يعاني القطاع الزراعي في مصر من أزمة تتكرر فصولها كل عام دون أن تجد طريقا للحل بين الجهات المختصة، وهي أزمة نقص الأسمدة الزراعية التي بات الحصول علي كميات كافية منها الشغل الشاغل للمزارع البسيط. مشكلة نقص الأسمدة الزراعية هي نتاج سياسة ضبابية عزاها مختصون في الشأن الزراعي إلي التضارب الواضح بين جهات الأزمة الثلاث وهي الشركات المنتجة للأسمدة والجمعيات الزراعية والحكومة التي فشلت في وضع سياسة لضبط أسعار الأسمدة ومنح السوق المحلي الأولوية في التوريد. وصل إنتاج الأسمدة الكيماوية في مصر في السابق إلي 15 مليون طن وما يتم استهلاكه محلياً حوالي 9 ملايين طن والباقي يتم تصديره إلي الخارج، وتعاني شركات الأسمدة سواء الحكومية أو الخاصة من ارتفاع سعر توريد وحدات الغاز الطبيعي الذي يشكل العمود الفقري لصناعة الأسمدة إلي مصانعها، فضلا عن عدم تحديد سعر عادل لمنتجاتها من الأسمدة الآزوتية ما يجعلها تفضل توجيه إنتاجها إلي الأسواق الخارجية، وقد انعكست الصورة القاتمة لصناعة الأسمدة علي القطاع الزراعي الذي يكافح من أجل الصمود في وجه الارتفاعات المتتالية في أسعار مدخلات الإنتاج ورفع أسعار الوقود المستخدم في ماكينات الري والزارعة. في هذا الصدد يشير محمود أبو شامة مدير الجمعية الزراعية بالجيزة إلي أن مصانع القطاع العام كانت تساهم في سد الفجوة في كميات الأسمدة التي يتم توريدها ولكن نظراً لتقادم بعض تلك المصانع قامت وزارة الزراعة بالاتفاق مع مصانع الأسمدة الخاصة لتوريد حصص من الأسمدة لتعويض النقص الحاد في الكميات، لكن بعد تعويم الجنيه ارتفعت تكلفة إنتاج جوال الأسمدة من 50 إلي 200 جنيه. يتابع: نحن لا نعارض فكرة زيادة أسعار الأسمدة حتي تستطيع الشركات الاستمرار في الإنتاج وتوريد الحصص التي تم الاتفاق عليها مع وزارة الزراعة، فالتذبذب في تحديد الأسعار دفع بعض الشركات الخاصة إلي التوقف تماماً عن توريد كميات الأسمدة، فيما اكتفت المصانع الأخري بتوريد 25٪ من الكميات المطلوبة وتصدير باقي منتجاتها إلي الخارج، علاوة علي أن بعض شركات القطاع العام أوضحت أنها تخسر مليون جنيه مع كل 100 ألف طن من الأسمدة يتم إنتاجها جراء التشبث بالأسعار الحالية، وكل هذه العوامل أدت في النهاية إلي وجود نقص في كميات الأسمدة وصل إلي 50٪ لسماد النترات و60٪ لمنتجات سماد اليوريا. وتابع.. محافظة الجيزة من أبرز المحافظات التي تأثرت بنقص الأسمدة لأنها من المحافظات المنتجة للخضراوات والقمح وهي التي تقوم بإمداد محافظة القاهرة بجزء كبير من احتياجاتها الغذائية، ونحن نتعامل في الأساس مع نوعين من الأسمدة، سماد اليوريا وسماد النترات، النوع الأول يوجد به نقص شديد لأن المصانع تعطي الأولوية عند إنتاجه للتصدير الخارجي نظراً لكون سماد اليوريا منتجا مطلوبا عالميا، وذلك يأتي علي حساب متطلبات السوق المصري، فلدينا بالجمعية الزراعية في الجيزة برنامج لصرف الأسمدة الزراعية بكميات تصل إلي 3 آلاف طن، تم توريد نصفها فقط بالرغم من أننا مازلنا في الموسم الشتوي ولا يوجد ضغط كبير علي استهلاك الأسمدة حاليا. ويطالب محمود أبوشامة الحكومة بزيادة إنتاج الأسمدة وتقييم أسعارها وفق معايير محددة لإنهاء حالة التذبذب في الأسعار والقضاء علي السوق السوداء وذلك لن يتم إلا بالاتفاق بين النقابات الزراعية ووزارة الزراعة والشركات المصنعة للأسمدة. يتفق معه مصطفي دياب رئيس الجمعية المركزية الزراعية الذي أرجع سبب الأزمة الحالية في سوق الأسمدة إلي ما أسماه بالتخبط في سياسة التسعير، مستدلا علي ذلك بصدور قرار من الإدارة المركزية للأسمدة حددت فيه سعر الطن الواحد بحوالي 2000 جنيه وتم إلغاؤه بدون أسباب معروفة وبعد ذلك تم إصدار منشور آخر يتعلق بإعادة النظر في تكلفة نقل الأسمدة تم بموجبه إضافة ستة جنيهات علي تكاليف النقل لشركات الشحن ليتم إلغاؤه أيضا بعدها بفترة قصيرة، وبناء علي قرار الإلغاء توقفت شركات الشحن عن نقل وتوريد الأسمدة إلي الأسواق، لذلك يحصل المزارعون علي نصف احتياجاتهم المقررة من الأسمدة. يضيف: المطلوب هو قرار سيادي بتحديد أسعار الأسمدة الموردة للجمعيات بالتنسيق مع وزارة الزراعة يشمل رفع سعر طن الأسمدة إلي 2500 جنيه ويتم تعميمه علي مستوي الجمهورية مع زيادة الكميات المقرر صرفها إلي الجمعية المركزية بالجيزة إلي 8 آلاف طن لتغطية كامل متطلبات المزارعين. من جانبه أوضح المهندس أحمد رفعت نقيب الزراعيين بأسيوط أن هناك شكاوي من نقص الأسمدة في كافة أنحاء الجمهورية وخاصة في مناطق الاستصلاح الزراعي الجديدة، مشيراً إلي أن النبات لا يتأثر بالعناصر المغذية داخل السماد في مراحل نموه سوي في فترات محددة خلال العام، وإذا تم تجاوز هذه الفترة يصبح السماد غير ذي جدوي ولا يستفيد منه النبات بصورة ملحوظة بل يتراكم فقط في خلاياه بصورة مطردة. يتابع: نحن مقبلون علي بداية موسم زراعة القمح، وهو محصول يحتاج إلي الأسمدة المغذية في هذه الفترة من العام لأنه يستمد منها العناصر اللازمة للنمو، وإذا تأخر موعد رش السماد علي الأراضي الزراعية لأي سبب ستتأثر الكمية المستهدف إنتاجها من هذا المحصول الاستراتيجي. فيما أشار الدكتور زناتي أبو الخير أستاذ علم تغذية النبات بالمركز القومي للبحوث إلي أن التعامل مع الأسمدة الكيمائية يكون وفق ضوابط محددة حتي لا تتأثر الأراضي الزراعية بزيادة الكميات التي يتم ضخها بها بدون حساب داخل مسام التربة، لافتاً إلي أن الفترة التي تلت رفع أسعار الغاز الطبيعي علي مصانع الأسمدة شهدت نقصا شديدا في الكميات الموردة إلي السوق، اضطر معها الفلاحون إلي وضع نصف الكمية المعتادة من السماد علي التربة وبمتابعة إنتاجية الأراضي من المزروعات لمعرفة تأثير نقص الأسمدة عليها وجد أنها أعطت نفس الكمية من المحاصيل. يواصل: هناك تجارب نقوم بإجرائها علي النبات تسمي بتجارب الاستنزاف وهي قائمة علي قياس احتياجات النبات للعناصر الغذائية في مراحل نموه المختلفة، لمعرفة الكميات الدقيقة التي يمكن أن يستهلكها دون إفراط، ووجدنا أن تعويض نقص الأسمدة التقليدية ممكن من خلال إمداد النبات بالعناصر المغذية الكبري مثل الفوسفور أو البوتاسيوم التي تعطي بديلا حيويا عن الأسمدة الآزوتية الخاصة بالمحاصيل الزراعية. يضيف: المتغيرات في العملية الزراعية تتطور بصورة مطردة والمزارع مازال يعمل وفق طرق الزراعة التقليدية ولا يلتزم باتباع تعليمات الإرشاد الزراعي لمعرفة نوع السماد وكيفية استخدامه وما هي المواقيت الصحيحة لوضعه علي التربة، فنجد أن البعض يستخدم سماد اليوريا مع الأراضي الملحية في تعارض واضح لأبسط قواعد الزراعة السليمة، فمن المفترض أن يتم استخدام سماد النترات حتي تستطيع التربة امتصاص الكلوريد بصورة أفضل وبالتالي يكون معدل الاستفادة أعلي. كما أوضح أن الأسمدة العضوية والأسمدة الآزوتيه لها نفس التأثير الضار علي صحة الإنسان، فالفيصل هنا هو كمية النيتروجين التي يمتصها النبات وفي هذه الحالة لا فارق بين النيتروجين المستمد من السماد العضوي وبين السماد الكيماوي، ولكن المشكلة تكمن في الكمية التي يتم وضعها علي التربة، فنتيجة الإفراط في استخدام الأسمدة علي اختلاف أنواعها تتسرب منها نسبة كبيرة إلي باطن الأرض لتلوث المسارب المائية الخاصة بالمياه الجوفية وهو ما يتركز في جذور النبات ويسبب في أمراض الفشل الكلوي.