إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المشئوم، أحادي الجانب الذي أقر من خلاله اعتراف الولاياتالمتحدةبالقدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، وتنفيذ قرار الكونجرس الأمريكي الصادر عام 1995 بنقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، يُثير عدة تساؤلات حول كيفية احتواء الآثار السلبية للقرار؟، والتكييف القانوني له؟، والقرارات الصادرة من المجلس الطارئ لوزراء الخارجية العرب بشأن القدس؟.. حول هذه التساؤلات المطروحة دار الحوار مع السفير الدكتور منير زهران رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية ومندوب مصر الدائم الأسبق لدي الأممالمتحدة والمنظمات الدولية الأخري في جنيف. • كيف تري هذا القرار الأمريكي أحادي الجانب؟ - القرار بالفعل أحادي الجانب، وهو قرار يشكل تحديًا لقرارات الشرعية الدولية الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بل هو مخالف لقرارات سابقة أصدرتها الأممالمتحدة ووافقت عليها إسرائيل فقرار الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين تحت الانتداب البريطاني والذي صوتت لصالحه الولاياتالمتحدة واستند إليه بن جوريون يوم 15 مايو 1948 في إعلان قيام دولة إسرائيل هو نفسه القرار الذي أعطي القدس في الجزء الثالث من خطة التقسيم وضعا خاصا "corpus striatum" أي خاضعا لنظام دولي خاص. كما أن القرار الأمريكي الأخير يعد تحديا لقرارات الشرعية الدولية الأخري وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 والذي نص علي انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها منذ 5 يونيو 1967 ومنها القدس والقرار رقم 338 الصادر عام 1973 والقرار رقم 478 لعام 1980 حيث إن الأخير رفض قرار الحكومة الإسرائيلية بضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل وكذلك قرار مجلس الأمن رقم 2334 والصادر في ديسمبر عام 2016 والذي أقر بعدم الاعتراف بأي تغييرات تجريها إسرائيل علي خطوط عام 1967 ومنها القدس عن غير طريق المفاوضات فضلا عن قرارات الجمعية العامة الأخري ذات الصلة. هل يمكن مواجهة القرار من خلال مطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدسالشرقية؟ - المادة رقم 18 من ميثاق الأممالمتحدة تشير إلي أن القرارات الهامة التي تصدر عن الجمعية العامة لابد أن تكون من خلال موافقة أغلبية ثلثي الأعضاء ومطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدسالشرقية يعتبر من القرارات الهامة والذي يحتاج صدوره لأغلبية الثلثين ومن ثم لابد من التأكد مسبقا أن لدينا مثل هذه الأغلبية التي تمكنا من اعتماد القرار وهذا لايكون إلا من خلال الاتصالات والضغوط العربية والاسلامية مع كافة الدول الأعضاء لضمان توافر هذه الأغلبية. الاعتراف الأمريكي بالقدس أنهي الدور الذي لعبته علي مدار عقود ماضية كوسيط نزيه فمن يكون البديل الآن؟ - تاريخ الولاياتالمتحدة كان باستمرار هو الانحياز إلي جانب إسرائيل فبعد إعلان الدولة الاسرائيلية في 15 مايو 1948 بعدة ساعات اعترفت بها الولاياتالمتحدة وتوالت اعترافات الدول الأخري فيما بعدها ومنها بريطانيا وفرنسا وروسيا وغيرها فإسرائيل هي الطفل المدلل لأمريكا دائما. وهنا أشيد بما أعلنه أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأم المتحدة عقب إعلان ترامب قراره بشأن القدس حيث أكد جوتيريش أنه سوف يبذل أقصي جهد لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين استنادا إلي حل الدولتين ومن ثم فإنني أعتقد بأن الأممالمتحدة هي المنوط بها الآن القيام بدور الوسيط في عملية السلام ولا ننسي أنه عندما تم إصدار القرار رقم 242 من مجلس الأمن والذي ينص علي الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي التي احتلتها منذ 5 يونيو 1967 ومنها القدس كلف السكرتير العام للأمم المتحدة حينذاك مبعوثه للشرق الأوسط "جونار يارنج" لمتابعة تنفيذ هذا القرار". كما أن سكرتير عام الأممالمتحدة عليه الآن أن يبادر بإيفاد مبعوث للمنطقة لمتابعة تنفيذ قراري مجلس الأمن رقمي 242 لعام 1967 و338 لعام 1973 وكافة القرارات اللاحقة والصادرة من الأممالمتحدة ذات الصلة بقضية الشرق الأوسط لأنه علي المنظمة الدولية ومن الآن الاضطلاع بمسئولياتها المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين والتي يتولاها مجلس الأمن وهو أحد أهم الأجهزة التنفيذية للأمم المتحدة ولاسيما أنها بهذه المسئولية يمكنها أن تلعب دور الوسيط النزيه بديلاً عن الولاياتالمتحدة لاسيما أن قرار الرئيس دونالد ترامب قد أساء إلي حيدة الولاياتالمتحدة ومصداقيتها في لعب دور إيجابي ونزيه كوسيط فاعل لعملية السلام من أجل التوصل إلي تسوية سلمية شاملة ودائمة لقضية الشرق الأوسط ولب النزاع فيها النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. هل يمكننا اللجوء لمحكمة العدل الدولية للتأكيد علي الوضعية القانونية للقدس؟ - اللجوء لمحكمة العدل الدولية له شقان الشق الأول هو أنه لتسوية هذا النزاع حول وضعية القدس لابد من موافقة كافة أطراف النزاع علي الاختصاص الإلزامي للمحكمة وهذا غير متوفر لأن إسرائيل سوف ترفض ومن المتوقع أن ترفض أمريكا أيضا وبالتالي فإن هذا الشق من اختصاص محكمة العدل الدولية سوف يصل إلي طريق مسدود ولكن من ناحية أخري فإنه يمكن اللجوء لمحكمة العدل لاستطلاع رأيها الاستشاري وذلك يمكن أن يكون بصفة مباشرة أو عن طريق قرار يصدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية ولكن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً نحن في غني عنه. ما تقييمك للقرارات الصادرة عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب؟ وكيف يمكن تفعيل هذه القرارات؟ - أعتقد أن هناك عدداً من القرارات الهامة الصادرة عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بشأن القدس يجب الإشادة بها لاسيما القرار الذي أكد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وخاصة حقه في تقرير مصيره وفي إقامة دولته وحقه في العودة والحرية وأن مثل هذا الوضع يمثل تهديدا للأمن والسلم في المنطقة والعالم، كما أن مطالبة وزراء الخارجية العرب للولايات المتحدة بإلغاء قرارها حول القدس باعتباره قرارا باطلا ومرفوضا والعمل مع المجتمع الدولي علي إلزام إسرائيل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإنهاء احتلالها غير الشرعي وغير القانوني لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ الرابع من يونيو من عام 1967 عبر حل سلمي يضمن قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية سبيلا لا بديل عنه لإنهاء الصراع.. كما أشاد السفير منير زهران بدعوة المجلس الطارئ لوزراء الخارجية العرب جميع الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية علي خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية وأشاد بدعوة وزراء الخارجية العرب بالعمل علي استصدار قرار من مجلس الأمن يؤكد أن قرار الولاياتالمتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية وأن لا أثر قانونيا لهذا القرار. وأنا أتحفظ علي ذكر كلمة القدسالشرقية كعاصمة لدولة فلسطين مشيرا إلي أنه وفقا لقرار 181 بشأن تقسيم فلسطين إلي دولتين فإن وضع مدينة القدس هو وضع خاضع لنظام دولي خاص وقد وافقت إسرائيل حينذاك عليه ومن ثم كان من الأفضل أن يقال دعوة الدول للاعتراف بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس دون وصفها بالشرقية أو الغربية. ماذا عن الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن؟ - كان لابد وفي ختام مداولات مجلس الأمن الطارئة بشأن القدس علي الأقل أن يقوم رئيس المجلس بإصدار بيان يوضح نتيجة مداولات اجتماع يوم 8 ديسمبر الحالي ولايتم الاكتفاء بمجرد إلقاء البيانات من مندوبي الدول الأعضاء لاسيما أنه كان واضحا أن 14 دولة من الأعضاء قد أعلنت رفضها قرار الرئيس الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وهذا يعني أن أمريكا هي العضو الوحيد الذي يؤيد القرار. ما الجهات التي يمكن التنسيق معها لدرء أي مخاطر إسرائيلية تستهدف محو هوية القدس؟ - لقد قرر المجلس الطارئ لوزراء الخارجية العرب التنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي وأمانتها العامة من أجل وقف أي خطوات أحادية تستهدف فرض حقائق جديدة علي الأرض وتشكل خطرا علي مكانة القدس الوطنية والتاريخية والدينية وأنني أعتقد أنه للحفاظ علي الهوية الثقافية للقدس لابد أيضا من التعاون مع منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بخلاف التنسيق مع الإيسيسكو وهي منظمة التربية والعلوم والثقافة الإسلامية ومقرها الرباط وأن هذا الأمر سيكون بالتنسيق بين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لاسيما أن هناك قمة إسلامية سوف تعقد اليوم في اسطنبول بتركيا. وأنا أُشيد بقرار وزراء الخارجية العرب تكليف الأمانة العامة للجامعة العربية بإدارة إطلاق حملة إعلامية دولية تشرح خطورة القرار الأمريكي وتري الممارسات الإسرائيلية في القدس، وأثرها في تفريغ المدينة المقدسة من سكانها العرب المسلمين والمسيحيين وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية وتؤكد الوضع القانوني للقدس كمدينة محتلة علي أن يتم توفير المخصصات المالية اللازمة لتمويل هذا الجهد من الدول الأعضاء، كما أشيد إلي أن إدارة الإعلام بالأممالمتحدة "DPI" لابد أن نطالبها بالمساهمة والمساندة في هذه الحملة الإعلامية لاسيما أنه يقع في نطاق اختصاصها متابعة تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ومن ثم فإنه تقع عليها مسئولية تقوم بها في هذا النطاق.