أيهما أكثر أهمية أن نفتش في تاريخ مبارك الشخصي، بحثا عن هفوات وسقطات شخصية، أم محاسبته وأركان نظامه علي سياساته التي أوصلتنا إلي ما نحن فيه من ترد في كثير من المجالات، أيهما أهم الحديث عن ماض لا فائدة من محاولة استرجاعه والنبش فيه - فليس كل ماض يبني عليه- أم الحديث عن غد أفضل، ضحي من أجله الثوار. فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة "بقصد الإثارة" عن جوانب شخصية في حياة مبارك بوصفه بأوصاف بعيدة كل البعد عن كونه رأس نظام كشفت الثورة أنه كان مجرد عصابة استولت علي مقدرات الوطن وعاثت في الأرض فسادا، ومن هذه الأوصاف أنه كان بلا طموح ولذلك اختاره السادات ليكون نائبا له، وأنه لا يعد طيارا مقاتلا محترفا وأنه رفض الإنفاق علي والدته، فاضطرت لرفع قضية حصلت بموجبها علي نفقة شهرية بأمر المحكمة، وغير ذلك كثير مما يحاول البعض الخوض فيه لتشويه صورة مبارك الشخصية والإنسانية، وهي أمور لا أعتقد أنها كانت في مخيلة، أو هدف من قاموا بالثورة، كما أنه لا يفيد الخوض فيها المصريين، لا في حاضرهم، ولا في مستقبلهم، بشيء، إلا تسويد صفحات كان من المهم أن يقدم من خلالها رؤي مستقبلية، وأفكار تفيد صناع القرار. فالذين قاموا بالثورة كان هدفهم الإطاحة بنظام سياسي استشري فيه الفساد والقمع والتعذيب والتزوير وكبت الحريات، ولم يكن هدفهم الانتقام من شخص الرئيس وأعوانه، والبحث عن عورات وزلات تسيء لماضي هذا إنسانيا، أو ذاك أخلاقيا. لن تنجح الثورة إلا اذا تجرد المفكرون والمثقفون وأصحاب الأقلام من شخصنة الأمور، والبدء في فتح حوار مستمر حول مستقبل مصر والمصريين، "لا أقصد طبعا الحوار والوفاق الوطني"، حوار تناقش من خلاله سيناريوهات المستقبل بجدية، حتي تتبوأ مصر المكانة التي تستحقها بين الدول.