قضية عنف الرجل ضد المرأة من أخطر قضايا التمييز في العالم أجمع وتزداد حدته كثيرا في الدول النامية لأسباب متعددة منها الفقر والموروث الثقافي والأمية.. وهذا مادفع مركز صحة وتنمية المرأة بالإسكندرية إلي القيام بإجراء بحث ميداني عن مناهضة العنف ضد المرأة وبالتعاون مع مؤسسة فورد الأمريكية علي مدار عامين للوقوف علي عوامل ونتائج تساعد في العمل علي الحد من العنف واستمرار الدفاع عن حقوق المرأة في الحصول علي حياة كريمة آمنة. تعاني المرأة كثيرا ولاشك من كل أشكال التمييز الموجهة ضدها والعنف هو أهم أشكاله علي الإطلاق فتتعرض له المرأة في كثير من المجتمعات العربية والأجنبية دون مراعاة لوضع اجتماعي أو أسري وتتنوع أشكاله وتختلف مابين الأذي البدني والاعتداء الجنسي والتهديد والإكراه والاتجار ويعود غالبا لأنظمة مجتمعية لاتؤمن إيمانا حقيقيا بالمساواة بين الرجل والمرأة ومراعاة حقوقها وإنسانيتها.. وأكدت الدراسات الميدانية لمنظمات غير حكومية نفس نسبة العنف المعلنة عالميا إضافة إلي ماذكرته منظمة الصحة العالمية بأن حوالي 70٪ من جرائم قتل الإناث تتم علي أيدي ذكور كما أن 80٪ من النساء والأطفال من جرحي استخدام الأدوات وتتعرض أيضا ملايين النساء والفتيات كل عام للاغتصاب.. شملت الدراسة ثلاثة مجالات رئيسية: الجغرافي والبشري والزمني حيث أجريت الدراسة في بعض مناطق الإسكندرية وفيها تتنوع النشاطات المجتمعية من تعليم واقتصاد مع تحديد الطبقة العمرية وأخذ عينة من كل منطقة سواء الحضرية أو الشعبية أو العشوائية وقد تعامل البحث مع 540 حالة من العناصر البشرية واستغرقت الدراسة 15 شهرا. مفهوم العنف في البداية أوضحت الدراسة الميدانية للبحث مفهوم العنف بوجه عام عند المرأة وكيف تراه ومامظاهره بالنسبة لها وكانت الغالبية العظمي من عينات البحث من النساء عرفن العنف علي أنه فعل أو سلوك موجه من شخص لآخر لا يرضي عنه في حين رأت النسبة الأكبر أن العنف فعل نفسي ومعنوي بجانب البدني وقد انفقت الآراء مع التعريف العالمي للعنف وهو أنه أي فعل عنيف مبني علي النوع الاجتماعي ويترتب عليه أذي أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجنسية أو النفسية والجسمانية بالتهديد أو القسر والحرمان من الحرية سواء في الحياة الخاصة أو العامة. ولقد أرجع 43٪ من العينة أسباب العنف للعوامل الدينية في سوء تفسير الدين وبعض نصوصه خاصة الدين الإسلامي إضافة لسوء الخطاب الديني الموجه للمجتمع وجاءت العوامل الثقافية بنسبة 39٪ يؤكدون علي أن سبب تفشي العنف في مصر يعود للموروثات الثقافية السائدة التي تنظر للمرأة نظرة دونية وتعرضها للانتهاك والإهانة مع الأفكار والتقاليد المتأصلة للتمييز بين الذكور والإناث ومازال المجتمع يتمسك بها في بعض المناطق مثل الختان والزواج المبكر وجاءت العوامل القانونية بنسبة 15٪ حيث إن قصور بعض مواد القانون والتشريعات التي تحمي المرأة سبب في تعرضها للعنف وأيضا جهلها بحقوقها وواجباتها مما يجعل الفجوة ما بين التشريع والتطبيق واسعة ويؤدي بالضرورة لغياب حماية حقوق المرأة، وقد أرجعت نسبة بسيطة من العينة العنف إلي العوامل الاقتصادية 3٪ منها متمثلة في بطالة الزوج وزيادة عدد الأبناء والاعتماد علي دخل الأسرة فقط تجعل الرجل يري المرأة بنظرة عدوانية لعجزه عن القيام بواجباته الأساسية كنوع من تأكيد الشعور بالقوة والسيطرة يؤدي به إلي مزيد من العنف معها. وأكدت الدراسة أن الزوج يأتي في مقدمة الأشخاص الممارسين للعنف ضد المرأة ثم يليه الأخ وبعده الأب وأخيرا الأم.. وكشفت الدراسة أيضا أن بعض الأبناء الذين يمارسون العنف علي أمهاتهم نسبة غير قليلة وجاء تعريف شكل العنف ومظهره أولا في الضرب ثم السب والشتائم ويليه العنف في المعاشرة الزوجية ثم الإهمال وبعدها التحرش الجنسي في العمل والشارع وأخيرا العنف في مجال التعليم بنسبة منخفضة. الإعلام والتشريع للدولة والإعلام والتشريع دور هام في التصدي للظاهرة والقضاء عليها، ففيما يتعلق بالشق الخاص بالدولة يجب عليها إنصاف المرأة داخل المجتمع بوضع تشريعات تجبر الرجل علي احترام المرأة وتقديرها وتحتاج المرأة إلي توعية وعلم بالتشريعات والقوانين التي تصدرها الدولة.. ورأت نسبة بلغت 86٪ من العينة أن للإعلام دورا كبيرا في زيادة نسبة العنف ضد المرأة من خلال الصورة السيئة والمتدنية كضعيفة وراضخة لذل الرجل وبعض المواد التي تعرض قد تحث الرجل علي العنف ضد زوجته وابنته وأحيانا أمه وإن كانت البرامج الدينية تحث علي احترام المرأة وضرورة معاملتها معاملة حسنة.. ويري كثيرون أن الإعلام قادر علي القضاء علي الموروثات الخاطئة بالتوعية بمكانة المرأة الصحيحة في الإسلام بالابتعاد عن الفتاوي الخاطئة وتحديث الخطاب الديني مع دور الكتاب والصحفيين ومؤلفي الدراما. النشأة والسياق الاجتماعي أشارت النتائج إلي أن النشأة الاجتماعية للمرأة لها دور كبير في ترسيخ سلوك العنف ضدها في مراحل حياتها المختلفة طبقا للثقافة السائدة التي تميز بين الذكور والإناث من مبدأ الإعلاء والسلطة والسيطرة مما يعطيهم الحق في تعنيف الأخت والزوجة والأم في بعض الأحيان هذا مع جوانب التفرقة في المعاملة بمجالات الحياة المختلفة كالدراسة والعمل والتحرش من خلال المحارم والعنف في الحياة الأسرية (مرحلة الزواج) والإهانة والشتائم والتهديد بالطلاق والضرب والعنف النفسي والوعيد بالزواج بأخري والزواج المبكر. واحتوت تقارير منظمة العنف الدولية علي أن ظاهرة العنف ضد المرأة عالمية ولا تقتصر علي المجتمعات العربية فقط فيوجد أكثر من مليار امرأة في العالم تعرضن للعنف بمختلف صوره وأشكاله بما يعادل ثلث نساء العالم ولهذا فهي قضية حقوقية عالمية تمس كرامة المرأة وحياتها وبنيانها النفسي والصحي والاجتماعي.