تبدو الضجة حول ما قاله النائب زياد العليمي في حق المشير حسين طنطاوي القائد الأعلي للقوات المسلحة مفتعلة.. أو إن شئنا الدقة هي أزمة »مستغلة« و»موظفة« فهناك من انتهز الفرصة للاصطياد في الماء العكر انعكس ذلك بشكل واضح في ردود الأفعال المبالغ في حماستها والمبالغة في شدتها للمطالبة بعقاب العليمي. فالتربص واضح لاستهدافه.. وجاءت تصريحاته عن »الحمار والبردعة« ليجدها المتربصون فرصة للدفع به إلي التحقيق.. بالرغم من عدم قانونية هذا الإجراء.. فلا يجوز معاقبة النائب إلا علي ما يقوله أمام البرلمان.. لكن الأغلبية في البرلمان أصرت علي العقاب. بالطبع كنت أربأ بالعليمي ألا يمنحهم هذه الفرصة.. وإن كنت أري أن صيغة الاعتذار التي قدمها للمجلس تكفي لتجاوز الأزمة إذا ما توفرت النية لذلك.. لكن العكس هو ما حدث وبدا واضحا لكل من تابع جلسات مجلس الشعب أن هناك تعنتا من قبل عدد كبير من النواب لمعاقبة زياد. وأتعجب لماذا لم يوجه هذا الحماس وكل هذه السرعة وهذه القوة في الرأي لمعاقبة قتلة الثوار واسترداد حق الشهداء وسن التشريعات الكفيلة بحل المشاكل الاقتصادية والإسراع في تطبيق الحد الأدني والأقصي ومحاسبة الحكومة بشكل أكثر جدية حتي نشعر أن برلمان ما بعد الثورة هو بالفعل معبر عن آمال وطموحات الشعب فيه. الميزان المختل والآية المقلوبة في رأيي هو السر وراء أزمة العليمي.. هو الذي جعله مصرا علي الصيغة التي قدم بها الاعتذار ورآها الحد الأقصي التي يسمح به ضميره. ضمير العليمي كثائر حمل حياته علي كفه هو أيضا ما دفعه إلي ما قاله واعتبره البعض تجاوزا.. بالطبع كان عليه أن يدرك أن أداء ومفردات النائب تختلف عن أداء ومفردات الثائر.. وإن كانت المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد تجعل من الصعب الفصل بينهما.. فالوضع المأزوم والآية المقلوبة والثورة التي شابت ولم يزد عمرها علي عام كل ذلك يدفع إلي الغضب.. وهو أيضا ما دفع النائب الثائر إلي الاحتجاج ربما خانه التعبير لكن من المؤكد أن الهدف من وراء ما فعل هو إيقاظ العقول التي أدمنت الكسل وتحريك المواقف التي أدمنت التخاذل وإثارة النفوس التي تتعمد ألا تري الصورة علي حقيقتها.. الصورة التي يبدو فيها المجلس العسكري علي طرف نقيض مع الثورة.. يدعي حمايته لها بينما يشهد رئيسه أمام المحكمة بأن مبارك لم يطلب منه إطلاق الرصاص علي المتظاهرين!! يكشف العسكر عن عذرية الفتيات ثم ينكرون ذلك.. يدهس المتظاهرين بمدرعاته وتسيل دماؤهم وتتناثر أشلاؤهم وتطير جماجمهم ويعلق الجريمة علي الطرف الثالث!! يقتل المتظاهرين بدم بارد ثم يشير بأصابع الاتهام إلي اللهو الخفي.. يعري ويسحل فتاة ثم يدعي أن الصورة مفبركة ولما فشلت أكذوبتهم أنقذهم جوقة التطبيل بحجة مضحكة.. وإيه اللي وداها هناك!! غض العسكر الطرف عن مذبحة استاد بورسعيد وساندهم آخرون لم يملكوا شجاعة تحميلهم المسئولية.. لكن العليمي فعلها عندما حمل المجلس العسكري المسئولية وطالب باستدعاء المشير طنطاوي لسؤاله عما حدث. ضمير العليمي هو ما دفعه للغضب والثورة محاولا إظهار الصورة وإيقاظ الغافلين الكسالي ممن ارتضوا السلامة الزائفة والسير بجوار الحائط.. من استمرأوا الخنوع لأولي الأمر باعتبار طاعتهم واجبة شرعا متناسين أن أعلي درجات الإيمان هي قول الحق عند سلطان جائر. النائب إذا أراد قول الحق ربما خانه التعبير بفعل الغضب وبفعل ردود الأفعال التي لا تسر ثائرا ولا حتي عضوا بليدا في حزب الكنبة.. وبفعل سياسة الكيل بمكيالين التي تحاسب البعض متعمدة وتغض الطرف عن آخر بقصد. غض النواب الطرف عن تجاوز النائب مصطفي بكري عندما اتهم الدكتور محمد البرادعي المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية بالخيانة والعمالة.. وغضوا أيضا الطرف عندما اتهم آخرون النائب محمد أبوحامد بالفسق وإن جاء الاتهام مبطنا بالاستعانة بالآية الكريمة »إن جاءكم فاسق بنبأ« ردا علي ما قام به أبوحامد بعرضه الخرطوش كدليل يكذب به ادعاء وزير الداخلية بأن رجاله لم يطلقوا أي خرطوش علي المتظاهرين!! ألا يستحق كل ما سبق الغضب.. ألا تدفعنا الظروف المحيطة بنا إلي فقد أعصابنا والتجاوز باللفظ أمام مشهد يزداد تأزما وثورة مجهضة وأحلام تغتال ودماء تراق.. قبل أن نسرع بمحاسبة النائب الغاضب من وضع لا يسر.. علينا أن نحاسب بنفس الحماس من قتل ودهس وسحل وانتهك عرض وفقأ أعين وشوه الثوار وأدخل البلاد في متاهة سياسية ودستورية وقانونية يبدو الخروج منها ليس بالأمر السهل.. ويبدو معها الحلم بسرعة تسليم العسكر للسلطة، أملا بعيدا.. في ظل طعون تجعل شرعية البرلمان علي كف عفريت وتجعل من الجمعية التأسيسية التي يشكلها معرضة لشبهة عدم الدستورية.. ويعيدنا كل ذلك إلي شهور للوراء ربما نجد أنفسنا مضطرين لإعادة الانتخابات البرلمانية من جديد ونستهلك شهورا أخري في جدل حول الجمعية التأسيسية وشهورا مثلها لفض الجدل حول المادة 82 المتعلقة بحق الطعن علي قرارات اللجنة المشرفة علي الانتخابات الرئاسية. لكن للأسف كل هذه الخطايا التي تسد عين الشمس يتعمد البعض غض الطرف عنها ولا يرون سوي القشة في عين العليمي فيشدد أعضاء البرلمان في محاسبته ويندفع المواطنون الشرفاء لتقديم البلاغات ضده أمام القضاء العسكري.. في تناقض يبدو صارخا لا يدفع فقط لانفلات لفظي وإنما إلي انفلات عقلي من المؤكد أنه يؤدي بنا إلي الجنون.