تسابق في فرص العرض للأفلام المصرية لم تشهده السنوات السابقة، فقد كانت العادة التسويقية تحتم أن يمر أسبوع أو اثنان للفصل بين نزول فيلم وآخر لصالات السينما في الموسم الصيفي، حتي تتاح الفرصة لكل فيلم علي حدة أن يحقق بعض المكاسب المادية، قبل أن ينافسه غيره، وخاصة مع أفلام نجوم الشباك، ولكن نظرا للظروف القهرية التي يشهدها صيف 2010 وخاصة مع اقتراب مباريات كأس العالم، ثم اقتراب شهر رمضان "أغسطس" مما يعني اختزال الموسم الصيفي الي شهرين فقط، ولذلك قررت شركات التوزيع أن تسارع بطرح الأفلام حتي قبل أن ينتهي موسم ، وبدأ الأمر بنزول فيلم "نور عيني" الذي يلعب بطولته تامر حسني مع منة شلبي، وقد حقق الفيلم إيرادات مرتفعة في أسابيع عرضه الأولي. بدأ الأسبوع الماضي عرض فيلم أحمد حلمي الذي كان جمهوره في حالة شوق وانتظار لمتابعته ، وكالعادة حقق الفيلم إيرادات ضخمة في الأسبوع الأول، وفي حركة جريئة بدأ عرض فيلم السقا "الديلر"، مع فيلم الثلاثة يشتغلونها لياسمين عبدالعزيز، وازدحمت دور العرض بأربعة أفلام مصرية جديدة دفعة واحدة! وحتي الآن لم تقرر الشركة العربية موعد نزول فيلم اللمبي 8 جيجا لمحمد سعد، أو فيلم أحمد مكي لاتراجع ولا استسلام وإن كنت أظن أن ضيق الوقت سوف يدفع الشركة العربية، موزعة الفيليمن لعرضهما خلال الأسبوعين المقبلين ! ❊ ❊ ❊ تراهن ياسمين عبد العزيز بنفس الأدوات التي أدت إلي نجاحها التجاري مع فيلم الدادا دودي، حيث تظهر في فيلمها الجديد مع نفس العناصر "مجموعة من الأطفال الأشقياء وصلاح عبد الله" وتظهر ياسيمن في إطار بعيد تماما عن الأنوثة وتفضل أن تكون همجية وفوضوية وشقية وقريبة من تصرفات الصبية، وهي تسعي لجذب جمهور الأطفال، وهم نسبه لابأس بها بين جمهور سينما الصيف، أما أحمد السقا فهو يراهن علي العناصر التي يجيد تقديمها ، وهي حركات الأكشن وعالم تجارة المخدرات ومايحيط به من مخاطر ومغامرات، ولكنه غالبا لايراهن علي التمثيل!! ويشاركه للمرة الأولي خالد النبوي، وهو خصم لايستهان به، وخاصة أنه يتقن حرفة التشخيص ويستطيع حتي في إطار الأفلام التجارية أن يلفت النظر لموهبته كممثل، وهذا مايزعج بعض زملائه في العمل ، ولكن أعتقد أن نتيجة المباراة بين السقا والنبوي سوف تكون في صالح الفيلم الذي أخرجه أحمد صالح! أما أحمد حلمي فقد بدا غير موفق هذه المرة في اختياراته، ومع ذلك فإن أصدقاءه وحلفاءه من الصحفيين ، سارعوا بتدعيمه، وخصصوا صفحات من جرائدهم للتأكيد علي أن فيلم عسل أسود من التحف الفنية التي لايجود الزمن بمثلها إلا قليلا، وأعتقد أن هذا التصرف الذي يشبه حب الدبة التي قتلت صاحبها، فإن المديح الزائد في غير مكانه ، لن يفيد أحمد حلمي بل يمكن أن يضره، وليس معني ذلك أن عسل أسود فيلم رديء، ولكنه ليس أفضل مايمكن أن يقدمه أحمد حلمي الذي اشتهر بذكائه بالإضافة الي موهبته طبعا! ❊ ❊ ❊ فيلم "عسل أسود" كتب له السيناريو والحوار خالد دياب، وأخرجه خالد مرعي ، وسوف تتأكد من أن الفيلم صناعة مصرية خالصة وليس له أي مصدر أجنبي ، لأن قضيته وموضوعه وأحداثه لايمكن أن تحدث في أي مكان آخر في العالم سوي في مصر أم العجائب! وأحداث الفيلم لاتحمل أية مفاجآت ويمكن توقعها بسهولة، لأننا نعيشها ونسمع عنها كل يوم وسبق تقديم تنويعات عليها في أكثر من عمل فني ، ورغم ذلك فالجمهور لن يفقد متعته أثناء المشاهدة، قصة الفيلم تدور حول مواطن مصري اسمه مصري سيد العربي، وهو اسم متعسف ، والغرض منه التعبير عن ارتباط الشاب بأصوله المصرية رغم أنه هاجر مع أسرته للولايات المتحدة وعاش بها لأكثر من عشرين سنة، حصل خلالها علي الجنسية الأمريكية، وعند عودته لم يفكر في اصطحاب الباسبور الأمريكي واكتفي بالمصري، علي أساس أنه لن يحتاج لغيره طالما هو في زيارة لبلده الأم! ولكنه وبمجرد أن يضع قدمه علي أرض مصر الحبيبة، يلقي معاملة سيئة من الجميع ويعتقد أن تلك المعاملة التي تحمل بعض التجاوز والمهانة تحدث له بصفة خاصة، ولكنه بعد أن يمضي عدة أيام في القاهرة يكتشف أن الأمر عادي خالص، وإن كل المصريين سواء أمام رجال الشرطة الذين يجدون المتعة في إهانة المواطن وإذلاله! بل يكتشف أن كل واحد في مصر، يستغل غيره، أو يبتزه أو ينصب عليه، طالما يستطيع ذلك، وأول نموذج يلقاه مصري"أحمد حلمي" هو سائق التاكسي »لطفي لبيب« الذي ينصب عليه ويقنعه أن الدولار الأمريكي يساوي اتنين جنيه، وإن زجاجة المياه المعدنية بثلاثين جنيها، وأن ساندويتش الفول بخمسين جنيها! وبعد أيام صعبة وظروف مريرة يمر بها المواطن المصري العائد من أمريكا، يتأكد أن باسبوره المصري لن يحميه من البهدلة، فيرسل في طلب الباسبور الأمريكي فيصل إليه في البريد السريع بعد يومين، فيقوم بالتخلص من الباسبور المصري، معتقدا أنه أصبح معه مايحميه ويجعله مواطن سوبر، لاتمتد إليه أيدي المعتدين، ولكن يحدث أن يتورط "أحمد حلمي"في مظاهرة ضد الغزو الأمريكي في العراق، وبمجرد أن يعلم المشاركون في المظاهرة أنه يحمل الجنسية الأمريكية، ينهالون عليه ضرباً وركلاً حتي يفقد وعيه، وعندما يفيق يكتشف ضياع باسبوره الأمريكي ونقوده وكل مايثبت شخصيته، ويفشل في تسديد حساب الأوتيل، الذي يقيم فيه، ويجد نفسه مضطرا للجوء للشخص الوحيد الذي يعرفه في مصر وهو سائق التاكسي النصاب "لطفي لبيب" الذي يردد دائما أن مصر عبارة عن "أوضة وصالة" ، يعني الناس لازم حاتتقابل تاني ! ويقرر مصري أو أحمد حلمي اللجوء للسفارة الامريكية طلبا لجواز سفر جديد، ولكنه يجد نفسه في حاجة لاستخراج بطاقة الرقم القومي، ويخضع لابتزاز الموظفين الذين يطلبون الرشوة "عيني عينك"وكأنها حق مكتسب!ويفكر أحمد حلمي في البحث عن منزل الأسرة التي عاش فيها سنوات طفولته، ويجد شقته كما هي لم تمتد لها يد المعتدين، وتستضيفه أسرة الجيران، ليقضي معهم بعض الوقت حتي يتم تحديد موقفه واسترداد باسبوره الأمريكي ، ومع تلك الأسرة يعيش مصري وكأنه بين أفراد عائلته، ويشعر بالدفء الذي يفتقده، ويتأكد أن الشعب المصري لايزال يحتفظ ببعض صفاته التي طمستها الظروف القاسية التي مر بها خلال الثلاثين عاما الأخيرة، ولأن مصر هي أمي ، ونيلها هو دمي فلابد أن تتوقع أن أحمد حلمي لابد وأن يعود مرة أخري رغم أن الطائرة قد أقلعت به إلي أمريكا! ورغم أن هناك ثغرات كثيرة في سيناريو خالد دياب إلأ أن سحر أداء أحمد حلمي يغفر للفيلم هذا الأسلوب المباشر في طرح القضية ، كما قدم لطفي لبيب أحد أهم أدواره في السنوات الاخيرة، أما إيمي سمير غانم فقد ظهرت في ثلاثة مشاهد فقط ومن خلالها أكدت حضورها الطاغي وخفة ظلها التي تؤهلها لأدوار أكثر أهمية.