من جديد تنسي الولاياتالمتحدةالأمريكية جرائمها عبر التاريخ القديم والحديث، وترمي غيرها بما ليس فيه، بل وتتقمص دور العاهرة التي تتحدث عن الشرف وتسقط علي الآخرين ما ارتكبته من جرائم، فأمريكا التي قتلت في فيتنام مليوني نسمة، وفي العراق مليونا فضلاً عن تشريد مليونين آخرين وإشعال حرب مذهبية لم تنطفئ نيرانها منذ عام 2003 حتي الآن وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سجون جوانتانامو وأبوغريب، عادت لتلوح مرة أخري ب28 ورقة زعمت أنها أخفتها من تقرير أصله 838 صفحة أعدته لجنة خاصة بالكونجرس للتحقيق في أحداث 11سبتمبر، وتزعم فيه أن للسعودية يدا في الهجمات التي زلزلت العالم عام 2001، علي اعتبار أن 15 منفذاً من أصل 19، تابعين لتنظيم القاعدة، نشأوا وتربوا في السعودية. وهنا أيضاً ينسي الأمريكيون اعترافا صريحا من سيدتهم الأولي ووزيرة خارجيتهم سابقاً هيلاري كلينتون، تؤكد فيه أن واشنطن هي التي صنعت القاعدة، كما يجب التذكير بأن أمريكا قد غزت العراق بأكذوبة امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل وأن لصدام حسين علاقات بتنظيم القاعدة وهو ما تراجع عنه الأمريكيون لاحقاً ببرود تفوقوا فيه علي الإنجليز ودون تقديم اعتذار عما تسببوا فيه من قتل وخراب.. وثيقة ال28 صفحة كانت تقبع في خزانة حديدية إلكترونية بالطابق السفلي لمبني الكونجرس، لا أحد يعرف فحواها تحديداً حتي الآن ولكن نشرها قد يكون قريباً، وهو ما سيلقي بلا شك بمزيد من التوتر علي العلاقة المحتقنة أصلاً بين الرياضوواشنطن. ولكن هل علي السعودية أي مسئولية فيما يتعلق بهجمات 11 من سبتمبر؟ في كل الأحوال، وبحسب واضعي التقرير، فإن »ال15 سعودياً تربوا علي مبادئ الوهابية السعودية» التي يزعمون أنها »مدرسة لكراهية الديانات الأخري والآخر عموماً».. هكذا اكتشف الأمريكيون فجأة بعد أكثر من سبعة عقود لهثوا خلالها خلف كل قطرة نفط في السعودية، والسؤال مرة أخري: هل كان للرياض مسئولية بشكل رسمي؟ الإجابة هنا هو ما خلصت إليه اللجنة نصاً هو أنه »لم يكن هناك أي دليل علي تمويل أو مساندة الحكومة السعودية كمؤسسة أو مسئولين سعوديين رفيعي المستوي بشكل فردي لهجمات سبتمبر». وتثار تساؤلات عديدة في الصحف الأمريكية عن احتمال تورط مسئولين سعوديين من الدرجة الثانية، وهو ما لا يعرف أحد مدي صحة ذلك علي وجه الدقة، ولكن المؤكد هو أن ال28 صفحة تم حجبها بطلب من الرئيس السابق جورج دبليو بوش، واليوم تطالب عائلات الضحايا أكثر من أي وقت مضي بالكشف عنها، بينما قام الكونجرس بتمرير قانون »جاستا» الذي يتم بموجبه السماح لمواطنين أمريكيين بمقاضاة حكومات أجنبية أياً كانت، وذلك بعد نقض فيتو الرئيس أوباما ضد القانون، وهو ما أثار غضب الرياض، ويفتح باباً من »الفوضي الدبلوماسية والقانونية غير المسبوقة» بحسب تعليق رسمي صادر عن البيت الأبيض، حيث باتت الولاياتالمتحدة نفسها وكثير من مسئوليها مهددين بملاحقات قضائية شبيهه، يُضاف إلي ذلك أن جاستا تمت صياغته بعبارات غامضة حيث بات بإمكان الأمريكي ذي الأصول الأوكرانية رفع دعاوي قضائية علي روسيا، وكذلك الحال بالنسبة للأمريكي ذي الأصول الأيرلندية الذي أصبح بإمكانه مقاضاة بريطانيا، ومع كل دعوي من هذا النوع يكون قاضي التحقيقات ملزماً بإصدار قرارت بتجميد أرصدة تلك الدول في البنوك الأمريكية!! تصريحات المسئولين السعوديين في الصحف الغربية خلال العام المنصرم، كان يعطي انطباعاً بأنهم يستشعرون الخيانة من الولاياتالمتحدة، غير أن ذلك الإحساس بالخيانة كان قبل دخول أوباما البيت الأبيض رئيساً، وبالعودة لليلة الأربعاء الثاني عشر من ديسمبر 2001، نكتشف هذا الخبر الذي أعلنه البيت الأبيض في بيان رسمي: 15 من ال19 إرهابياً الذين نفذوا هجمات سبتمبر كانوا سعوديين، ومن هنا انطلقت وثيقة ال28 صفحة. وعقب الهجوم الأكثر دموية قي تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية علي أراضيها (3000 قتيل) تم تشكيل لجنة للبت في مسئولية ذلك الهجوم داخلياً وخارجياً، ونشرت تقريراً من 838 صفحة في يوليو 2004، لتؤكد ضلوع تنظيم القاعدة، بزعامة أسامة بن لادن آنذاك، في الهجوم فيما تم تبرئة عراق صدام حسين وإيران من أي مسئولية. العبارة التي تركت من خلالها الولاياتالمتحدة الباب مفتوحاً علي الجحيم كانت متمثلة في عدم »استبعاد مسئولين سعوديين من الدرجة الثانية في هجمات سبتمبر»، وتري صحيفة وول ستريت جورنال أن الرياض بإمكانها الانتقام مالياً بشكل مدمر لو أصرت الإدارة الأمريكية علي موقفها، حيث تمتلك السعودية 650 مليار دولار احتياطياً نقدياً في البنوك الأمريكية من بينها 96.5 مليار دولار سندات خزانة، وبالإضافة لسحب السيولة وبيع السندات قبل موعدها فبإمكان المملكة أيضاً تسييل أصول تصل قيمتها إلي تريليون دولار علي الأراضي الأمريكية، وهو ما يجعل الدولار بل والنظام الاقتصادي الأمريكي برمته يتهاوي أمام جميع عملات واقتصاديات العالم بشكل لم يحدث منذ نشأة الولاياتالمتحدة. ستيفان مارشون مساعد رئيس تحرير في صحيفة لوفيجارو الفرنسية اليومية، وعمل مراسلا للصحيفة من الشرق الأوسط والولاياتالمتحدة من 1988 إلي 1996، ونشر مؤخرا »حروب البذخ»، يكشف عن أن الولاياتالمتحدة تتربص بالسعودية منذ عام 2003، وذلك من خلال كتابه الصادر في نفس العام بعنوان »المملكة العربية السعودية.. التهديد»، ويكشف الكاتب أن اللوبي اليهودي في أمريكا، وعلي رأسه بيل كريستول رئيس تحرير صحيفة ويكلي ستاندار، لم يتوقف عن تحريض الإدارات الأمريكية المتعاقبة علي الرياض بسبب ما يبديه المسئولون السعوديون من غضب عارم تجاه تعامل واشنطن مع القضية الفلسطينية وانحيازها المطلق لإسرائيل التي لا تتوقف عن التهام أراضي الفلسطينيين بالمخالفة للقانون الدولي. ويؤكد مارشون في كتابه، أن سنوات عمله في الولاياتالمتحدة والشرق الأوسط، جعلته يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك البلد الذي يملك ربع احتياطي البترول العالمي، وأطلق مبادرة شاملة للسلام في الشرق الأوسط أصبح يمثل تهديداً في نظر اللوبي اليهودي بواشنطن، بزعم نشر إسلام رجعي يحض علي العنف والكراهية وأكثر خطورة من تلك الثورة التي حدثت في إيران عام 1979. العلاقة بين البيت الأبيض والسعودية بدأت باتفاقية شراكة إثر لقاء تاريخي في فبراير من عام 1945، علي سطح الطراد الأمريكي كوينسي في البحر الأحمر بين الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس فرانكلين روزفلت.. اتفاق تضمن بموجبه واشنطن أمن المملكة علي أن تزودها تلك الأخيرة بكل ما تحتاجه من نفط. اليوم وبعد مرور 71 عاماً يبدو كل شيء في تلك العلاقة وكأنه ذهب أدراج الرياح، فالولاياتالمتحدة ظهر لديها كميات هائلة من البترول الصخري الذي لا يلبي احتياجاتها فقط، بل ولا يكلفها المبالغ الضخمة التي تُنفق علي البترول الأحفوري، وفي سياق منفصل يشعر آل سعود بخيانة كبري بعدما قاد باراك أوباما قوي الغرب للتوقيع علي اتفاق لوزان في سويسرا العام الماضي والذي تم بموجبه تسوية ملف إيران النووي سلمياً، وهو مايري فيه السعوديون والخليج أجمع ضوءاً أمريكياً أخضر لطهران كي تبسط نفوذها وتمد أذرعها في عدة عواصم عربية بدءاً من دمشق ومروراً ببيروت وحتي بغداد وصنعاء.. وعلي ذكر إيران يقول ستيفان مارشون إنه افي إحدي التقارير المقدمة من المخابرات المركزية الأمريكية »IA للرئيس السابق جورج دبليو بوش قرأ هذا الأخير العبارة التالية: لا ينبغي التعامل مع المملكة العربية السعودية علي أنها جزء من حل مشاكل الشرق الأوسط لأن الرياض هي المشكلة»، وفي موضع آخر: »التعاون مع إيران المتطورة تكنولوجياً أفضل بكثير من التحالف مع بدو الصحراء».. كلمات يمكن قراءتها في أفعال الولاياتالمتحدة خلال العشرية المنقضية وما قبلها: تعاون استخباراتي في حرب أفغانستان عام 2001، ثم في حرب العراق عام 2003، ثم القبول بإيران نووية وتوقيع اتفاقية لويزيان صيف العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أن حلقة الوصل بين طهرانوواشنطن في حربي العراق وأفغانستان كان محمد جواد ظريف وزير الخارجية الحالي ومهندس التسوية النووية.. اختصاراً كان مارشون يتنبأ بغدر الولاياتالمتحدة بالسعودية ومكافأة إيران علي مساعداتها لها في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في العراق وأفغانستان.