بعد ثورة الياسمين في تونس التي دامت قرابة الشهر انفجرت ينابيع ثورة 25 يناير في مصر التي أطاحت برأس النظام في أقل من ثلاثة أسابيع وسرعان ماامتدت موجات الثورة شرقا وغربا ففي ليبيا كسر شباب17 فبراير حاجز الصمت الذي ظل شعبها خلفه لأكثر من أربعة عقود من الزمن لو نظر أحدهم للمرآة لوجد وجه الأخ قائد ثورة الفاتح الذي أغلق في وجوههم سبل الحياة الكريمة التي تليق بهم واليمن الذي يسعي أن يكون سعيدا ماتزال انتفاضته مستمرة ضد النظام وحتي العراق الذي مايزال محتلا ومحاصرا بالطائفية والقمع والفقروالفساد هب يريد الإصلاح كبداية لتطوير الشعار إلي إسقاط النظام أما باقي دول العرب فتنتظر شعوبها دورها في إزالة أنظمتها الاستبدادية التي منعت نسائم الحرية أن تصل إليهم منذ منتصف القرن الماضي وحتي الآن، العرب يقهرون المستحيل ويتحولون الآن لأمم حية نفضوا عنهم غبار قهر واستبداد وطغيان حكامهم ليقولوا كلمتهم للعالم ويصنعوا تاريخا جديدا فالشعب هو من سيحكم ويقرر مصيره وليس الحكام خلف أسوارالقصور الشاهقة وحاشيتهم الفاسدة !! تبدو ثورة تونس ومن بعدها ثورة مصر أقل دموية مما يجري في ليبيا التي سيكشف النقاب عن تفاصيل مروعة ووحشية عما جري خلال أحداثها فالجيش في كل من تونس ومصر وقف إلي جانب الحق المشروع للشعبين في التغيير ورفض أن يطلق ولو رصاصة تحذير ضد الشعب أما الحالة الليبية فلها خصوصياتها الفريدة فقد انضمت معظم قيادات الجيش الذي حله القذافي لانتفاضة الشعب لكن الجماهير هناك تواجه عدوا آخر هو المرتزقة الذين جلبهم النظام من عدة بلدان أفريقية باعتباره ملك ملوك أفريقيا!! ، وكذلك الوحدات الخاصة التي تحميه ورغم أن بن علي ألقي ثلاثة خطب قبل رحيله وكذلك مبارك فقد تجاوز القذافي العدد دون أن يرحل باعتبار أن مدة حكمه أطول من سابقيه ( 42عاما بينما بن علي 23 عاما ومبارك 30 عاما)!! سلطة الفوضي لقد حول القذافي ليبيا إلي دولة مسخ بدءا من اسمها الذي يعد أطول أسماء الدول في العالم (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي) وألغي كل أشكال الدولة المعاصرة فلا وزارات ولاهيئات ولانظام اقتصادي سواء كان رأسماليا أو اشتراكيا ولاهو نظام ملكي أو جمهوري وإنما اخترع النظرية السياسية الثالثة عام 1975 التي ستحقق الديمقراطية في العالم من خلال الكتاب الأخضر الذي يقدم حلولا لكل شيء وابتكر مايسمي بسلطة الشعب واللجان الشعبية (30 ألف لجنة علي مستوي ليبيا بمعدل لجنة لكل مائة مواطن) والمؤتمرات الشعبية الأساسية التي تسيطر علي كل شيء ثم مؤتمر الشعب العام. ورغم أن ليبيا من كبري الدول المنتجة والمصدرة للبترول عالميا بما تمتلكه من احتياطيات ضخمة من الخام إلا أن الشعب لم يستفد من عائدات البترول التي تشكل نسبة %94 من إيرادات البلاد فالأوضاع المعيشية للشعب ازدادت تدهورا في فترة حكم القذافي بسبب جموح شخصيته في الداخل والخارج حيث تورط نظامه في حادثة تفجير طائرة (بان آم) فوق بلدة لوكيربي عام 1988 وراح ضحيته270 راكبا ودفع تعويضات وصلت لقرابة ثلاثة مليارات من الدولارات بمعدل عشرة ملايين دولار لكل قتيل وتسليمها لأسر ضحايا الحادث مقابل رفع العقوبات عن ليبيا ورفع اسمها من قوائم الدول الراعية للإرهاب ، كما اتهم في حادث طائرة الخطوط الفرنسية (يوتا) فوق النيجر عام1989 وقام بدفع 10 ملايين دولار لكل أسرة من ضحايا الحادث وعددهم170 راكبا، وقام بإنشاء برنامج نووي لتحقيق أحلامه بأن يصبح قوة لها شأنها في محيطه الإقليمي لكن بعد سقوط نظام صدام حسين بالعراق وإعدامه هرول للغرب عام 2004 مقدما كل أجهزة ومكونات وأبحاث البرنامج لواشنطن دون أن يقدم لشعبه والعالم سببا وحيدا لهذا الغموض الذي صاحب إنشاء البرنامج وأيضا تفكيكه وتسليمه بالكامل لواشنطن رغم المليارات من الدولارات التي أنفقت عليه! كما قام القذافي بالتوسع في بناء امبراطورية وهمية تمتد في العمق الأفريقي عبر علاقاته مع زعماء القبائل وتنصيب نفسه ملكا لملوك أفريقيا واتسمت علاقاته العربية بالتوتر واتهم بمحاولة اغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيزعاهل السعودية عام 2003 عندما كان وليا للعهد والملك حسين عاهل الأردن الراحل وكذلك اختفاء المرجع الشيعي اللبناني الإمام موسي الصدر عام 1978 وعدد من معارضيه أمثال عمر المحيشي عضو مجلس قيادة الثورة ووزيري الخارجية السابقين منصور الكيخيا وإبراهيم البشاري وغيرهم كما كانت له علاقاته المريبة بالإرهابي الدولي كارلوس وجبهة البوليساريو والجيش الجمهوري الأيرلندي وحركة إيتا الانفصالية في أسبانيا وغيرها وهي مغامرات كلفت خزانة ليبيا مئات المليارات من الدولارات دون أن يعود ذلك بأي شيء علي شعبه سوي إشباع غروره ومجده الزائف وزعامته الوهمية للعالم العربي والإسلامي والمحيط الأفريقي والدولي وهذا ماتحدث به في خطابه المثير والغريب والبالغ الحمق في بيته بالعزيزية وكذلك خطابه فوق سورالقلعة العثمانية في طرابلس والذي أصبح مثارا لسخرية العالم أجمع ودعا شعبه للرقص والغناء والمرح والاستعداد لجعل ليبيا نارا حمراء !! نحن أمام ثورة ليبية لشعب عاني لأكثر من أربعة عقود من الزمن من استبداد وحماقات وغرور وأوهام رجل تصور نفسه قائدا لمسيرة البشرية فقاد ليبيا إلي المزيد من التراجع في كل شيء حتي صارت خارج حركة التاريخ والمدنية والحضارة فكان للشعب في النهاية أن ينتفض في ثورة تسيل فيها بحور من الدماء لكنها سوف تنتصر في النهاية لتزيح طاغية جثم علي صدور وأنفاس الشعب طويلا وآن أوان إزاحته بالقوة فنحن أمام حالة صارخة للحكم يحتشد بكل ألوان الاستبداد والفساد المرتبط بالمقربين من دائرة النفوذ والتصفية والإقصاء المعنوي والمادي لمن خارجها والفقر وتدهورالأوضاع.. والصورة لاتختلف كثيرا عن باقي أنظمة الحكم العربية خاصة الجمهورية منها والمرشحة أكثر لثورة شعوبها كالجزائر التي بدأت تدخل الدائرة تدريجيا واليمن المشتعلة بمسيرات الغضب والعراق الذي بدأ شعبه مرحلة الإفاقة من سباته العميق بسبب الاحتلال والصراع الطائفي والمذهبي والبحرين رغم خصوصية وضعها بسبب تركيبتها السكانية والطائفية والنار تحت الرماد في سوريا والأردن والمغرب والسودان الجميع يعاني بدرجات متفاوتة لكنها تقود لنفس الحالة من الغضب العارم وانتفاض الشعوب من أجل حقها. المهمة لم تكتمل لاشك أن نجاح ثورتي تونس ومصر في الاطاحة برأسي النظام يعد إنجازا كبيرا لايمكن تجاهله رغم الثمن الباهظ الذي دفعته الثورتان من دماء الشهداء إلا أن هناك شعورا عاما ومسيطرا علي شعبي البلدين أن المهمة لم تكتمل وأن الطريق مازال طويلا كي تتحقق أهداف الثورتين وهو مادعا الثائرين في البلدين لمواصلة الانتفاضة كي يتغير النظامان والتخلص من ذيولهما وكل من شاركوا فيهما من سياسيين واقتصاديين وإعلاميين وأجهزة أمنية لذا تتواصل الاحتجاجات والتظاهرات لتصفية البلدين من كل رموز النظامين السابقة الذين لايزالون ممسكين بنفوذهم وتأثيرهم في الحياة السياسية ومحاكمة رموز الفساد واستعادة أموال الشعب المنهوبة وإعادة رسم الخريطة السياسية من جديد بإجراء انتخابات ووضع دستور جديد وعودة الحياة لطبيعتها وهي مهمة شاقة تحتاج الكثير من الصبر وثبات المواقف وممارسة الضغوط حتي يتحقق هدف الثورة في إقامة مجتمع يتمتع أفراده بحرية اختيار من يحكمهم ويمثلهم وتطهير البلاد من الوجوه القديمة المرتبطة بالفساد بشتي أنواعه والتصدي للثورة المضادة التي يشنها أنصار وأتباع النظام السابق كما أن علي الثورة أن تواجه محاولات القوي الكبري السيطرة علي النظام الجديد وعدم فقدانها مناطق نفوذها التقليدية ببساطة وخاصة أمريكا لحماية مصالحها وأمن إسرائيل التي تشعر بقلق بالغ من التطورات المتسارعة خاصة في مصر. وهكذا يبدو أن موجة الثورة التي انطلقت في كل من تونس ومصر تواصل مدها في العواصم العربية فالظروف تبدو قريبة الشبه والتماثل بين الحالتين وباقي الحالات فالفساد يضرب في أعماق الأنظمة العربية وكذلك الفقر الذي يمتد في أوساط الغالبية العظمي من الشعوب العربية بينما تتمتع النخب السياسية سواء كانت ملكية أو جمهورية بكل شيء من السلطة إلي المال إلي الحياة بكل البذخ والرفاهية التي يحرم منها باقي الشعب كما أن معظم الأنظمة تحيط نفسها بسياج من الحماية يجعلها بعيدا عن المحاسبة وتجعلها فوق القوانين وتحرم شعوبها من حرياته الأساسية التي تنص عليها شريعة حقوق الإنسان ليصبح الخبز والحرية عملة صعبة لاتصل لأيدي الفقراء وصولا للطبقة الوسطي.. من هنا تبدو كل الأنظمة العربية مرشحة لاشتعال الثورات علي أراضيها طالما حرمت شعوبها من هذه الحقوق الإنسانية والمسألة مجرد وقت إن لم تستبق ذلك بإعادة الحقوق قبل فوات الأوان !!