيهم الكثير وهو أمر رأيت أنه يحتاج إلي خبير متخصص في قراءة المشهد بشكل علمي ومتخصص فوضعت الأمر أمام الدكتور حسن محمد وجيه أستاذ لغويات التفاوض والعلوم السياسية بجامعة الأزهر الذي طرح رغبات المجتمع المصري كله في إطار ماذا يريد المواطن؟ وأجاب أنه يريد دستورا ونظاما وعدالة وحرية وأن يختفي الفرعون من المشهد المصري تماما وأن تنزاح شهوة المناصب وأن يبقي العمل فقط، فالفترة المقبلة يطلق عليها علميا " التصويت الاستراتيجي" بمعني أنه ليس هناك ضرورة أن يقتنع الناخب بالمرشح ولكن الضرورة هنا للضمانات التي سيقدمها المرشح للناخب كي يحصل علي صوته ولابد الآن أن تكون الضمانات مكتوبة وموثقة وشديدة الوضوح وتتطرق إلي أدق التفاصيل وأتصور أن الوقت سيسمح بذلك فلابد وأن يحدد حتي ولو بالأسماء الأولية أفراد حكومته والتعدد الواضح للقوي السياسية التي ستتواجد في خطتة القادمة والناخب الآن لايريد أن يسمع عن مشروع نهضة لايعرف عنه شيئا ولا يتحقق إلا بمبدأ السمع والطاعة التي أثبت المصريون الآن أن طاعتهم جميعا لله وحده أولا وللرسول صلي الله عليه وسلم ثانيا ولن يحتاج المرشح لوصي عليه وإنما يريد من يضع له خطوات محددة ويريد أيضا أن يكون هناك مجلس يضم القوي السياسية المختلفة للتفاوض مع المرشح يتم ضمان كل أهداف الثورة من خلاله ولذلك أتصور أن ال 18يوم القادمة ستشهد الكثير من المفاجآت والأفكار ولكن هناك عدة أمور لابد أن تتم بنظام شديد ومنها أن التفاوض مع المرشحين لابد أن يكون مكتوبا وموثقا وأن يحرص الإعلام علي أداء دورة بدقة ومسئولية شديدة وهو أمر يجب أيضا أن يتحلي به الضيوف والمتخصصون وأطالب الجميع أن يكون لديه رؤية استراتيجية لمصلحة الوطن أولا وأخيرا فلا يصح أبدا أن يظهر متخصص ويعلن أن وصول التيارات الإسلامية للحكم يعني دخول إسرائيل واحتلالها لسيناء مئات السنين ولابد أن يدرك فحوي الرسالة التي يرسلها إلي الطرف الأخر فلابد أن تكون هناك مسئولية من المتحدث، وبعيدا عن المفاجآت التي ستنتظرنا في الأيام القادمة فإني أريد أن أطلق دعوة حقيقية للفرحة بما تم وحقق في الانتخابات بعيدا عن النتائج، فما حدث كان طفرة هائلة للمصريين فلم يكن أحد يتوقع أن نختار بهذا الشكل وأن تكون هناك تعددية في الاختيار تصل إلي تعدد الاختيار داخل الأسرة الواحدة وهو أحد أهم إنجازات ثورة 25 يناير.