الديمقراطية.. هي طوق النجاة لمستقبل هذه الأمة تنفس الملايين من أبناء الشعب المصري الصعداء بعد أن مر يوم الجمعة الماضي 92/7 بسلام دون إراقة دماء وسقوط ضحايا ومصابين كما كان البعض يتوقع وتسقط مصر إلي هاوية حرب أهلية وخاصة بعد التصريحات التي أدلي بها أحد قادة الجماعة السلفية أنهم سيفضون الاعتصمامات في ميدان التحرير وأكد بلهجة حادة »سوف نكنس« ولن نسمح لأحد بالاعتصام فيه مرة أخري. وكانت التيارات الإسلامية »الإخوان المسلمون والسلفيون والجماعة الاسلامية« قد دعوا إلي مليونية 92 يوليو برغم مقاطعتهم للجمعة التي سبقتها وذلك بهدف »توحيد الصف« طبقا لتصريحاتهم ومن أجل ذلك عقدوا لقاءات متعددة وحوارات مكثفة مع قادة مختلف الفصائل والتيارات السياسية الأخري للاتفاق علي المشاركة في هذه المليونية وتحديد شعارها وتم بالفعل طرح عدد من الشعارات منها: جمعة توحيد الصف وجمعة لم الشمل وجمعة العبور للمستقبل كما تم أيضا الاتفاق علي مجموعة المطالب التي ستطرح في هذا اليوم وهي المطالب الأساسية للثوار مثل: القصاص لدم الشهداء وسرعة محاكمة قتلة الثوار ورموز النظام السابق وعلانية محاكماتهم بمن فيهم مبارك نفسه وعدم محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية. وبرغم سخونة الجو حيث بلغت درجة الحرارة أكثر من 04 درجة إلا أن الميدان اكتظ بالمتظاهرين كما امتلأت أيضا الشوارع المؤدية للميدان بالبشر غير أن المراقبين المحليين والأجانب قد لاحظوا بكل وضوح أن هذه الجموع تمثل في أغلبها تيارا واحدا وهو »التيار الإسلامي« حيث رفعت لافتات وانطلقت هتافات تؤكد تبعية المشاركين إلي هذا التيار مثل »إسلامية إسلامية« »نعم للشريعة الاسلامية« ولا للمبادئ فوق الدستورية »والانتخابات أولا« ونعم للدولة الاسلامية وهو مايتعارض مع ماتم الاتفاق عليه بعدم رفع شعارات حزبية أو سياسية تأكيدا لمبادئ ثورة 52 يناير وأدي إلي إزعاج الكثيرين من أبناء الشعب بل والمراقبين والمتابعين لمجريات الأحداث في الداخل والخارج وخشيتهم من أن يتطور الأمر إلي مشادات ومشاحنات بين أنصار التيارات الإسلامية والتيارات السياسية والفكرية الأخري المتواجدة في الميدان لا تحمد عقباها وخاصة بعد أن قام بعض الاشخاص بتمزيق صورة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ويرجع الفضل في ذلك إلي انسحاب العديد من الأحزاب والتيارات الأخري من الميدان تحاشيا لوقوع كارثة لا يعلم مداها إلا الله تنعكس بآثارها السلبية المدمرة ليس فقط علي مسيرة الثورة وإنما علي مستقبل هذه الأمة وأمنها واستقرارها.. وقد تأكد للجميع أن التيارات الإسلامية قد نجحت في تجييش أنصارها من مختلف المحافظات للمشاركة في تظاهرة ميدان التحرير . أولا: بهدف إظهار قوتهم وقدراتهم أمام التيارات السياسية الأخري وجموع الشعب المصري وأنهم الفصيل الأقوي والأكثر تنظيما علي الساحة حتي ولو أكد قادتهم أكثر من مرة أنهم لايرغبون في الحصول علي الاغلبية في البرلمان القادم.. وثانيا للتأكيد أمام المجلس العسكري أنهم الظهير الشعبي القوي له وأنهم القادرون علي توجيه الجماهير وحشدها في أي إتجاه يرغبون وبالتالي فإنه بالامكان الاعتماد عليهم في تحقيق الهدوء السياسي والاستقرار الأمني في البلاد. وإذا كان الهدف من هذه التظاهرة المليونية التي شارك فيها طبقا لتقديراتهم أكثر من 2 مليون متظاهر هو توحيد الصف وجمع الشمل فإن ماحدث علي أرض الواقع ونقلته كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة هو عكس ذلك تماما حيث اتسعت الهوة بين التيارات الاسلامية والتيارات الأخري التي أعربت عن استيائها الشديد لنقض ماتم الاتفاق بل الإجماع عليه من الجميع وانخرط الجميع من جديد في تبادل الاتهامات بالتخوين والعمالة بل وأحيانا بالكفر وإتهام البعض للبعض بمحاولة القفز علي الثورة وقطف ثمارها قبل أن تنضج.. وهكذا أصبحت »جمعة الوفاق الوطني« كما أرادوا لها أن تكون أصبحت شاهدا ومؤججاً للفرقة والنزاعات الحادة وتبادل الاتهامات.. فالتيارات الليبرالية تتهم الآخرين بمحاولة إرهابهم وترويعهم والسيطرة علي زمام الأمور بالقهر والتسلط تماما بنفس الاسلوب الذي كان يتبعه معهم النظام السابق »أسلوب الفزاعة« في حين يتهم الاسلاميون التيارات الليبرالية والعلمانيين بأنهم غير مؤهلين بعد لتحمل المسئولية ولا يقدرون صعوبة وحساسية المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد حاليا مشيرين في هذا الصدد إلي كثرة الاعتصامات التي تضر بالاقتصاد القومي المصري وقيامهم باغلاق مبني المجمع في التحرير ومحاولة تعطيل مترو الأنفاق ووقف الملاحة في قناة السويس والتطاول غير المقبول علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة التي حمت الثورة ومازالت ترعاها وتدافع عنها وتحميها. ويقيني أن النتائج »غير المرضية« التي أسفرت عنها»جمعة الإرادة الشعبية والوحدة الوطنية« التي كانت مرجوة يمكن أن تكون درسا وعبرة لكل الأطراف والتيارات السياسية »إخوان وسلفيين وليبراليين وعلمانيين« وأن تكون بمثابة عودة الروح للثورة الوليدة وتجديد دمائها . هذه الثورة التي أبدي الجميع قلقهم علي استقرار مسيرتها عن مغبة مثل هذه الصراعات بين القوي والتيارات التي ساهمت في قيامها وأن يسعي الجميع إلي العمل بصدق وحسن نية لدعم هذه الثورة التي نالت ثقة أبناء الشعب بل وإعجاب وتقدير كل شعوب العالم وأن يضع الجميع مصلحة مصر ومستقبلها فوق كل مصلحة حزبية أو شخصية وأن نسعي جميعا إلي بناء مصر دولة ديمقراطية عصرية يسود فيها الدستور والقانون ويتمتع فيها كل مواطن بحياة حرة كريمة في إطار من العدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان. لقد كنت أتوقع أن تكون هذه الجمعة هي »جمعة الاستقرار« من أجل البدء في بناء وإعادة تأهيل الاقتصاد القومي المصري علي أسس اقتصادية سليمة حتي يمكن تحقيق مطالب كافة أبناء الشعب وخاصة فيما يتعلق بتحسين مستوي المعيشة وزيادة الأجور وخلق مزيد من فرص العمل للشباب وفتح آفاق أوسع أمام الاقتصاد المصري بكافة قطاعاته الزراعية والصناعية والتعدينية والخدمية.. إن الاستقرار كما يعلم الجميع يعني تنشيط السياحة التي تعد »قاطرة الاقتصاد المصري« وجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية من أجل التوسع في مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. وبعد وقبل كل شئ سمعة مصر ومكانتها في المجتمع الدولي. وفي هذا الإطار فإنه لابد من إعطاء الحكومة الجديدة الفرصة للعمل والتخطيط من أجل تحقيق أهداف وطموحات هذا الشعب خاصة وأنها تضم الآن إثنين من أكفأ رجال الاقتصاد والإدارة المشهود لهما دوليا وهما د.حازم الببلاوي ود.علي السلمي ولأننا كشعب لا نريد أن نحكم مرة أخري حكما دكتاتوريا تسلطيا واستبداديا كما كان الحال علي مدي 06عاما الماضية فإنه لابد من تحقيق الديمقراطية التي تعد أفضل نظم الحكم في العالم والتي كانت في مقدمة مطالب الثورة.. الديمقراطية الحقيقية بأصولها وقواعدها التي يعرفها العالم كله وليس كما يريدها البعض.