أوقفوا قتل الروهينجا.. هكذا تطلق الدعوات هنا وهناك.. ولكن لا شيء يحدث فوق الأرض.. فمازالت السلطات في ميانمار أو بورما السابقة، تقوم بعملياتها ضد الأقلية المسلمة هناك دون توقف، ومازالت عمليات التهجير القسري لبنجلاديش أو إلي تايلاند المجاورتين قائمة علي قدم وساق.. ومازالت القوانين التي تكبل كل ما هو مسلم هناك سارية مثل منع إقامة الشعائر الدينية أو الزواج دون إذن حكومي أو عدم منح حق المواطنة لكل ما هو مسلم، اللهم إلا بطاقة خضراء مدتها عامان فقط تسحب في أي لحظة.. أما حالات القتل والخطف والسرقة واغتصاب النساء أو الأراضي.. فحدث ولا حرج! ميانمار التي تعرف أيضاً باسم بورما، اسمها الرسمي هو جمهورية اتحاد ميانمار، وقد خضعت سنوات طويلة للحكم العسكري الذي امتد ما بين عامي 1962- 2011، والذي قمع كل المعارضين له بمن فيهم زعيمة المعارضة وقتها أونج سان سوكي.. وواجهوا عدة انتقادات دولية بانتهاك حقوق الإنسان وتعرضوا لعقوبات وحصار اقتصادي، أدت في النهاية ومع بدايات العام 2010 لتحول تدريجي في البلاد، بموافقة الجيش علي تسليم السلطة كحكومة برئاسة جنرال يدعي »يثن سين» والذي سلم السلطة بدوره عام 2015 لحزب »الرابطة الوطنية» من أجل الديمقراطية.. بزعامة المعارضة الأبرز والحائزة علي جائزة نوبل للسلام، لكفاحها ضد الاضطهاد في بلدها.. سوكي، وبعدما أدي تين كياو اليمين الدستورية كأول رئيس مدني منتخب للبلاد، كما تم حرمان سوكي دستوريا من خوض انتخابات الرئاسة، بدعوي معارضتها المستمرة وتعريض مصالح البلاد للخطر بالاتصال بجهات خارجية، وفي ذات الوقت نفت سوكي ما تم توجيهه لها من اتهامات من دعم عمليات الجيش ضد الأقليات، وبالذات الإبادة الجماعية والعرقية ضد أقلية الروهينجا. الروهينجا.. هو اسم قومية عرقية تنتمي لعائلة الشعوب الهندية، وتعيش في إقليم أركان غرب بورما وميانمار.. وحسب التقديرات للأمم المتحدة فإن هناك نحو 800 ألف منهم في أركان وحدها.. وتعدهم الأممالمتحدة أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم الآن.. وقد فر مئات الآلاف منهم منذ عقود من بورما إلي بنجلاديش المجاورة وإلي بلدان أخري في آسيا والعالم.. ويعيش الكثير منهم في بنجلاديش في مخيمات، كما يعيش آخرون في تايلاند علي الحدود.. والروهينجا.. مشتق في بعض المصادر من الكلمة العربية »رحمة».. وتعود التسمية إلي القرن الثامن الميلادي حينما تحطمت سفينة عربية بالقرب من جزيرة رامري وأمر ملك أركان وقتها بإعدام من كانوا علي متنها من تجار عرب مسلمين والذين كانوا يصيحون »الرحمة.. الرحمة» ومن هنا أطلقوا عليهم اسم راهام.. ومع مرور الزمن تحول الاسم إلي روهوهانج ثم إلي روهينجا، وفي قول آخر إن أصل الاسم هو الروها الذين كانوا يقطنون في أفغانستان.. وإن كان البعض يقول إن الاسم قد جاء من مملكة أركانية قديمة تدعي مرو هاونج.. وعرف اسم سكانها ب»الروهينجا». وفي العقود الأخيرة.. كما تقول صحيفة »الديلي تلجراف البريطانية» ازداد ضغط الأغلبية الروسية التي تحكم بورما أو ميانمار علي الروهينجا.. وتلك الأغلبية تعرف ب»البرمان» أو شعب »بامار» وتبلغ نسبتهم نحو 40٪ من السكان البالغ عددهم الإجمالي نحو 48 مليون نسمة.. وقد أدت تلك الاضطرابات إلي التوصل لعملية سلام عام 2015 لم تصمد طويلا، بسبب استمرار اضطهاد الأقليات في بورما وعلي رأسها الروهينجا، والتي يري الهندوس أنهم دخلاء علي البلاد وأنهم ليسوا من سكانها الأصليين، وأن هناك شكوكا كثيرة حول أصولهم بالتحديد، وفوق ذلك فهم جماعة مسلمون ومتطرفون يمثلون خطرا علي الشعب البورمي وعلي ديانته الهندوسية التي يدينون بها. وبالفعل تم تسليط الأضواء علي أقلية الروهينجا وتعدادها لا يتجاوز المليون نسمة كأقلية مسلمة.. كما تقول الBB» رغم أن ميانمار أو بورما تحوي العديد من الأقليات الأخري ومنها: »الكاريني» و»الكاشين» وهي أقلية مسيحية و»وا» ولها ارتباطات بالصين المجاورة ولها فصيل مسلح ثم أقلية »أشان» وعددها نحو 6ملايين نسمة في عدة مناطق ومعظمهم يعتنقون البوذية »المون» وهي من أقدم الأقليات والعرقيات بالبلاد وتم وقف إطلاق النار بينهم وبين الحكومة المركزية. الوضع إذن في توتر دائم في بورما أو ميانمار.. ولكن لماذا يتم التركيز علي أقلية الروهينجا دون غيرها من الأقليات في البلاد والتي تتعرض لنفس الاضطهاد شبه اليومي من السلطات وإلي حالات للتهجير من البلاد ودعوات بإبادتها؟ والإجابة.. كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية.. هو أن الروهينجا محرومون من حق المواطنة والسلطة السياسية هناك يحتكرها عرق البامار الحاكم.. ورغم أنهم يتعرضون للقمع منذ عقود، إلا أن القمع لم يصل لهذه الدرجة إلا منذ شهور قليلة.. حينما منعت السلطات دخول مساعدات من الأممالمتحدة وبلدان مجاورة وإسلامية لمسلمي الروهينجا، مما أدي لتفشي المجاعة وهروب نحو 80 ألفاً منهم لبنجلاديش المجاورة، ومع تصاعد الاضطهاد العرقي، تحدثت الصحف البريطانية عن قيام جيش ميانمار بعمليات إبادة وتطهير عرقي بحق الروهينجا شمال إقليم أركان حيث يتمركزون.. ورصدت المنظمة الدولية للهجرة في أواخر أغسطس الماضي، فرار نحو 20 ألفا منهم في أقل من أسبوع لبلدان مجاورة، ورصد موظفو الإغاثة وجود جروح سببتها آثار طلقات نارية علي أجساد معظم الفارين ومعظمهم من النساء والأطفال والشيوخ. وحسب ما رصدته تلك المنظمات وعدة تقارير صحفية بريطانية وأمريكية، خرجت من إقليم أركان، فإن هناك أكثر من مليون مسلم من الروهينجا يعيشون حياة بدائية للغاية داخل مخيمات وبيوت بسيطة جداً، وهم محرومون من حق المواطنة والحصول علي جنسية البلاد بحجة أنهم مهاجرون غير شرعيين جاءوا من بنجلاديش، وأمامهم إما القبول بالأمر الواقع أو مواجهة بطش الدولة والبوذيين، وهم فوق ذلك لا يتمتعون بحق تملك الأراضي أو العقارات أو التجارة في مجالات محددة، وتقوم الحكومة بصفة دورية بمصادرة أملاكهم المتوارثة ومراكب الصيد الخاصة بهم. كما أنهم ممنوعون من تولي الوظائف الحكومية أو العمل السياسي أو التصويت في الانتخابات أو الالتحاق بالجيش.. وتحاول السلطات مع ذلك التقليل من أعدادهم سواء بعمليات الاضطهاد والتهجير القسري خارج البلاد أو بالحبس والتعذيب بتهم واهية أو بفرض بعض القوانين الخاصة بتحديد النسل بينهم ووضع ضوابط تعجيزية للزواج، كما أنها تحاول وباستمرار طمس كتبهم التاريخية أو الإسلامية، وتحريم الزي الإسلامي وإطلاق اللحي وتصادر ممتلكات الأوقاف الخاصة بهم وكذلك مقابرهم وتمنع مكبرات الصوت بالمساجد وتمنع إقامة الشعائر أحياناً. وكذلك.. كما تقول الديلي تلجراف البريطانية.. تحاول السلطات فرض القوة علي الروهينجا وتحجيم وجودهم بقوانين مثل: منع أي شخص من دون ال18عاما من التحول لدين آخر.. أما البالغ الذي يفكر في تغيير ديانته فعليه إبلاغ السلطات بذلك.. كما ترضخ السلطات كثيراً لمطالبات السكان البوذيين بمنع إقامة الشعائر بالمساجد أو ذبح الأضاحي أو منع المسلمات المحجبات من الذهاب للمدارس لتلقي العلم أو حظر النقاب الإسلامي بالمؤسسات الحكومية. والأخطر.. هو عدم اعتراف السلطات بالروهينجا كمواطنين.. فهم دخلاء يحصلون علي بطاقات خضراء للإقامة داخل البلاد منذ فرض قانون المواطنة عام 1982.. ومن هنا انتزعت الجنسية منهم.. ومدة تلك البطاقات هي عامان فقط، وحاملها مهدد بالطرد في أي لحظة.. ويتطلب الزواج إذنا وتصريحا من الحكومة.. ومن يخالف ذلك يتم سجنه وتغريمه غرامة مالية، كما أن السلطات تمنع المرأة المطلقة أو الأرملة من الزواج وكذلك تعدد الزوجات بين المسلمين.