في موعد عبقري تحدده بنفسها يخرج مئات ذكور النحل للحاق بالملكة غير كاملة النضج في رحلتها الأولي من أجل تلقيحها، لتصبح بعدها ملكة كاملة ويموت بعد ذلك الذكر المقدام الذي يتمكن من اللحاق بها. تعود بعد ذلك لتنظيم العمل داخل الخلية فتعمل علي حراستها وحمايتها ورعاية البيض والحضنة (اليرقات)، في انتظار آلاف الشغالات السارحات في الحقول والبساتين بحثا عن الرحيق وحبوب اللقاح. فتتحول في جوفها إلي السائل السحري ذي الألوان المختلفة والمعروف بالعسل بالإضافة إلي الغذاء الملكي والشمع وهذان يدخلان في صناعات غذائية وطبية عديدة، وحتي وخز النحل يشفي من أمراض كالصدفية. من هذه الرحلة يأتي منتج عسل النحل الذي تعد مصر فيه أكبر منتج ومصدر عربي حتي الآن رغم ما تعرضت له هذه العملية من مخاطر منذ الثمانينات فقد انخفض إنتاج مصر من عسل النحل إلي حوالي العشر في السنوات القليلة الماضية بعد أن بلغ ذروته عام 7891 عندما بلغ عدد الطوائف (خلايا النحل) لدينا مليونين. وكان لطفيل الفاروا ، الذي انتقل إلي مصر في عام 4891 عبر تهريب ملكات نحل من إسرائيل مصابة بالمخالفة للقانون الصادر عن وزارة الزراعة بمنع استيراد النحل ومنتجاته لمنع نقل أي عدوي إلي الداخل، فقد كانت مصر ضمن خمس دول فقط علي مستوي العالم خالية من هذا الطفيل. فقد ثبت أنه زحف علي مناحل النحل بسيناء فأباد خلاياها ثم انتقل إلي الوادي. فهو طفيل سريع العدوي وبين الشغالات ويمتص دمها وبالتالي يقلل إنتاجها، وهن المسئولات عن جمع الرحيق وحبوب اللقاح. وقد عرفت مصر عسل النحل منذ زمن الفراعنة ثم قام الغزاة بنقله إلي أوروبا، وأول سجل عرف في العالم عن تربية النحل في خلايا منذ عام 0042 ق. م. اكتشف في معبد الشمس في سقارة وكان للنحل دور في زيادة الرقعة الزراعية عن طريق تلقيح المحاصيل فيزيد الإنتاج وينعكس ذلك إيجابيا علي جودة الثمار. د. إبراهيم غانم مدير معهد البحوث الزراعية، أكد أن مشاريع إنتاج العسل مشاريع منتجة تحقق عائدا ماليا عاليا، ويساعد علي زيادة الإنتاج بنسبة 02 إلي 03٪ بتخصيب النباتات التي يتغذي عليها وتلقيحها. وأضاف أن قيمة العسل الذي يصل إلي أربعين نوعا وفوائده الطبية تتوقف علي طبيعة المنطقة التي يتربي فيها النحل، فهناك فرق بين عسل الموالح، النوارة (البرسيم) والجبلي. عسل بنها وقد سماها المسلمون بعد الفتح بنها العسل بسبب إنتاجها الكبير للعسل لوجود أشجار الفواكه ولأن السيدة ماريا زوجة رسول الله ([) أخذت معها عسل نحل من بنها عند قدومها إلي المدينة، فدعا له وقال "اللهم بارك في بنها وعسل بنها " مشاكل النحالة رغم أن دول العالم صاحبة أعلي إنتاج لعسل النحل تنظم مناحل عسل حكومية للحفاظ علي إنتاجها وتفوقه فإن الغريب في مصر أن هذه الصناعة العامة صاحبة العائد الاقتصادي من تصديرها تعتمد في مصر علي الهواة والقطاع الخاص. يضاف لها ضعف الوعي لدي النحالين وعدم التزامهم بطرق علاج الأمراض في الأوقات وبالأساليب المناسبة كما أكد د. عماد ثروت، رئيس قسم النحل في معهد بحوث وقاية النباتات بوزارة الزراعة. فالنحال يعتمد في المشورة علي نحال آخر وليس وزارة الزراعة أو أي جهة حكومية إرشادية بالضبط كما يأخذ مريض دواء بناء علي نصيحة مريض آخر . فمثلا إذا وصينا بأن يستخدم النحال المبيدات حوالي 1سم للتر فيضع 3سم إلي اللتر حتي يأتي بفاعلية أكثر، هذا غير المبيدات الحشرية التي توضع بكميات كبيرة للنبات المزهر الذي يتغذي عليه النبات فيؤثر سلبيا عليه وقد يؤدي إلي موته في أحيان كثيرة .كما أن ارتفاع سعر السكر في فترات الخريف والشتاء تجعل النحال يقلل التغذية توفيرا للنفقات، هذا غير الفرز الجائر يجعله يأخذ أكبر قدر من العسل داخل الخلية دون ترك باق لتغذيتها، مما يؤدي إلي ضعف الطوائف. مع عدم الاهتمام بتغيير الملكات في الأوقات المناسبة كل ذلك يؤدي إلي ضعف الإنتاج. أكد د. ثروت، ، علي أن الملكات في الخارج تعمل بشكل جيد في مناخها الطبيعي، ولكن عندما يتم تهريبها إلي مصر وتصادف الزراعات المصرية المحدودة تصاب بالأمراض لأنها كانت تتغذي علي نبات واحد لمساحات شاسعة. كما أن إلغاء الدورة الزراعية من مصر التي كانت تحدد ما يزرعه الفلاح في كل موسم، وأصبح يحدد المحصول الذي يدر عليه أعلي عائد ويقوم بزراعته، أدي إلي خلل الدورة البيولوجية للنحل وبالتالي انخفاض الإنتاج. بالإضافة إلي أن زراعة سلالات من القطن خالية من الغدد الرحيقية لمكافحة حشرات مثل المن وقلة المساحات المزروعة من القطن في السنوات القليلة الماضية أدي إلي ترك العديد من النحالين عملهم. تهديد بالانقراض أكد د. ثروت، أن ما يتردد عن خطر انقراض سلالة النحل المصري صحيح، حيث أهملت في السنوات الماضية والأجيال الأصغر من النحالين ليس لديها الرغبة في بذل الجهد فيقومون بتحويله إلي أفرنجي لأن العمل علي الخلايا الطينية مجهد ولا يتحمله أي شخص ، عكس الخلايا الخشبية للنحل الأفرنجي التربية داخلها وعلاجها أسهل. مصر تحتاج إلي إمكانيات كبيرة من أجل الحفاظ علي سلالة النحل المصري من الاندثار ورفع إنتاجنا من العسل. فبالرغم من أن النحالين في الوقت الحالي بدأوا التعايش مع الفاروا فقد ظهر الأخطر منه وهو مرض تعفن الحضنة الأمريكي وهي بكتيريا جاءت إلي مصر أيضا عن طريق تهريب الملكات أو العسل . فالنحال يري الخلية في الخارج ثلاثة أو أربعة أدوار مما يشجعه علي أن يأتي بها حتي تدر عليه عسلا أكثر ولكن ما إن تأتي هنا في ظروف الزراعة المتقطعة والجوية المختلفة حتي تتأقلم، فلا تأتي بالإنتاج أو النتيجة المرجوة. ويذكر أن إنتاج النحالين في محافظات الوجه البحري أكثر من الوجه القبلي نظرا لاعتدال درجة الحرارة وارتفاع نسبة الوعي في الوجه البحري عنه في القبلي. أكد د. حسين آدم، الخبير بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي، أن محافظة أسيوط جاءت الأعلي إنتاجا في العام الماضي بمعدل 9931 طنا، يليها المنيا بنحو 706 أطنان ثم البحيرة ب 706 أطنان. ووجود تجربة بعض النحالين في الوجه القبلي لاستخراج عسل سدر جبلي عن طريق زراعة أشجار النبق ولكن قلة المساحات المزروعة منه تهدد التجربة. مروة عبدالعزيز