ما هذا الضياع.. وما هذه الفوضي والضبابية التي نراها اليوم تسيطر علي أحوالنا السياسية وأوضاعنا الاجتماعية والأمنية وقبل كل شيء الأخلاقية.. نعم الأخلاقية حتي أصبحت البلاد علي شفا حفرة وأصبح المستقبل مظلما ومجهولا. اتقوا الله ياقوم في وطنكم وفي ضمائركم وفي دينكم الذي أنتم إليه داعون وراكعون وساجدون.. إن الإسلام ليس مجرد صوم وصلاة وزكاة وتربية اللحي وإنما الإسلام هو المعاملة والأمانة والصدق في القول واحترام الآخر في فكره وعقيدته وهي القيم العظيمة والمفاهيم النبيلة التي دعا إليها الإسلام وكل الأديان السماوية وهي ما يطلق عليها الآن في عصرنا الحديث مبادئ حقوق الإنسان. ما هذا الذي نشهده الآن علي الساحة السياسية من صراع محموم علي السلطة وخاصة ما يتعلق بمنصب (رئيس الجمهورية) هذا المنصب الرفيع الذي تقدم لسحب أوراق الترشيح له، أكثر من ألفي مواطن لأنه لم تكن هناك معايير أو ضوابط حاكمة ترتقي إلي مستوي هذا المنصب حتي رأينا (كل من هب ودب) يتقدم لسحب أوراق الترشح من بوابين وميكانيكيين وحلاقين وتربية وراقصين.. وربما يقول البعض إن هذه هي الديمقراطية ولكن ليس بهذا الأسلوب المتدني الذي كان مثارا للتندر والسخرية لدي المواطنين في مختلف أجهزة الإعلام في الداخل والخارج لهذا المنصب العظيم. ولا شك أن من أهم أسباب هذا السعي المحموم لهذا المنصب من كل المستويات إلي جانب غياب المعايير هو أيضا عدم تحديد مسئوليات واختصاصات رئيس الجمهورية المرتقب والذي من المفترض أن ينص عليها في الدستور الجديد الذي لم يتم وضعه بعد بسبب المشاكل والعقبات التي وضعتها أحزاب التيار الإسلامي وإصرارهم علي السيطرة والهيمنة علي اللجنة التأسيسية التي ستختار لجنة إعداد الدستور والتي صمموا علي أن تكون بهذه التركيبة غير الموضوعية وغير المتزنة لكي تخدم مصالحهم وأهدافهم 50٪ من داخل البرلمان حيث لديهم الأغلبية العددية و50٪ من خارجه وظلوا متمسكين برأيهم ومصرين عليه برغم كل الجهود التي بذلت لإحداث التوازن المطلوب إلي أن صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بمخالفة تشكيل اللجنة علي هذا الشكل لنصوص الإعلان الدستوري وهو ما كانوا يعلمونه مسبقا ولكنهم كانوا يتجاهلونه بسبب العناد القاتل والرغبة الجامحة في الاستحواذ والسيطرة الكاملة علي أجهزة ومؤسسات الدولة كافة.. والحقيقة أن تشكيل اللجنة علي هذا النحو لم يكن يليق أبدا بوزن وقدر مصر كأقدم دولة في التاريخ ووضعها الاستراتيجي في عالمها العربي والأفريقي والإسلامي ولا بتاريخها النيابي والدستوري ابتداء من دستور عام 1923 الشهير الذي يحظي بتقدير لدي مختلف المحافل القانونية والدستورية في العالم.. إلي جانب هذه الثروة العلمية والقانونية الهائلة من أساتذة وخبراء القانون الدستوري المشهود لهم عالميا والذين شاركوا في العديد من دساتير الدول العربية والإفريقية. والأمل معقود علي أن يكون حكم اللجنة الإدارية العليا والذي كان بمثابة صفعة قوية لهذه القوي السياسية التي كانت تسعي للتحكم وتصر علي الاستحواذ أن تفيء إلي رشدها وتحكم لغة العقل والمنطق وتحترم القانون والدستور الذي ينبغي أن يسري علي الجميع وأن تضع المصالح العليا للوطن في مقدمة أولوياتها وتعليها علي مصالحها الحزبية والعقائدية الضيقة وأن تسعي جاهدة إلي العمل بمبدأ المواءمة وليس المغالبة وتتعامل وتتعاون مع كافة التيارات والقوي السياسية الأخري لما فيه صالح أبناء هذا الوطن كافة.. كما ينبغي عليها أن تستفيد من دروس الماضي والنظام السابق الذي أسقطه الشعب يوم 25يناير وألا تتعامل بنفس المنطق والأساليب التي كان نهايتها السقوط إلي الهاوية بعد أن فقدت ثقة وتقدير الناس. وليعلم الجميع أن الثورة ليست هدفا في حد ذاته.. وإنما هي وسيلة فاعلة للتغيير إلي الأفضل والأعظم من أجل صالح أبناء هذا الوطن.. كما أن الإيمان الحقيقي بالثورة والإخلاص لها هو العمل بصدق وأمانة وإخلاص وتجرد لتحقيق أهدافها التي نادي بها الثوار الحقيقيون في فجر الثورة ألا وهي (حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية).. والحرية الحقيقية هي أن نحترم ونحافظ علي حرية الآخرين شركائنا في الوطن وأن نحترم الرأي والرأي الآخر وأن نؤمن بتداول السلطة.. والديمقراطية تستوجب منا أن نرسخ مفاهيم ومبادئ الدولة المدنية الحديثة التي يسود فيها القانون والدستور ومبادئ حقوق الإنسان التي دعت إليها الشرائع السماوية والقوانين والمعاهدات الدولية كافة. وعلي الجميع أيضا أن يعلم أن هذا الشعب العظيم قد استيقظ ووعي بعد أن سقط عنه حاجز الخوف وأصبح يميز جيدا بين الغث والسمين بين الصدق والمراوغة بين الصالح والطالح وأن الكلمات الرنانة والخطب العصماء التي تقوم علي الغش والخداع لم تعد تنطلي علي أحد في هذه الأيام مثلما كان الحال في سنوات سابقة ولذلك فإنه ينبغي علي من بيدهم الأمر الآن الصدق في الأداء والعمل بأمانة وشفافية والتخلي عن محاولات السيطرة والهيمنة وفرض القوة علي الآخرين وهو ما شاهدناه الأسبوع الماضي من أنصار التيار السلفي أمام مجلس الدولة في محاولة لإرهاب القضاة من أجل إصدار حكم لصالح مرشح الرئاسة الشيخ أبوإسماعيل فيما يتعلق بجنسية والدته ثم التجمهر مرة أخري أمام مقر اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية مما اضطر القضاة إلي ترك مقر اللجنة خوفا علي حياتهم والحقيقة أن هذا جدل عقيم ومبتذل لا يليق أبدا بقدسية القضاء المصري ولا سمعة شخص المرشح ولا بقوة ومركز الدولة بسلطاتها المختلفة. نعم للشرعية الثورية التي نقدسها ونجلها ونحترمها والتي لا تعني أبدا الفوضي والخروج علي القانون وقطع الطرق وترهيب المواطنين والإضرابات والاعتصامات وتعطيل قواعد الإنتاج والتناحر بين القوي والتيارات السياسية المختلفة وتبادل الاتهامات بالخيانة والغدر مثلما يحدث الآن بين التيارات والائتلاف الثورية وجماعة الإخوان المسلمين والتي يتهمونها بأنها قفزت علي الثورة وخانت الثوار وهو ما جعلهم يحجمون عن المشاركة في مليونية جمعة حماية الثورة وتمسكهم بتنظيم مليونية أخري الجمعة القادمة. والشرعية الثورية لا يمكن أبدا ولا يجوز أن تقف حائلا دون تحقيق الشرعية الدستورية التي يجب أن نسعي جميعا إلي تثبيت أركانها حتي لا يأتي فريق ويستحوذ علي مقدرات هذا الوطن ويستأثر بها دون التيارات الأخري ونقع فيما جري قبل الثورة وما بعدها من أوضاع وظروف سياسية واجتماعية غير مقبولة بل مرفوضة وثار عليها الشعب في النهاية وحتي لا نجد من يهدد بضرورة فرض رأيه وسيطرته وإلا سيكون هناك بحار من الدم. ونظرا لأهمية الدستور علي مستقبل هذا الوطن فإننا يجب أن نركز كل جهودنا علي إعداد الدستور بالشكل الذي ترضي عنه جميع الأطراف أي دستورا توافقيا متزنا يمثل جميع أطياف المجتمع حتي وإن اضطررنا إلي تأجيل انتخابات الرئاسة عدة أشهر وحتي لا نقع مرة أخري في الخطأ (الدستور أم انتخابات البرلمان أولا) والذي أدخلنا في مشاكل ودوامات سياسية طوال الأشهر الماضية ذلك أننا بصدد بناء دولة حديثة متطورة تستحق منا كل الاهتمام والوعي.