المشاهد المتلاحقة في أحداث مجلس الوزراء علي مدي الأيام الماضية تظهر بما لايدع مجالا للشك أن هناك من يسعي لإعادة البلاد إلي دوامة الفوضي ووأد العملية الديمقراطية ، أخطأ الجميع في إدارة الأزمة واختفي العقلاء وعاود البلطجية الظهور بقوة بعد أن اختفوا من المشهد الانتخابي ، القوة المفرطة التي استخدمت في المواجهة تثير علامات استفهام كثيرة حول سياسة ضبط النفس التي كانت شعار المرحلة السابقة ، ظهور الأطفال للمرة الثانية بعد أحداث شارع محمد محمود مسألة لابد من بحثها للوقوف علي من يقف وراءهم ، العقلاء والحكماء في هذه الأزمة تواري دورهم وصار هدفهم توجيه الاتهامات يمينا ويسارا بدلا من إيجاد مخارج للحل وإطفاء النيران أولا ، ولا أدري لماذا اكتفي المرشحون المحتملون للرئاسة بإطلاق التصريحات دون أن يسعوا للقاء كل أطراف الأزمة لوقف تيار العنف المتبادل، لماذا لاتكون هناك ثقافة جديدة لمواجهة أعمال الشغب دون استخدام الرصاص واستخدام العنف كما يحدث في الكثير من البلدان المتحضرة التي تكتفي بتقييد المتظاهرين والتحقيق معهم ثم الإفراج عنهم لاحقا بعد إبعادهم عن منطقة التظاهر ، ماهو بالتحديد الدور الذي تقوم به جماعات "الألتراس" المتعصبة لفرقها الرياضية والتي تحولت فجأة لعناصر للشغب والحرق ومن يمولها للقيام بمثل هذا الدور المريب ؟! إن المشاهد المروعة التي تابعها المصريون خلال الأيام الماضية اختلط فيها ماهو نقي بماهو ملوث وماهو ثوري بالفوضوي ، شرفاء يجاورهم بلطجية ومشعلو حرائق وتجاوز في رد الفعل وسقوط ضحايا كانت أقدارهم أنهم تواجدوا في مشهد دموي عنيف لم يكونوا جزءا منه أو سعوا لوقف تتابعه، والغريب أنه مع تقدم العملية الديمقراطية تتصاعد حدة العنف وسقوط المزيد من الضحايا فيما يبدو أنه محاولة أخيرة من القوي التي لاتريد لهذا البلد أن يستقر ويعود للشعب حقه المشروع في أن يقرر مصيره بنفسه وينتقل لمرحلة جديدة في تاريخه كما يحدث الآن في تونس التي عبرت مرحلة هامة في الانتقال للديمقراطية بينما مازلنا نتعثر في بداياتها ، فرحنا بإجراء أول انتخابات في أجواء من الحرية ليأتي من يطفيء فرحتنا ويفسدها وبتصرفات خاطئة من طرفي المواجهة وبدلا من أن تكون هذه الانتخابات بداية حقيقية لإنهاء عهود من هيمنة الرأي الواحد وممارسة القمع والاستبداد والفساد بكل صوره إذا بنا نواجه بمثل هذه الصور المروعة والصادمة !! لقد آن أوان كشف النقاب عن الذين يقفون وراء هذه الأحداث ولايجب الاكتفاء بالقول بأن هناك قوي في الداخل والخارج تتآمر لهدم الاستقرار واستمرار دوامة العنف وسقوط الأبرياء ، وكذلك ضرورة القبض علي المئات بل الآلاف من البلطجية التي تحتفظ الداخلية بأسمائهم وتعرف أماكن تواجدهم وكشف المتورطين في استخدام أطفال الشوارع والملاجيء في أعمال العنف الأخيرة وضرورة أن تتوصل التحقيقات لمن أطلق الرصاص ومن أحرق مبني مجلس الشعب والمجمع العلمي المصري وإعلان النتائج بكل وضوح وشفافية، وعلي الجانب الآخر لابد لكل القوي السياسية أن تغادر أماكنها المفضلة في الفضائيات وأحاديث القاعات المغلقة وتنزل للشارع، وأن نتوقف عن حالة التربص وتصيد الأخطاء والتفزيع والتخويف التي تمارس بين أطياف المجتمع المختلفة فنحن جميعا في قارب واحد وعلينا أن نصل به لشاطيء الأمان وأن ندير الأزمة بحكمة الشيوخ وحماسة الشباب فالطريق صعب لكن مع الإرادة والعزيمة والنوايا الطيبة يمكننا أن نقصر من طول وزمن هذا الطريق وإزالة كل المعوقات والعقبات التي تحول دون وصولنا لنهايته المرجوة لكن من المهم أن تنتهي التحقيقات في القضايا التي لايعرف الناس من أطرافها ووقائعها من أحداث إمبابة والسفارة الإسرائيلية وماسبيرو وشارع محمد محمود وقضية التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني وملف استرداد الأموال المنهوبة وأن تكون الشفافية والمكاشفة هي عنوان وشعار المرحلة الراهنة فكل شيء لابد أن يصارح به الشعب دون مواربة أو مداراة حتي تهدأ النفوس ويشعر الناس أنهم يعيشون في أجواء من الحرية يتاح لهم فيها معرفة كل شيء ، كما أن علي حكومة الجنزوري تسريع خطواتها وألا تسير بنفس إيقاع حكومة شرف لضبط أداء الاقتصاد ومعالجة أوجه الخلل التي تراكمت عبر ثلاثين عاما وإنهاء حالة الفوضي والانفلات الأمني في شوارع مصر أما من يسعون لإشعال الحرائق في الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام فنقول لهم كفوا وعودوا إلي صوابكم وبدلا من بحثكم عن الإثارة والهجوم علي كل شيء كأن البلد يغرق ساهموا في إعادة البناء وليس الهدم وتوقفوا عن التفتيش في النوايا واستضافة من لايريدون خيرا لمصر ويحدثون حالة من الفوضي والانفلات والذهاب بنا إلي المجهول!! وعلي الجميع أن يحافظ علي تلك الثورة ولايجرف مسارها بعيدا لتتحول إلي موجات من العنف يخدم أعداء الوطن الذي يجب أن يسترده كل أبناء هذا البلد حرا وكريما ويتسع لكل المصريين كلمة أخيرة قال أحد الحكماء : الإخوان ثلاثة .. أخ كالغذاء تحتاج إليه في كل وقت، وأخ كالدواء تحتاج إليه أحيانا ، وأخ كالداء لاتحتاج إليه أبدا