يعيش العالم هذه الأيام ظروفا مناخية قاسية ولعلنا في مصر لم نشهدها منذ سنوات طويلة تختلف ظروف تحملها بين الشباب ومن تقدم بهم العمر وإن اتفق الجميع علي صعوبتها ، ففي أوروبا غربا وشرقا سقط المئات من الضحايا خاصة كبار السن ومن الفقراء والمشردين وكذلك المئات في روسيا والهند وأفغانستان وفيضانات في استراليا وزلزال في الفلبين وكذلك الحال في القارة الأمريكية شمالا وجنوبا ، موجات الصقيع طالت أيضا المنطقة العربية التي شهدت أحوالا مناخية قاسية لم تعهدها من قبل خلفت وراءها عشرات الضحايا من المحيط إلي الخليج ، لكن من لم يمت بالبرد مات بغيره! في المنطقة العربية جاءت ثورات الربيع العربي بمثابة الصدمة لكل من عرف طبيعة هذه المنطقة وشعوبها فقد استيقظ المارد دون سابق إخطار أو إنذار فامتدت الثورات من الغرب إلي الشرق في شتاء العام الماضي واتسعت دائرتها عبر الفصول الأربعة ، ثلاث ثورات (تونس ومصر وليبيا) نجحت في إزاحة رؤوس أنظمتها لكنها ماتزال في فصولها ومراحلها الأولي ومازالت تكافح بقايا النظام القديم في كل منها بينما تشتعل ثورتان في الجوار العربي (اليمن وسوريا) من أجل النهاية الطبيعية وتقترب الثورة اليمنية من هدفها بينما تجري حملة إبادة جماعية في سوريا علي يد نظام دموي لكن مصيره المحتوم وهوالزوال قد أصبح قاب قوسين أو أدني وكما تواجه أوروبا وباقي العالم ثورة الطبيعة علي مااقترفته يد الإنسان من تلويث وتدمير وإخلال بعناصر التوازن البيئي الذي حافظ لمئات بل آلاف السنين علي استقرار المناخ ليسقط المئات من الضحايا ، فإن المنطقة العربية يتساقط البشر ليس بفعل الطبيعة وحدها ولكن علي أيدي بشرلايتمتعون بأي من الصفات البشرية ولاينتمون للإنسان الذي كرمه الله وميزه وفضله وخلقه في أحسن تقويم ، ثورة غضب من الطبيعة يكون البشر من ضحاياها في جهات العالم الأصلية وثورة غضب بشري بشري ضد الطغيان في المشرق والمغرب العربي لكنها جميعا تمر بشتاء ساخن من الأحداث والضحايا الذين يتساقطون في الثورات التي تواصل سعيها نحو تحقيق أهدافها رغم الصعاب والعقبات والمنحنيات الخطيرة التي تمر بها في تلك المسيرة الشاقة ، يخسر الاقتصاد العالمي أكثر من نصف تريليون دولار نتيجة هذه الموجات القاسية من البرودة ، لكن العرب يخسرون إلي جانب الخسائر المادية دماء غالية زكية سالت وماتزال من مئات بل آلاف الشهداء الذين تحصد أرواحهم آلة القتل الأكثر وحشية خاصة في سوريا التي يأمل نظامها الوحشي الدموي في تجاوز رقم الأب (حافظ الأسد) في ثمانينيات القرن الماضي ( 40 ألف شهيد في مجزرة حماة الكبري) لكي يضمن بصمت الشعب وإخضاعه البقاء، لكن صمود السوريين وإصرارهم هذه المرة سيقود هذه الطغمة الباغية إلي سلة مهملات التاريخ للأبد مصحوبين بلعنات الثكلي والمكلومين وربما سيري العالم في القريب نهاية ستكون أكثر عنفا للأسد الابن من المشهد الأخير للقذافي لما جنته يداه من قتل وسفك لدماء السوريين بدم بارد ولأن القاعدة الأصيلة أن من لايَرحم لايُرحم، اليمن علي أعتاب تغيير بعد رحيل علي عبد الله صالح للخارج وإن كانت هناك فصول أخري في الصراع علي الطريق كي تصل الثورة لخطوتها الحاسمة في تحقيق أهدافها ، الثورة الليبية هي الأخري في مفترق طرق فما تزال فلول النظام تثيرالغبار في طريق تلك الثورة وخاصة النزعات القبلية في مرحلة تضميد الجراح والبدء في بناء دولة بعد أن خرب القذافي كافة مؤسساتها وجعلها في يد ماأسماه باللجان الشعبية وأهدر ثروات البلاد في مغامراته الجامحة !! أما في مصر فبعد عام من الثورة التي أطاحت برأس النظام فما يزال الوضع ضبابيا ولايكاد يمر أسبوع دون حدوث أزمة تقترب من الكارثة تستقطب اهتمام الناس وضيقهم وغضبهم وشعورهم بالقلق علي مستقبل البلد ، وقائع دامية كان أحدثها مذبحة بورسعيد وماتلاها من مواجهات في محيط وزارة الداخلية والدعوة للإضراب والعصيان ، إعلام منفلت يثير العواصف لاتحكمه ضوابط أخلاقية أو مهنية يمول جانبا كبيرا منه من ارتبطوا بالنظام القديم وحققوا من خلاله ثرواتهم ، انقسامات بين الشباب وباقي الشعب تكاد تكون صراعا بين الأجيال جيل ثائر يريد تحقيق طموحاته في زمن قياسي ويرفض الحلول الوسط ويصل المدي ببعض من يمثلونه إلي التجاوز اللفظي والمادي ، بقايا نظام تتمسك بفرصتها الأخيرة وتدافع عنها باستماتة وتطهير بطيء لهذه الفلول التي تستغل أضعف مفاصل المجتمع لخلق أزمات وإحداث كوارث بهدف إبقاء الوضع علي ماهو عليه وربما إعادة عقارب الساعة للوراء ، عملية سياسية سارت بتباطؤ غريب وارتباك أطال من فترة المرحلة الانتقالية وزاد من المخاوف تجاه استقرارالأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ، ملفات مفتوحة في كل الاتجاهات من تحقيقات طال أمد الوصول لنتائج فيها ومحاكمات تمتد لشهور طويلة وسط مخاوف من انتهائها بأحكام قضائية صادمة لعدم كفاية الأدلة لأن الأجهزة التي ارتبطت بالنظام القديم وماتزال تمسك بدفة الأمور أفسدت وأتلفت أدلة الاتهام ضد من أفسدوا أو أصدروا الأوامر بالقتل أو التعذيب ! ثورة مصر تسير وسط عواصف وموجات مد وجزر وانفلاتات إعلامية وسياسية وأمنية لايمكن إنكارها أو التغافل عن وجود تربص من دوائر داخلية وخارجية تستهدف إسقاط الدولة وإجهاض الثورة عواصف وموجات الصقيع تعصف بالعالم ورياح الغضب تعصف بأنظمة الاستبداد في عالمنا العربي لكن المخاوف تكمن في الرياح العكسية التي يمكن أن تقتلع ما نجحت تلك الثورات في تحقيقه في بداياتها !! كلمة أخيرة النجاح هو القدرة علي الانتقال من فشل إلي فشل دون أن تفقد حماسك (ونستون تشرشل)