تعيش مصر فترة هي الأكثر حرجا وخطورة في تاريخها، نظام يأبي أن يغادرنا ويتمسك بفرصته الأخيرة في البقاء عبر دعم كل المؤامرات في سيناريو الفوضي الذي يسهم فيه البعض بإرادته لأنه يخدم مخططاته، والبعض الآخر دون وعي عبر استغلال الحالة الثورية المتدفقة قي اتجاهات مدمرة ، لكن الخاسر في النهاية في حال تحقق هذا السيناريو الكارثي هو جرف مسار مصر بعيدا عن إقامة دولة ديمقراطية حديثة تنهي عقودا طويلة من الاستبداد والقهر والتخلف، الأسابيع والشهور القادمة هي الأخطر في تاريخ مصر وكلما خطونا خطوة للأمام لتحقيق هذا الهدف فإن علينا أن نتحسب لمخاطر أعمق وأكثر صعوبة، فالعدو ليس في الخارج إنما داخل البيت أيضا! نعيش أجواء مشابهة لحالة الانفلات الأمني خلال ثورة 52يناير وصلت في ذروتها لمذبحة بورسعيد، ثم الهجوم علي وزارة الداخلية.. ولا أدري ماذا يريد الذين يسعون لإحراق مبني الوزارة؟ هل يريدون الانتقام من الداخلية أم من الشعب وماذا بعد إسقاط مؤسسات الدولة؟ هل يراد لمصر هذه الأيام أن تغرق في بحار الفوضي، أصابع الاتهام تشير للكثير من الأطراف التي تسهم في إدخال البلاد في هذه الدوامات وألا تخرج منها ، فلول النظام السابق في كل أجهزة الدولة، أحزاب وحركات وتيارات أثبتت التجربة الانتخابية أنها لم يكن لها رصيد لدي الناخبين ولا وجود في الشارع يؤهلها للفوز، أقطاب النظام السابق الذين يتمتعون بمزايا لم يحظ بها نزلاء السجون من قبل، وأصابع الاتهام تشير بقوة لوقوفهم وراء الأحداث الدامية والمروعة الأخيرة بالتعاون مع أعوانهم خارج الأسوار، ولايجب أن نتغاضي عن أن سوء إدارة البلاد طوال العام الماضي وحتي الآن أسهم بصورة كبيرة فيما وصلنا إليه من احتقان وتدهور وشعور المصريين جميعا أن بلدهم يواجه خطرا حقيقيا محدقا باستقراره ووجوده، وهناك أطراف خارجية تعبث بالأمن لخلق حالة الفوضي العارمة، ولاتريد للبلد أن ينهض من جديد، ولانحتاج لإعمال الفكر في معرفة هؤلاء الأعداء أو مخططاتهم ونواياهم ومايريدونه لإعادتنا إلي الوراء بكل ما أوتوا من قوة !! عبور مصر الآمن يجب أن يكون هدف كل الشرفاء والمخلصين لهذا البلد، ولن يتم إلا من خلال ترميم الصدوع والشروخ في جسور الثقة بين الشعب ومؤسساته المختلفة ، فالتشكيك والتخوين والإقصاء أصبح شعار الكثير من التيارات السياسية والفكرية تجاه الجيش والشرطة والقضاء والحكومة وصولا للبرلمان الجديد الذي بدأ إدخاله في هذه الدائرة، ليحدث ذلك حالة غير مسبوقة من التخبط والارتباك وسوء الأداء في كل المجالات ، انتقلنا من ديكتاتورية حكم الفرد إلي ديكتاتوريات لاحصر لها في الشارع السياسي تضم مئات الائتلافات والحركات والأحزاب الصغيرة التي لايعرفها غالبية الشعب، الثورة التي كانت سلميتها أروع مظاهرها وصورها بدأت تنجرف في مسار العنف والعنف المتبادل باستغلال حالة الارتعاش والتخبط لدي صناع القرار والقوي التي لاتريد لهذه الثورة أن تنفلت من أسر الماضي بكل خطاياه! بداية العبور الآمن لمصر مصارحة الشعب بالحقائق، فسياسة التعتيم وإخفاء الحقيقة عن الشعب كانت من أبرز مساوئ النظام القديم، لابد أن نعرف من هم القتلة في أيام الثورة وماتلاها من أحداث دامية، وأن تقوم الأجهزة السيادية بدورها في تقديم أدلة الاتهام الكاشفة للجرائم التي ارتكبها النظام ليس خلال الثورة فقط ولكن طوال الثلاثين عاما الماضية كي نصل في النهاية لتحقيقات شفافة تقود لعدالة ناجزة وشافية للصدور، ولابد أن يقوم البرلمان الجديد بدوره في فتح ملفات ذلك النظام وإلغاء كافة التشريعات التي فتحت الأبواب لكل ألوان الفساد للتسلل إلي مفاصل الدولة المختلفة ، ولابد للقوي الثورية أن تقوم بعملية فرز في صفوفها لمن هو ثوري أو فوضوي مخرب لهذا البلد، وأن تواصل الحفاظ علي نهج الثورة السلمي فالهدم دون البناء سوف يوصلنا جميعا للفوضي والفراغ والمجهول! لن يستفيد أحد من تنفيذ سيناريو الفوضي لأنه سيخدم في النهاية من يتربصون بمصر في الداخل والخارج وسوف يدخلنا في نفق مظلم لسنوات طويلة تنهار فيه البلاد، نستطيع أن نثأر للشهداء ونقتص ممن قتلوهم ليس عبر العنف والصدام ولكن بتحقيق الهدف الأسمي الذي ضحي هؤلاء بحياتهم من أجله، وهو أن تقوم دولة ديمقراطية حديثة تستعيد وجودها الحي ومكانتها بين الأمم ويحيا أبناؤها بكرامة في ظل مبادئ العدالة والحرية. أما الإعلام فاعتبر دوره كارثيا، فقد ابتلينا بقنوات فضائية لاهم لها ليلا أو نهارا سوي إشعال نار الفتنة في كل مكان وهدم كل الجسور.. ولقد حان وقت أن تخضع تلك القنوات للمحاسبة لمعرفة مصادر تمويلها وعلاقة أصحابها بالنظام السابق ووضع ضوابط ومعايير مهنية وأخلاقية، وكما نجح الشعب في عزل الفلول في صناديق الانتخاب فعليه مقاطعتها حتي تسقط وينصرف الناس عنها.. وكذلك الصحف التي تشعل النار علي صفحاتها والكشف أيضا عن الذين يقفون وراءها ، وأيضا سرعة الانتهاء من التحقيقات في التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني. نريد تطهير أجهزة الدولة من كل رموز وأقطاب وأساليب النظام القديم، نريد إعلاما صادقا مخلصا يريد الخير لمصر لا مهيجا ومحرضا علي خرابها، نريد أن تقوم دولة العدالة والقانون وخروج مصر من دوامة العنف وعدم الاستقرار إلي دولة يعيش فيها الجميع آمنين مطمئنين وأن نعبر جميعا بسلام هذه الفترة الحرجة والمصيرية من تاريخ بلدنا. كلمة أخيرة ماكان الذئب ذئبا لو لم تكن الخراف خرافا ! (وليم شكسبير)