علينا أن نحل مشاكلنا ونناقش قضايانا بحكمة وهدوء، وبعيدا عن التوتر العصبي، فليكن الحوار وسيلتنا إلي التفاهم ومعرفة الحقيقة حتي يصبح مرآة صادقة لمطالبنا العادلة، ويقتنع الطرف الآخر بوجهة نظرنا، فللحوار آداب وأصول، لكنه كان غائبا بالنسبة لقضية المواطن المصري أحمد الجيزاوي المحجوز في السعودية والهجوم علي سفيرها بالقاهرة أحمد عبدالعزيز قطان وكذلك في التنديد بالحكم القضائي الصادر بحبس الفنان عادل إمام! لابد أن نكشف وجه الحقيقة بالنسبة للذين يتشدقون بالدفاع عن حرية الإنسان، ويتجاهلون أحكام القضاء وإجراءات الضبط، مرددين الشعارات الجوفاء، والهتافات الرنانة، وكأننا نعيش في غابة منعزلة عن مبادئ القانون والعدالة، ويغيب الضمير في مظاهرات واحتجاجات سياسية صاخبة، وبعيدة كل البعد عن المطالبة بالحق المشروع.. الحوار هو أعظم سلاح للقضاء علي الاختلاف في وجهات النظر، ولهجات العداء والصراعات وتبادل الاتهامات والتجريح بين الأشقاء، لابد أن يتسم بالتعقل وسعة الصدر والمرونة بضوابط تحول الممارسة العشوائية إلي نقاش هادف منظم! لكن (للأسف الشديد) استطاعت فئة محددة أن توظف لغة الحوار لصالح الفوضوية والغوغائية وتعطيل مصالح الناس والمرور والمشاة بسبب هذا التجمهر والزحام وبصورة غير حضارية.. حدث ذلك في الأسبوع الماضي عندما احتشدت بعض المظاهرات والاحتجاجات أمام مقر السفارة السعودية بالجيزة تطالب بالإفراج عن المحامي المصري أحمد الجيزاوي المحتجز في المملكة السعودية بسبب وجود أحكام غيابية سابقة عليه بالسجن والجلد، وبأن السلطات السعودية ألقت القبض عليه بمطار جدة لتطاوله علي حكامها، وطالب المتظاهرون بطرد السفير السعودي أحمد عبدالعزيز قطان من مصر! إلي أي مدي طالت »الغرابة« مطالبهم، فلو أراد أي مواطن تأدية العمرة والحصول علي »تأشيرة« مع مجموعة أو شركة سياحية، فلابد أن يتم ذلك عبر سلسلة من الإجراءات في مقدمتها أن جواز سفر المواطن يمر أولا علي الأمن العام في مصر، وبالتنسيق مع الأمن السعودي طبعا للاستعلام علي شخصية هذا المواطن، وإذا كانت عليه أحكام غيابية سابقة.. أم لا؟.. ثم نفترض أن السعودية إذا كانت مختلفة سياسيا مع شخص »ما« بسبب هجومه علي حكامها.. لماذا تعطيه التأشيرة »أصلا« وهو حق أصيل لسفيرها في القاهرة؟!!! وكانت المفاجأة علي لسان »سفيرنا« في الرياض محمود عوف: لاتوجد أي أحكام غيابية سابقة بالسجن أو الجلد ضد أحمد الجيزاوي، وبأن السلطات السعودية ألقت القبض عليه بمطار جدة الدولي وبحوزته حبوب مخدرة مخبأة في علب لألبان الأطفال، وبأن المتهم أقر بأن تلك الحبوب تخصه! وعندما تصاعدت الهتافات من المتظاهرين والمحتجين، وحولت القضية من »جنائية« إلي »سياسية« وحولوا المتهم بالتهريب إلي ناشط سياسي، اضطر سفير السعودية بالقاهرة أحمد عبدالعزيز قطان إلي إعلان تفاصيل أكثر عن سبب إلقاء القبض علي »الجيزاوي« أنه يحمل 12 ألف قرص من دواء »زاناكس« والذي يصنف علي أنه مادة مخدرة ويخضع لنظم التداول الطبي، وكانت بعض الأقراص مخبأة في علب حليب الأطفال المجفف، والبعض الآخر مخبأة في محفظتي مصحفين شريفين، وبعد ضبط هذه المهربات قامت سلطات الجمارك السعودية بتسليم المواطن والمضبوطات إلي هيئة مكافحة المخدرات التي أحالته بدورها إلي هيئة التحقيق والادعاء في السعودية، وتم إخطار السفارة المصرية في الرياض بكل هذه التفاصيل، وبأن زوجة المتهم أخلي سبيلها وأدت مناسك العمرة! ومازالت ردود الفعل الغاضبة تحتل بعض الحناجر رغم إعلان السفيرين المصري والسعودي وأتساءل: وماذا لو ضبطت سلطات مطار القاهرة مواطنا سعوديا يهرب مواد مخدرة إلي بلادنا.. هل كنا سنرحمه ؟! .. لنضع القضية كاملة أمام سلطات التحقيق. وبشكل عام فنحن نرحب بتحقيق اللجنة التي شكلتها نقابة المحامين مؤخرا لمتابعة هذه القضية التي شغلت الرأي العام لاستبيان الحقيقة.. نحن ننصف الحقيقة مع أي طرف. والغريب في أمر هذه القضية والذي أضحكني كثيرا أن المزايدات من قبل المرشحين لرئاسة الجمهورية عندنا ارتفعت بشكل لافت لكسب أصوات الناخبين : عمرو موسي يتصل بسعود الفيصل للإفراج عن المعتقل، وحمدين صباحي يندد بأنه لو كان رئيسا للجمهورية لأرسل طائرة خاصة تعيد »الجيزاوي« إلي وطنه، ورجل الشارع.. وأقصد المواطن المصري الطيب.. هل تنطلي عليه هذه »المزايدات«؟! أما القضية الأخري التي غاب فيها أدب الحوار، أنه قد صدر حكم قضائي ضد الفنان عادل إمام بتأييد حبسه مع الغرامة لاتهامه بازدراء الدين الإسلامي من خلال أعماله الفنية بناء علي جنحة مباشرة قدمها أحد المحامين ضده، والغريب فعلا أن أري تلك الاحتجاجات والمسيرات علي الحكم.. هل تشككون في نزاهة القضاء الذي أصدر الحكم.. أم ماذا؟ وإذا كان عادل إمام نفسه قدم استئنافا في القضية، ورفض التعليق علي الحكم الذي صدر برئاسة المستشار محمد عبدالمعطي.. فماذا يريد المحتجون وأصحاب تلك الشعارات: هل هم »ملكيون« أكثر من الملك؟!!! وأخيرا: لقد حصل الفنان الكبير عادل إمام أمام دائرة أخري علي حكم برفض دعوي ضده طبقا للقانون والقضاء.. وليس بحناجر المظاهرات والاحتجاجات وسد الطرقات، وتوقيف مصالح العباد!.