5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث عن الثورة
نشر في الأخبار يوم 24 - 02 - 2011


(1) وصف ما حدث :
تصل حركة الجماهير أو أية حركة شعبية لنقطة تحتم وصفها بالثورة عندما يتحقق لها مشاركة أعداد كبيرة من الشعب وكذلك عندما تحدث تأثيرات وتجلب متغّيرات كبيرة علي أرض الواقع. ولاشك أن أعداد المصريين والمصريات اللذين شاركوا في الحركة التي بدأت يوم 25 يناير 2011 لم تكن فقط كبيرة ، بل كانت الأكبر علي عدة أصعدة . فعدد الجماهير المتحركة المطالبة بالتغيير لم تصل فقط لاكثر من مليون مصري ومصرية في ميدان التحرير (لأيام عدة) وانما بلغت أكثر من عشرة ملايين مصري ومصرية في بعض الأيام علي مستوي مصر كلها . ومع مراعاة الفوارق في عدد ابناء الشعوب ، فإن الجماهير التي خرجت تطلب التغيير في مصر كانت أكبر بكثير من الجماهير التي شاركت في ثورة 1919 وأكبر بكثير من كل من خرجوا يؤيدون حركة الجيش يوم 23 يوليو 1952 بل وأكبر بكثير من الجماهير التي أسقطت الحقبة الأشتراكية في كل دول ما كان يسمي بأوروبا (أو الكتلة) الشرقية. وعليه ، فإن الجانب المتعلق بالكم ، يثبت بوضوح اننا كنا بصدد أكبر حركة شعبية في تاريخ مصر الحديث ، وبصدد واحدة من أكبر الحركات الشعبية في تاريخ العالم خلال القرنين الأخيرين.
وأما من حيث "الأثر" ، فلا شك ان ما بدأ في مصر يوم 25 يناير 2011 قد أحدث (ولا يزال يحدث ) متغيّرات عملاقة وجذرية في الواقع المصري كان أهمها إسقاط رأس نظام حكم مصر بإستبداد متصاعد طيلة ثلاثين سنة ووصل في سنواته العشر الأخيرة لشكل من أسوأ أشكال تحالف السلطة والثروة .
وإلي جانب إسقاط رأس النظام ، فقد ضعضعت الثورة النظام بأسره ، وان كانت أجزاء عدة من بنيته لا تزال موجودة ، بل وتقوم بما لامناص من وصفه بالثورة المضادة . لا شك اذن ان الأحداث التي بدأت في مصر يوم 25 يناير 2011 كانت "ثورة" ، بل "ثورة كبيرة ورائعة" وأيضاً "ثورة بيضاء" ( فكل الدم الذي سال ، انما سال علي يد النظام وأعوانه وعدد من أتباعه من رجال الأعمال).
وتستحق ثورة 25 يناير 2011 ما قيل عنها من أعداد كبيرة من أكبر قادة العالم ، الذين لم يكتفوا بوصفها بأنها ثورة عظيمة بل وأشادوا بإرادتها وعزمها وعبقرية أدائها وسلميتها ، وطالب كثيرون منهم أن تدرّس في معاهدهم العلمية.
(2) خلفية الثورة وأسبابها
لا شك ان النصف الأول من مدة حكم الرئيس مبارك لمصر (1981 - 1996) كانت إستبدادية (سياسياً) وراكدة (إقتصادياً وإجتماعياً). ومع ذلك فلم تكن هناك قوة دافعة لثورة ضد الرئيس مبارك الذي كان يحكم بمفرده . أما خلال النصف الثاني من مدة حكم الرئيس مبارك ، فقد إشتركت أسرته (وبالذات زوجته وأبنه الأصغر) في حكم مصر علي كافة الأصعدة وقام ابن الرئيس الأصغر بتكوين أوليجاركيا (حلف) ما بين بعض رجال السلطة وبعض رجال الثروة. وتصاعد نفوذ وسلطان هذا الحلف حتي أصبح الحاكم الحقيقي للداخل ( اذ ترك الشأن الخارجي للرئيس). وخلال تلك السنوات تصاعد الاستبداد السياسي والفساد المالي لأعلي درجات خبرها المصريون في تاريخ مصر الحديث . وقام هذا الحلف بغلطته الكبري في سنة 2010 عندما قام الابن الأصغر للرئيس بمساعدة امين عام الحزب الحاكم ( حزب الرئيس) وهو (أي صفوت الشريف) شخص أجمع المصريون علي سوء الظن به، وشخص آخر (أحمد عز) كان هو أقرب رجال المال والأعمال لإبن الرئيس ، بتزوير الإنتخابات مرتين: إنتخابات مجلس الشوري ثم (وهذا هو الأهم) إنتخابات مجلس الشعب ، وإحتكروا قرابة 98٪ من مقاعد مجلس الشعب لأتباعهم وتركوا لباقي مصر 2٪ (من المقاعد) فقط ! كانت تلك الغلطة هي القشة التي قصمت ظهر البعير. ولكن لابد من رؤية الأمور من مكان مرتفع بالكيفية التالية : الرئيس خلال النصف الثاني من فترة حكمه ضعف امام أسرته وبالذات أمام زوجته وأبنه الأصغر ، فأشركهما في إدارة الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية والتعليمية ، ثم ترك معظم هذه الأمور لهم وإكتفي بالشأن أو الشئون الخارجية. وقد أدي هذا لتكوين حلف شيطاني بين السلطة والثروة عرّبد في مصر فساداً (علي كافة الأصعدة) طيلة عقد ونصف العقد من الزمان. وهي "العربدة" التي بلغت ذروتها في تزوير ( لا نظير له ) للانتخابات البرلمانية. وبعد أسابيع قليلة من هذا الفصل الأخير من فصول عربدة حلف السلطة والثروة في عهد مبارك جاء الطوفان يوم 25 يناير 2011 .
(3) هل كانت الثورة متوقعة:
أزور (وأحاضر في) معظم كبريات كليات ومعاهد ومراكز دراسات الشرق الأوسط الأمريكية والأوربية . وأظن أن ذلك يسمح لي ان أقول ان جميع خبراء الشرق الأوسط كانوا يتوقعون ان تحدث ثورة في مصر ، ولكنهم ( بما في ذلك كاتب هذه السطور ) كانوا يتوقعون مجيء الثورة إما من العشوائيات أو من المسجد . وهو ما لم يحدث . إذ جاءت الثورة ( أول ما جاءت ) علي يد أبناء وبنات الطبقة الوسطي وجلهم من خريجي الجامعات ، وكلهم من مستعملي أحدث مبتكرات تكنولوجيا العصر في مجال المعلومات والأتصالات . بل ويجب إيضاح ان كون هؤلاء ( الأبناء والبنات ) من جيل تكنولوجيا المعلومات وعلي رأسها الأنترنيت والفيس بوك والتويتر ، قد أتاح لهم فهما عصرياً لأمرين:
الأول ، هو المواطنة .... وثانيهما : دور الحكومة . فمعظم أبناء وبنات هذا الجيل ( الكمبيوتري ) يعرفون حقوق المواطنين والمواطنات أكثر من الأجيال الأخري . وفي نفس الوقت فأنهم يعرفون ان الحكومات وجدت لتخدم لا لتحكم ، فهم يروون بوضوح الفوارق بين الحكومات الخادمة في الدول المتقدمة والحكومات الحاكمة في دول مثل مصر.
(4) يوم 25 يناير 2011 :
رغم ترسانة أمن الدولة ، ووزارة داخلية زاد عدد رجالها من مائة ألف سنة 1981 إلي أكثر من مليون في أوائل 1102 ورغم التجسس والتنصت ومراقبة كل الإتصالات والتحكم في معظم وسائل الأعلام . رغم ذلك ، جاءت ثورة 25 يناير 2011 منظمة ومسلحة بإرادة فولاذية وحققت "جماهيرية" مذهلة من البداية . وكلها جوانب تستحق الدراسة كما تستحق الإشادة . وعندما قامت الدولة البوليسية بقطع الفيس بوك والإنترنيت ثم رسائل الهواتف المحمولة ، وأخيرا الهواتف المحمولة ذاتها (وكلها أعمال مزرية لا تقوم بها حكومات محترمة أو حكومات تحترم شعوبها)، وينبغي محاكمة من أمر بمثل هكذا إجراءات مزرية). رغم ذلك ، فإن الثورة سارت وكأنها تتبع "نوتة موسيقية" فيها كافة التفاصيل . والخلاصة ، ان "العلم" هزم بدائية سلطة لا تنتمي للعصر.
كان زعماء حركة كفاية يحدثوني (كأصدقاء) عن إحباطهم (لسنوات) بسبب عدم قدرة أحد علي إقناع ألف شخص فقط بالتجمهر. واذا بشباب 25 يناير يقفزون من الحلم بتظاهرة ألفية إلي ثورة مليونية في ميدان واحد ! والسبب (بكل بساطة) إنهم كسروا حائط الخوف وآمنوا برسالتهم وبنفسهم .... وفي ذات الوقت آمنوا أن خصمهم قوي في الظاهر ، شديد الوهن في الحقيقة.
(5) ثورة حرية لا ثورة خبز
ورغم أهمية أن يعيش الإنسان حياة كريمة ، فإن "الكرامة" و"الحرية" قد سبقت "الخبز" و"الوظيفة" كمحرك لثورة 25 يناير 2011 . وفي الحقيقة ان هناك علاقة جدلية بين الامرين أدركها شباب الثورة. فعدم توفر الظروف الحياتية الكريمة لكل أبناء وبنات مصر هو نتيجة لنظام سياسي إستأصل الحرية واجتز كرامة المواطنين من جذورها . فالشعوب التي تحظي بالحريات وبالكرامة تشارك في الحياة السياسية ، وتبدل الحكام ، وتبدل قواعد الحكم ، وتصل في النهاية لكفالة الحقوق الأنسانية لكل مواطن ومواطنة في حياة كريمة بكل ما تعنيه الكلمة (من مسكن لطعام لتكوين أسرة لتنشئة أبناء لعلاج صحي...إلخ).
(6) مطالب الثورة:
كانت مطالب الثورة من جهة سياسية في المقام الأول (الحرية + الكرامة + المشاركة + العدالة الأجتماعية). وكانت مطالب الثورة من جهة أخري داخلية ، فلم يخدع الثوار بالشعارات الكبري لما هو خارج حدود الوطن . فهمهم الأكبر كان إصلاح شأن الوطن وليس إصلاح شأن العالم . وترتيب الأوليات ترتيباً صحيحاً هو من علامات النضج العقلي والإتزان الفكري.
(7) مدنية الثورة:
من اللحظة الأولي وحتي أسقطت الثورة رأس النظام كانت الثورة في كل ملامحها "مدنية صرف" وفي الحالات القليلة التي رفع فيها البعض شعارات دينية كانت الجماهير تصمته بهتافها الرعدي "مدنية .... مدنية" .
ومن مزايا هذه الثورة الكبري العديدة أنها أظهرت الأحجام الحقيقية لكل من : حكومة الرئيس مبارك وأحزاب المعارضة التي تكونت في سنوات حكم الرئيس مبارك وأخيراً حركة الإخوان المسلمين. وظهر للعالم جلياً أنه بينما لايمكن إنكار وجود وتأثير حركة الإخوان المسلمين ، فإن مبالغة النظام في تخويف العالم من الإخوان كانت لخدمة غرضه الكبير في تأصيل فكرة أنه (أي الرئيس مبارك) هو لبديل الوحيد للإخوان المسلمين.
(8) أيام الثورة:
ستكتب عشرات المقالات والمؤلفات عن وقائع أيام الثورة وماشابها من عظيم التفاصيل التي أظهرت المعدن النفيس للشعب المصري ولكن أهم ما أظهرته لي (كمتابع تواجد كثيراً في ميدان التحرير) هو: أولاً: الإرادة والتصميم علي بلوغ الهدف بشكل كان الكثيرون يظنون أن المصريين ما عادوا يتحلون به. ثانياً: التآلف والتآخي والتكاتف والتعاون والتآذر بشكل أظن أن العالم لم ير له نظيرا . ثالثاً : الجلد بشكل اسطوري في مواجهة قوي بطش جهنمية حاربت شعبها بالأسلحة والسيارات وراكبي الخيول والجمال المأجورين وقنابل المولوتوف. وطيلة ما يقرب من ثلاثة أسابيع كان"جلد الثوار" كما هو ، أو بالأحري كما الجرانيت الذي أدمن المصريون القدماء ترويضه. وعندما يكتب تاريخ هذه الثورة ، فلا بد من تسليط الضوء علي جرائم بعينها لحكومة الرئيس مبارك مثل محاولة ترويع الثوار بهجمة همجية بربرية قوامها رجال الأمن وعدد كبيرمن أصحاب السوابق ومالكي الخيول والجمال التي يستعملها السائحون . وهي هجمة بربرية خطط لها ومولها أشخاص من جانبي النظام (جانب السلطة وجانب الثروة) ينبغي أن يقضوا ما تبقي لهم من العمر في زنازين السجون (بعد محاكمات أمام القضاء العادل لا القضاء العسكري الذي أدمن نظام حسني مبارك محاكمة المدنيين أمامه).
(9) السقوط المروع للشرطة المصرية:
شهدت أيام ثورة 25 يناير سقوطاً مروعاً لجهاز الشرطة المصري الذي أنفق عليه النظام عشرات مليارات الجنيهات وزوده بأجهزة ومعدات وأسلحة جعلته أقرب ما يكون لجيش لا لجهاز شرطة ... وزاد النظام عدد رجال هذا الجهاز حتي تخطي عددهم المليون ضابط وأمين شرطة وجندي ومجند. وقد شهدت أيام الثورة تحلل وتهاوي هذا الجهاز الضخم الذي بدَل وزيره السابق عقيدة الشرطة المصرية من "خدمة الشعب" إلي "خدمة النظام" .
وكان عدوان هذا الجهاز علي أبناء وبنات الشعب المصري هو اللعنة التي هوت بجهاز الشرطة لأسفل سافلين . وظني أن جهاز الشرطة كان ولا يزال يضم مصريين شرفاء يودون أن يخدموا وطنهم ومواطنيهم أجل الخدمات. ولكن قيادة هذا الجهاز (أي وزراء الداخلية ابان سني حكم مبارك) وقيادة قيادتهم (أي الرئيس مبارك) هم الذين غيروا بوصلة هذا الجهاز الوطني ، وجعلوه قليل الاهتمام بالأمن الجنائي ، شديد التركيز علي الأمن السياسي .
وتحت تلك القيادات ذات الهدف الفاسد والتكوين الضعيف (وأنا هنا اتكلم منطلقاً من معرفة شخصية بكل وزراء الداخلية المصريين خلال العقود الثلاثة الماضية). وهذه القيادات (غير المؤهلة) هي التي أدارت بعلم محدود وضيق أفق منقطعي النظير ما سمي بوقائع وأحداث الفتنة الطائفية ، كما أنهم استعملوا قانون الطوارئ بهدف واحد هو حماية رأس النظام لا حماية مصر والمصريين . كذلك ، فإن الكثير من قيادات وزارة الداخلية المصرية (خلال العقود الثلاثة الأخيرة) شاركت رأس النظام في ترويج كذبة العهد الكبري وهي أن النظام هو البديل الوحيد لعفريت المتأسلمين ! ونظراً لان الحس التاريخي والثقافي لم يكونا من مكونات قيادات النظام والأمن ، فقد تعامل هؤلاء مع العفريت الذي خوفوا الخارج والداخل منه تعاملاً أمنياً صرفاً خلا من الأبعاد الثقافية والتنافس السياسي. وحتي هذا التعامل الأمني فإنه كان في كثير من الحالات غير قانوني وبالغ البطش وشديد الحمق واالنزق وقصر النظر. وفي اعتقادي أن اللوم ( كل اللوم) يجب أن يوجه لرأس الداخلية وليس لضباطه وجنوده ، فهؤلاء أبناء لمصر لا يعيبهم إلا سياسات وتوجهات وأغراض وأهداف قادتهم بوجه عام وحبيب العادلي بوجه خاص .
(10) حلف السلطة والثروة:
هناك الكثير الذي يمكن (بل ويجب) أن يعري وتكشف تفاصيله للشعب المصري من سلبيات العقود الثلاثة (1981 / 2011) علي جميع الأصعدة . ولكنني أظن أن أهم وأبرز وأخطر تلك السلبيات (أو المثالب ) كان ذلك الحلف الذي تكوّن خلال النصف الثاني من فترة حكم الرئيس السابق أي من 1996 وحتي قيام ثورة 25 يناير بين بعض رجال السلطة وبعض رجال الأعمال. هذا الحلف الذي لم يكن موجوداً خلال النصف الأول من مدة حكم الرئيس السابق. ولكن ما أن عاد الابن الأصغر للرئيس السابق من بريطانيا ، حتي بدأت ملامح هذا الحلف تتشكل .
وهو حلف يقوم علي احتكار بعض رجال السلطة ومعهم بعض رجال المال والأعمال للحياة السياسية وللحياة الاقتصادية في ذات الوقت. وقد زحف رجال هذا الحلف علي الحزب الحاكم وبجانب سيطرتهم علي الحزب فإنهم كونوا داخله كيانا متميزا لهم تحت مسمي لجنة السياسات. ثم امتد الزحف لمجالات وقطاعات مهمة .
فخلال سنوات قليلة ، أصبح معظم رؤساء البنوك من أتباع هذا الحلف. ثم امتد نفوذ الحلف داخل دنيا الصحافة والاعلام فوضع العديد من أتباع الحلف علي رأس عدد من المؤسسات الإعلامية (صحف وتليفزيون) ذات التأثير بالغ القوة علي الرأي العام المصري . وفي مرحلة تالية ، تغلغل نفوذ هذا الحلف الشيطاني داخل العديد من المؤسسات المهمة كانت الجامعات في مقدمتها . هذا الحزب هو اللعنة التي حلت برئاسة الرئيس السابق وخلفت روح الثورة داخل عقول وصدور الشباب الذين أغلقت ثورتهم صفحة رئاسة الرئيس السابق ودمغتها بالعديد من النعوت السلبية التي ستبقي ما بقت الحياة تشير إلي حقبة من أسوأ حقب التاريخ المصري
و لاشك عندي ان مصر والمصريين يؤدون أجل خدمة لمستقبل وطنهم وللأجيال القادمة بالإصرار علي فتح ملفات العهد السياسية والاقتصادية والحض علي التحقيق (وربما المقاضاة اذا رأت النيابة العامة ذلك). حتي يدان كل من خالف القانون بأي شكل وكل من نهب مصر بأي شكل ، وكل من عاث فساداً في مصر خلال السنوات الثلاثين الماضية. ويجب أن يتسع تعريف الفساد ليشمل كل تضخم في الثروة بسبب الارتباط بالسلطة.
(11) مسلسل تنازلات النظام أمام طوفان الثورة:
يبدو أن ضفيرة "طول البقاء في السلطة" و"ضآلة المحصول الثقافي" قد جعلت قادة النظام السابق لا يفهمون حقيقة وحجم واتجاه وقوة وعزم وصلابة الثورة التي اندلعت يوم 25 يناير 2011 . عدم الفهم هذا ، جعل بعض قادة المرحلة يظنون أنهم أمام "تظاهرات" يمكن أن تحتوي بإجراءات أمنية تواكبها تنازلات مثل إقالة الوزارة (وزارة نظيف) ثم تعيين نائب للرئيس (ليشغل المنصب الذي قال الرئيس السابق انه ظل أكثر من ربع قرن يبحث عمن يصلح لشغله ولكنه لم يجد أحدا !! ) ثم الاعلان عن أن الرئيس ، وبعد ذلك "ابن الرئيس" لن يترشح أي منهما لمنصب الرئيس في انتخابات سبتمبر 2011 الرئاسية ، ثم إقالة قيادات الحزب الوطني (التي حظت بالقسط الأوفر من كراهية المصريين) .... ثم تفويض نائب الرئيس في سلطات رئيس الجمهورية. وكان مسلسل التنازلات دالاً علي عدم فهم النظام المتضعضع لما كان يحدث . فالثورة لا تعطي "لقماً" (صغيرة أو كبيرة) لتلزم الهدوء . واذا كنا يجب أن نشكر ابن الرئيس علي قيامه بتكوين حلف السلطة والثروة ، فبدون ذلك ماكان غضب الشعب سيصل للكتلة الحرجة التي تستدعي الثورة التي بدت للبعض مخالفة لطبيعة المصريين اللينة والقابلة لما تسوقه الأقدار ... فإن المنطق يلزمنا أن نشكر أولئك الذين لم تسعفهم قدراتهم لفهم طبيعة ما بدأ يوم 25 يناير 2011 ! لأن ذلك كان سيؤدي لإجراءات كان من شأنها إراقة المزيد من الدماء الطاهرة الذكية (ولا يقلل هذا من هول قتل النظام لأكثر من ثلاثمائة مصري ومصرية لابد أن يحاكم قاتلوهم وأن يعلقوا علي المشانق).
(12) خطب الرئيس السابق أثناء الثورة:
فضحت خطب الرئيس السابق أثناء الثورة (ثلاث خطب) الكثير من أفكار ومشاعر الرئيس السابق تجاه وطنه وشعبه . فقد أظهرت تلك الخطب عناداً لا يمكن إلا أن يصدر عن آفاق ذهنية بالغة الضيق. وأظهرت تلك الخطب أن الرئيس السابق كان يري أنه صاحب العديد من الأفضال علي مصر(!). وأظهرت تلك الخطب تعالياً لم يكن يظهره من قبل . وأظهرت تلك الخطب قدرة غريبة وعجيبة علي الإصرار علي عدم رؤية الواقع.
فالرئيس السابق لم يشر مرة لما حدث بصفته ثورة ولم يشر مرة لواحدة لحلف السلطة والثروة الذي أدي ليوم 25 يناير الأمجد . ولم يشر مرة لتزوير انتخابات مجلسي الشوري والشعب ، هذا التزوير الذي كان أكبر إهانة للشعب المصري . والرئيس السابق لم ينطق بكلمة اعتذار واحدة للشعب عما اقترف في حقه قبل وأثناء ثورة 25 يناير.
والرئيس السابق لم يعتذر عن قتل نظامه لأكثر من ثلاثمائة من أبناء وبنات مصر وكانت خطب الرئيس تأتي بعد ساعات من الوقت الذي كان الشعب يتوقع منه فيها الكلام. وهو ما أضاف دليلاً آخر علي عدم احترام الشعب. وكانت الكلمة الأخيرة للرئيس (24 ساعة فقط قبيل التنحي) أسوأ خطبة منذ أصبح رئيساً لمصر يوم 14 أكتوبر 1981 . وكلي ثقة ان تلك الخطب ستلقي من التحليل والتعليقات ما تستخلص منه عشرات الدروس.
(13) عدم الفهم... الصلف... العناد... السقوط... التنحي
شهدت أيام الثورة مسلسلاً ( من طرف النظام) قوامه"عدم الفهم" الذي يؤدي إلي مزيد من"الصلف"... وهذا الصلف يضاعف من حجمه "عناد أسطوري" عُرف عن الرئيس السابق أنه كان يفتخر به. وهذا المسلسل ساعد الثورة والثوار (الذين قدموا أروع الأمثلة وضحوا بالكثير وثابروا بشكل مذهل) علي الوصول للحظة النصر الأول وهي لحظة سماعهم لنبأ تنحي الرئيس السابق . وقد ذكرت عمداً تعبير "لحظة النصر الأول" ، لان هناك أهدافا أخري للثورة لا تقل أهمية عن تنحي الرئيس السابق، لم تتحقق بشكل كامل بعد .
(14) سقوط الرأس ... تضعضع النظام وليس سقوطه:
لا شك أن ثورة 25 يناير قد نجحت في أمرين واضحين هما "إسقاط رأس النظام" و"ضعضعة النظام" . ولكن النظام لم يرحل بكل رموزه ورجاله وروح عهده وطرائق وأهداف عمل مؤسسات الدولة. وربما يكون ذلك هو البديل الوحيد للفوضي والفراغ . ولكن الشهور الستة القادمة ستكون هي ما سيحدد : هل يفرز النظام الذي تضعضع وسقط رئيسه نظاماً جديداً من نفس مادته ونسيجه وروحه أم أن القوات المسلحة (أمل ورجاء الشعب المصري) ستنجح في إدارة الأمور إدارة تؤدي بنا إلي بداية عهد جديد تماماً يوم 14 أكتوبر القادم ...
عهد يحظي فيه المصريون بحريات سياسية كبيرة ، ويشاركون فيه في صياغة الواقع والمستقبل ... عهد يتراجع فيه الفساد وتنجلي فيه غمة حلف السلطة والثروة ... عهد يتبدل فيه الرؤساء ويحاسبون وتكون فيه الحكومات مجرد "خدم للشعب"؟
(15) القوات المسلحة:
لا شك أن القوات المسلحة قد حمت الثورة والشعب بأسره من سيئات عديدة كان رأس النظام وقيادة عدد من أجهزته السياسية والأمنية لن يترددوا في أحداثها للبقاء في السلطة . حمي الجيش مصر والمصريين من اقتتال ودمار داخليين وكانت كل تحركات وخطوات وقرارات الجيش آية في الوطنية وحب الشعب والحفاظ علي مرافق مصر وثرواتها . وتم كل ذلك بمودة واضحة وسلاسة فذة. والأمل معقود أن يسلم الجيش السلطة لرئيس منتخب عبر انتخابات حرة ونزيهة ولحكومة مدنية من أصحاب الكفاءات بحيث نبدأ معاً عهداً أفضل وأكثر حرية وأكثر أمانة ونزاهة وشفافية ... عهد يكون فيه الكل قابلاً للمساءلة.
كانت تلك "صورة بانورامية" مقتضبة لأروع ثورة في تاريخ مصر ... وسيعقب هذا المقال مقال آخر سيتضمن روشتة تفصيلية لما ينبغي أن يتم خلال هذه المرحلة الانتقالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.